قراءة تفسيرية موجزة في آية المودة -١-
د . الشيخ عماد الكاظمي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . الشيخ عماد الكاظمي

قال تعالى: ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)) [الشورى ٢٣].
وأنا أكتب في سطور عن فاجعة البقيع وردت قبسات تفسيرية في هذه المناسبة الأليمة أحببت توثيقها إحياء لأمرهم صلوات الله عليهم.
فالموضوعات التي يمكن الإفادة منها فيهذه الآية المباركة متعددة، وسيتم بيان بعضها بما يأتي:
*أولًا: أسباب النزول✍🏻.
إنَّ مما ورد في سبب النزول ما ذكره شيخنا الطبرسي (ت٥٤٨هج) في تفسيره (مجمع البيان في تفسير القرآن):
((وذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني عثمان بن عمير، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس أنَّ رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" حين قَدِم المدينة واستحكم الإسلام، قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم" فنقول له: إنْ تَعْرُكَ أمورٌ فهذه أموالنا تحكم فيها غير حرج ولا محظور عليك. فأتوه في ذلك فنزلت ((قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى))، فقرأها عليهم، وقال: تودُّون قرابتي من بعدي.
فخرجوا من عنده مسلِّمين لقوله.
فقال المنافقون: إنَّ هذا لشيء افتراء في مجلسه أراد بذلك أنْ يذلِّلنا لقرابته من بعده ..)).
إنَّ هذه الرواية يمكن قراءة أمور ودروس متعددة فيها، ومنها:
١- ✍🏻 بيان عظمة الوعد الإلهي بنصر أنبيائه وعباده المؤمنين المجاهدين في سبيل الله تعالى، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ .... وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) [الصف ١٠-١٣].
وهذا درس بليغ للأمة👈🏻 بضرورة اليقين أنَّ الله تعالى معهم، ويؤيدهم بنصرهم ويزيدهم ثباتًا على العقيدة والمبدأ مهما بلغ مكر العدو وعدوانه.
٢- ✍🏻 ظهور مقام الإسلام وتشريعاته ونظامه الأكمل في صلاح الأمة بين الناس، وشعورهم بذلك ماديًّا ومعنويًّا حيث المبادرة منهم تجاه منقذهم من الضلالة إلى الهدى النبي.
وهذا درس بليغ للأمة👈🏻بضرورة التوجه إلى الدين وتعاليمه ونشرها بين الناس لإنقاذهم وإخراجهم من الضلالة إلى الهدى، وعدم الغرور بأنظمة دنيوية زائفة زائلة.
٣- ✍🏻 إنَّ اجتماع الأنصار وتوجههم بهذا العرض على النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" يؤكد عقيدتهم الراسخة أنه على الحق، ويستحق أنْ نفديه بأنفسنا وأموالنا، وهذا جزء يسير من الوفاء تجاه جهده وجهاده في سبيل الأمة.
وهذا درس بليغ للأمة👈🏻بضرورة أنْ يكون لها هذا الوعي التام بعظمة الإسلام، وأننا مدينون له بوجودنا، وعلينا بذل كل شيء من أجله، وهذا هو مصداق قولنا في زيارة المعصومين "عليهم السلام": ((بأبي أنت وأمي ونفسي وأهلي ومالي وولدي يا ابن رسول الله))، وهذا لا يتحقق إلا بالمعرفة والوعي للرسالة وأهدافها لتكون التضحية في سبيلها أمر يسير، وقوافل الشهداء شاهدة على ذلك.
٤- ✍🏻إنَّ الرواية تؤكد أنَّ اختبار النبي للأنصار قد ظهر في جانب آخر من جوانب الإيثار، وهو الإيثار برغبات النفس ونزعاتها تجاه الأمر الإلهي المتعلق بالعقيدة؛ لذلك لم يتمسك به كثير به بعد ذلك، فضلًا عن اعتراض المنافقين في الوقت نفسه.
وهذا درس بليغ للأمة👈🏻 بضرورة البناء العقدي القائم على الطاعة المطلقة لله تعالى ورسوله والأئمة ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)) [النساء ٥٩]. ففي ذلك يتحقق النصر حيث الركن الوثيق في اللجوء إليه، وعدم الشك أو الاعتراض بأنَّه سبيل النجاة لا غير أبدًا.
٥- ✍🏻 إنَّ اعتراض المنافقين على دعوة النبي بضرورة مودة أهل بيته كأجر للرسالة تؤكد مدى العقيدة المتذبذبة لديهم، ومدى سوء نواياهم في التقرب إلى النبي بالأموال من أجل إظهار أنهم من المتمسكين بالدين، وهذه أموالنا تشهد بذلك.
وهذا درس بليغ للأمة👈🏻 بضرورة معرفة أنَّ الأموال ليست هي المقياس في بيان حقيقة التضحية من أجل الدين، وإنما مدى اليقين بتعاليم الشريعة المقدسة والمشرِّع لها، وأنَّ هذا اليقين هو أساس التضحيات الأخرى، والتسليم لأمر الله تعالى، فيجب بناء الأمة على أساس ذلك، وعدم الاغترار بالظاهر لأنَّ الأصل هو العقيدة (تجاهدون بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله)، فهذا السبيل لا يتحقق إلا بالعقيدة.
وإلى تتمة في لقاء قادم☘️
خادم الثقلين
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat