ضرر الفساد في أمثلة (ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها) (ح 23)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مدير بلدية أصدر وصولات وهمية بالاتفاق مع محاسب ومهندس البلدية لقطع أراضي لاسماء عراقيين متواجدين خارج العراق. وبعد سنة ولعدم حضورهم تم توزيعها على عراقيين داخل العراق بثلاثة أضعاف السعر الأصلي المسجل لدى الحكومة. فإذا كان السعر الأصلي لمجموع الأراضي مليون دولار. كم مبلغ الاختلاس، والمبلغ المستلم منه من قبل مدير البلدية والمحاسب والمهندس مع العلم أن مدير البلدية استلم ثلاثة أرباع المبلغ المختلس والبقية وزع بالتساوي على المحاسب والمهندس؟
المبلغ المسجل حكوميا = مليون دولار، المبلغ المستلم = 3 × 1 = 3 مليون دولار، المبلغ المختلس = المبلغ المستلم من مشتري الأراضي - المبلغ المودع في خزينة الحكومة = 3 - 1 = 2 مليون. استلم مدير البلدية من المبلغ المختلس = 2 × 3/4 = 1.5 مليون دولار. المتبقي من المبلغ المختلس = 2 - 1.5 = 0.5 مليون دولار. يستلم كل من المحاسب والمهندس من المبلغ المختلس = 250000 × 1/2 = 120000 دولار.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى عن الفساد "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ" (النمل 34) إفساد القرى تخريبها وإحراقها وهدم أبنيتها، وإذلال أعزة أهلها هو بالقتل والأسر والسبي والإجلاء والتحكم. كان رأيها على ما يستفاد من هاتين الآيتين زيادة التبصر في أمر سليمان عليه السلام بأن ترسل إليه من يختبر حاله ويشاهد مظاهر نبوته وملكه فيخبر الملكة بما رأى حتى تصمم هي العزم على أحد الأمرين: الحرب أو السلم وكان الظاهر من كلام الملإ "حيث بدءوا في الكلام معها بقولهم نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، أنهم يميلون إلى القتال لذلك أخذت أولا تذم الحرب ثم نصت على ما هو رأيها فقالت: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" إلخ، أي إن الحرب لا تنتهي إلا إلى غلبة أحد المتحاربين وفيها فساد القرى وذلة أعزتها فليس من الحزم الإقدام عليها مع قوة العدو وشوكته مهما كانت إلى السلم والصلح سبيل إلا لضرورة ورأيي الذي أراه أن أرسل إليهم بهدية ثم أنظر بما ذا يرجع المرسلون من الخبر وعند ذلك أقطع بأحد الأمرين الحرب أو السلم. فقوله: "إن الملوك إذا دخلوا" إلخ، توطئة لقوله بعد: "وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة" إلخ. وقوله: "وجعلوا أعزة أهلها أذلة" أبلغ وآكد من قولنا مثلا: استذلوا أعزتها لأنه مع الدلالة على تحقق الذلة يدل على تلبسهم بصفة الذلة. وقوله: "وكذلك يفعلون" مسوق للدلالة على الاستمرار بعد دلالة قوله: "أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة" على أصل الوقوع، وقيل: إن الجملة من كلام الله سبحانه لا من تمام كلام ملكة سبإ وليس بسديد إذ لا اقتضاء في المقام لمثل هذا التصديق.
وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله تعالى عن الفساد "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ" (النمل 34) قوله تعالى عن الفساد "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ" (النمل 34) تطلق القرية على المدينة وعلى بلدة ريفية، وشرح بعض المفسرين الجدد هذه الآية بقوله: فهي تعرف ان من طبيعة الملوك إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد، وحطموا الرؤساء وجعلوهم أذلة، وهذا هو دأبهم الذي يفعلونه. والحق ان الفساد ينتشر في الأرض بمقدار ما للمجرمين من قوة، ويتضاعف كلما تضاعفت مقدرتهم عليه ملوكا كانوا أو غير ملوك، وإنما خصت الآية الملوك بالذكر لأنهم أقوى وأقدر من غيرهم. إن شخصية المجرم تختفي وراء ضعفه، وتظهر مع قوته.. فمن الخطأ أن نحدد شخصية الضعيف من خلال تصرفاته.. فقد اشتهر البعض في زماننا بالتقى والصلاح قبل أن يتولى الرئاسة، ولما أخذ نصيبه منها التصقت به تهم لا تمحوها الأيام. نسأل اللَّه الهداية لنا وله. وبهذا يتبين معنا ان صفة الفساد لا تختص بالملوك، ولا هي من طبيعتهم، وإلا استحال وجود العدل والصلاح فيهم، وانما هي من طبيعة القوي المجرم، سواء أجاءت قوته من المال أو الجسم أو العقل أو من منصب زمني أو ديني: ولا رادع للمجرم القوي إلا الدين. قال الإمام علي عليه السلام: قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر اللَّه ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين. الحوّل القلَّب هو البصير بتحويل الأمور وتقلَّبها، والحريجة التحرز من الإثم.
الذي يكتب او يتحدث عن الحكام والمسؤولين عليه ان يحذرهم من آفة الفساد التي عليهم عدم الولوج بها. بين الله خطورة تولي الرعية شخص فاسد مثل والي او حاكم فاسد "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205)، و "فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ" (ال عمران 63)، و "قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا" (النمل 34)، و "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ" (محمد 22). الحاكم من بدايته إذا سعى او بتعبير اخر اراد الفساد على الرعاية ان يقفوا ضده قبل ان يستفحل في الفساد "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205).
جاء في موقع مداد حول حديث القرآن عن الفساد والمفسدين للشيخ سعد بن زيد ال محمود: والمتأمل في حديث القرآن عن الفساد والفاسدين أو الإفساد والمفسدين، سيجد أن إيقاع الفساد من قبل البشر يأتي على مراتب: أولها: إفسادهم أنفسهم بالإصرار على المعاصي وما يترتب عليها من مفاسد أخر. فكل معصية إفساد قال تعالى عن فرعون: "آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين" (يونس 91) وكل تولٍ عن الحق إفساد قال تعالى: "فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين" (آل عمران 63) وكل إعراض عن الإيمان إفساد، قال تعالى: "ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين" (يونس 40). المرتبة الثانية من الإفساد: ما يلحق بالذرية والأبناء والأتباع في اقتدائهم بالكبار المتبوعين في مساويهم. ولهذا قال نوح عليه السلام: "إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" (نوح 27). المرتبة الثالثة: إفساد الدائرة المحيطة بالمفسدين عن طريق بث أخلاق وصفات ودعاوى الفساد، وذلك بالإسراف في المعاصي حتى يتعدى أثرها إلى غير أصحابها، ولهذا قال صالح عليه السلام ناهياً قومه عن التأثر بالمفسدين: "ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون" (الشعراء 152). المرتبة الرابعة: إفساد الدائرة الأوسع في المجتمعات عن طريق إشاعة الأمراض الاجتماعية المفسدة بواسطة المضلين مثل إثارة فتن الشبهات والشهوات، والوقوف في وجه المصلحين وإحداث العقبات في طرقهم زعماً بأنهم يقفون ضد مصالح الناس. قال تعالى: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون" (البقرة 11). وقال الملأ المضلون من قوم فرعون: "أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك" (الأعراف 127). المرتبة الخامسة: الإفساد الناشئ عن فساد الحكام والقادة والزعماء، وهو الفساد الأكبر، لأن الكبراء إذا فسدوا في أنفسهم فإنهم ينشرون الفساد بقوة نفوذهم واستخدام سلطاتهم وقوتهم وقد ذكر القرآن عن بلقيس قولها: "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وكذلك يفعلون" (النمل 34).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat