اندثار السياحة وفقدان الرفاهية المعاصرة
علي حسين عبيد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علي حسين عبيد
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا يُخفى على المهتمين والمعنيين بالسياحة ذلك التأثير الكبير لها على زيادة مداخيل الدول والأفراد، ودعم ميزانيات الدولة السنوية ومنح الشعوب نوعا من الرفاهية العالية، لاسيما أن الرفاهية أصبحت تشكل اليوم معيارا لقياس المعيشة الجيدة للفرد من عدمها، وهذا الأمر دفع الدول المتقدمة للتسابق في هذا المجال (تحقيق الرفاهية الأفضل للشعب) حتى تحقق مرتبة متقدمة في التطور والتقدم لاسيما المادي.
ولكن هذا النوع من التنافس ونتائجه لا يقتصر على تحقيق الرفاهية المادية، بل هنالك انعكاس لطبيعة حياة الفرد على نوعية المعيشة التي يعيشها وطبيعة الخدمات التي يحصل عليها، فيمكن أن يحصل على شعور نفسي يدعمه معنويا ويمكن أن يؤثر هذا الدعم النفسي على صحته الفكرية أيضا، لهذا فإن الرفاهية ليست عملية مرفوضة خصوصا إذا اقترنت بعملية الاهتمام بالفكر والمضمون الذي يراعي القيم الإنسانية ولا يغرق في الأشكال المادية وحدها، بل يوازن بين معيشة الإنسان المرفّهة وبين أخلاقه وسلوكياته واقيمهِ.
وهنا علينا أن نذكّر الجميع، خصوصا الذين يتحملون مسؤولية قيادة وإدارة الدولة والمجتمع، بان هناك دولا كبيرة تعتمد مداخيلها ومواردها على السياحة، فهذا القطاع في بعض الدول يقدم موارد تصل إلى أكثر من 50% من موارد الدولة، ومن ميزانيتها السنوية، لذلك فهي تهتم اهتماما كبيرا في القطاع السياحي، وهذا يدفعنا للتأكيد مرارا وتكرارا، على وجوب اهتام الدولة والحكومة العراقية بقطاع السياحة واستثماره اقتصاديا.
في خطوة جيدة قامت المنظمة العربية للسياحة باختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية في سنة 2025، وذلك في اجتماعها الذي انعقد بتاريخ 10/12/2024 في القاهرة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية، ويأتي هذا الاختيار كاستحقاق لهذه العاصمة العريقة المتميزة بتاريخها وثقافتها، وموقعها الجغرافي الرابط بين عشرات الدول من العالمين العربي والدولي.
وفي هذه المناسبة عقدت الحكومة العراقية اجتماعا مخصصا لهذا الاختيار السياحي المهم برئاسة السيد محمد شياع السوداني رئيس الوزراء، وبحضور نخبة من المسؤولين المشرفين على مؤسسات ودوائر لها علاقة بإدارة المرافق والأماكن والمناطق السياحية والثقافية في بغداد وعموم العراق، والهدف من هذا الاجتماع هو الاستعداد لهذه المناسبة بشكل يليق بالعاصمة بغداد وبالعراق وبالمكانة التاريخية والحضرية للأمكنة السياحية التي عُرِف بها العراق.
وفي الحقيقة ينم هذا الاهتمام الرسمي بشعور جيد بالمسؤولية، وقد تمخض عن الاجتماع المذكور قرارات مهمة في إطار الاستعداد السياحي لهذه المناسبة، وتم اتخاذ الخطوات الصحيحة في إطار قضية التخطيط، لاستثمار هذه المناسبة الكبيرة، كي تعود على بغداد وعلى العراق والعراقيين بنتائج مهمة وجيدة في مجال السياحة وتطويرها، لاسيما أننا بلد معروف بالمناطق الأثرية ذات العمق التاريخي الكبير، فأينما تدير رأسك في أراضي العراق سوف ترى مرفقا أثريا سياحيا راسخا في ذاكرة التاريخ.
في الشمال هناك الحضارة الاشورية العريقة، وفي الجنوب حضارة سومر وما أدراك بحضارة السومريين وزقورة أور في الناصرية، أما في الوسط، في الحلة، فهناك آثار بابل العظيمة وتاريخها الذي يحفل بالكثير من الشواهد الثقافية والعلمية، ليس أقلّها مسلة حمورابي القانونية الشهيرة، هذه المناطق السياحية التاريخية المتميزة يمكن تطويرها بشكل كبير ضمن فعاليات بغداد عاصمة السياحة العربية لعام 2025.
أما التفكير المثمر والصحيح بهذه المناسبة وكيفية الاستفادة منها، فهو يتلخّص بالاستثمار السياحي الجيد لها، ولذا نقول بأن الاجتماع الرسمي التخطيطي الحكومي الذي استبق الشروع بفعاليات بغداد عاصمة السياحة العربية، جاء في وقته تماما، كما أن المشاريع السياحية التي تم إدراجها والعمل على إنجازها، تؤكد أهمية استثمار هذه المناسبة الدورية السنوية لصالح بغداد والمدن العراقية كلها.
ولابد أن نذكر هنا مناطق الأهوار وأهميتها الكبيرة في الجانب السياحي، كونها تقع ضمن التراث العالمي المكفول دوليا، وهذا يتطلب مواصلة زخم الاهتمام بهذه الأهوار ومدّها بلوازم التطور واستمرارية الحياة عبر الدفقات اللازمة من المياه ومن الدعم المالي أو في المجالات الأخرى.
كذلك لابد أن تتنبّه الحكومة ووزارة الثقافة والسياحة والآثار إلى قضية الاستثمار السياحي الصحيح، والاستغلال الجيد لهذه المناسبة التي لا تتكرر إلا بعد أكثر من عشرين سنة، لذا من المهم أن تُدرَج المشاريع السياحة التي تليق ببغداد ومدن العراق كافة.
كذلك لابد من الاهتمام بتثبيت المشاريع السياحية المتفرّدة وترميم المناطق الأثرية بأفضل الطرق الفنية والمعمارية، فمثل هذه المناسبات نادرة في حقيقتها، وتُعدّ من الحوافز المهمة للنهوض بالواقع السياحي، لاسيما أننا نحتاج إلى نهضة سياحية تتوافق وأهمية عاصمتنا ومدننا السياحية الأثرية المائزة.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat