ضرر الفساد في أمثلة (لو اتبع الله أهوائهم لفسدت السماوات والأرض) (ح 20)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لاحظ مدقق ان دائرة ضريبة مشابهة لدائرة ضريبة اخرى فيها نقص أموال، فاخذ يشك بوجود اختلاس. فبعد التدقيق تبين رئيس دائرة الضريبة اتفق مع موظفين اثنين آخرين بالدائرة بتسجيل مبلغ أقل مما هو مطلوب أن يدفعه دافعي الضرائب. حيث استلم رئيس الدائرة نصف مبلغ مجموع الرشاوي والنصف الآخر للموظفين بالتساوي. وان المبلغ المطلوب دفعه من قبل دافعي الضرائب 3 مليون دولار ولكن المدفوع منه والمسجل نصف مليون دولار، ومجموع الرشوة نصف مليون دولار. كم المبلغ المختلس الذي خسرته الدولة؟ وكم المبلغ الذي أصبح في جيوب دافعي الضرائب؟ وكم مبلغ حصل كل من رئيس دائرة الضرائب وكل موظف من الموظفين الاثنين؟
المبلغ الذي خسرته خزينة الدولة = المبلغ المطلوب دفعه - المبلغ المدفوع فعلا = 3 - 0.5 = 2.5 مليون دولار. المبلغ الذي أصبح في جيوب دافعي الضرائب = المبلغ المطلوب دفعه - المبلغ المدفوع - مبلغ الرشوة = 3 - 0.5 - 0.5 = 2 مليون دولار. مبلغ رشوة رئيس دائرة الضرائب = نصف مبلغ الرشوة = 500000 × 1/2 = 250000 دولار. مبلغ رشوة كل موظف ضريبة = المبلغ المتبقي من الرشوة / عدد الموظفين = (500000 - 250000) / 2 = 125000 دولار.
عن تفسير البيان للشيخ الطوسي: قوله تعالى عن الفساد "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ" (المؤمنون 71) قرأ ابن كثير وابو عمرو، ونافع، وعاصم "خرجاً" بلا ألف "فخراج" بألف. وقرأ حمزة والكسائي " خراجاً فخراج " بالالف فيهما. وقرأ ابن عامر " خرجاً فخرج " بلا ألف فيهما. معنى قوله "ولو اتبع الحق أهواءهم" ان الحق لما كان يدعو الى الافعال الحسنة. والاهواء تدعو إلى الافعال القبيحة، فلو اتبع الحق داعي الهوى لدعاه الى قبيح الاعمال والى ما فيه الفساد والاختلاط، ولو جرى الامر على ذلك "لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن" ووجه فساد العالم بذلك: انه يوجب بطلان الادلة وامتناع الثقة بالمدلول عليه، وانه لا يؤمن وقوع الظلم، الذي لا ينصف منه، وتختلط الامور أقبح الاختلاط ولا يوثق بوعد، ولا وعيد، ولا يؤمن إنقلاب عدل الحكيم. وهذا معنى عجيب. وقال قوم من المفسرين: إن الحق فى الآية هو الله والتقدير: ولو اتبع الحق أعني الله أهواء هؤلاء الكفار، وفعل ما يريدونه لفسدت السموات والارض. وقال الجبائي: المعنى لو اتبع الحق الذى هو التوحيد أهواءهم فى الاشراك معه معبوداً سواه، لوجب ان يكون ذلك المعبود مثلا له ولصح بينهما الممانعة، فيؤدي ذلك الى الفساد، كما قال تعالى" لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" والهوى ميل النفس الى المشتهى من غير داعي الحق، كما قال تعالى "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فلا يجوز لاحد أن يفعل شيئاً لانه يهواه. ولكن يفعله لانه صواب، على انه يهواه أو لانه يهواه مع أنه صواب حسن جائز. وقال ابو صالح. وابن جريج: الحق هو الله، وقال الجبائي معنى "ولو اتبع الحق أهواءهم" فيما يعتقدون من الآلهة "لفسدت السماوات والأرض" كقوله " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا". وقوله "بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون". قال ابن عباس: معنى الذكر البيان للحق. وقال غيره: الذكر الشرف. كقوله "وإنه لذكر لك ولقومك" وكل ذلك يراد به القران.
وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله تعالى عن الفساد "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ " بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ" (المؤمنون 71) "ولو اتبع الحق" أي القرآن "أهواءهم" بأن جاء بما يهوونه من الشريك والولد لله، تعالى الله عن ذلك: "لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن" خرجت عن نظامها المشاهد لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم، "بل أتيناهم بذكرهم" أي القرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم "فهم عن ذكرهم معرضون".
جاء في معاني القرآن الكريم: فسد الفساد: خروج الشيء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فسد فسادا وفسودا (انظر: الأفعال 4/18)، وأفسده غيره. قال تعالى: "لفسدت السموات والأرض" (المؤمنون 71)، "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" (الأنبياء 22)، "ظهر الفساد في البر والبحر" (الروم 41)، "والله لا يحب الفساد" (البقرة 205)، "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض" (البقرة 11)، "ألا إنهم هم المفسدون" (البقرة 12)، "ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل" (البقرة 205)، "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" (النمل 34)، "إن الله لا يصلح عمل المفسدين" (يونس 81)، "والله يعلم المفسد من المصلح" (البقرة 220).
جاء في موقع مداد حول حديث القرآن عن الفساد والمفسدين للشيخ سعد بن زيد ال محمود: إن أثر الفساد والإفساد ليس له حدود لو سارت الأمور على مقتضى أهواء المفسدين، فالكون كله يفسد لو سارت أموره بحسب أهواء أهل الفساد قال تعالى: "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن" (المؤمنون 71)، ولو لم يقف المصلحون في وجه المفسدين لعم الفساد أرجاء الأرض ولشمل الضلال كل أطرافها، ولكن من رحمة الله أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين"ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (البقرة 251). إن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعاً ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين. وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه. قال تعالى: "والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (الأنفال 73). إن الأمل الوحيد في إنقاذ الأرض من المفسدين في كل الأزمنة والأمكنة، يكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وجهاداً في سبيل الله: "فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون * ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" (هود 116-119).
عن دار الوفاء للثقافة والاعلام المبارزة التاريخية بين موسى عليه السلام والسحرة للاستاذ عبد الوهاب حسين: لأن الله ذا الجلال والإكرام بما هو حق مطلق وعدل وحكيم سبحانه وتعالى، فهو لا يصلح عمل المفسدين في الأرض ومنه السحر، قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِين" (يونس 81) بل يمحقه ويكشف زيفه وبطلانه للخلق، تكويناً بترتيب آثاره المناسبة له المختصة به وفق السنن الإلهية الكونية والتاريخية، وبالدليل والبرهان، ويثبت الحق ويكشف حقانيته للناس تكويناً بترتيب آثاره ونتائجه المناسبة له المختصة به وفق السنن الإلهية الكونية والتاريخية، وبالدليل والبرهان الواضح القاطع، لأن أثر العمل الصالح يناسب ويلائم الحقائق الكونية والسنن الإلهية الكونية والتاريخية، ويمتزج بها ويخالطها فيما تقتضيه بطباعها وتجري عليه بجبلتها، فيصلحه الله عز وجل ويجريه على ما كان من طباعه، وأثر العمل الفاسد لا يناسب ولا يلائم الحقائق الكونية والسنن الإلهية الكونية والتاريخية. فهو أمر استثنائي في نفسه غريب عن نظام الوجود ومضاد له، فتعارضه جميع الأسباب والحقائق الكونية والسنن الإلهية بما لها من القوى والوسائل المؤثرة، لتعيده إلى السيرة الصالحة إن أمكن وإلا أبطلته وأفنته ومحقته عن صفحة الوجود. ولو أصلحه الله سبحانه وتعالى وهو فساد، لكان في ذلك إفساد للنظام الكوني، قول الله تعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ" (المؤمنون 71)، وهذا محال على الله العزيز الحكيم سبحانه وتعالى.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat