صفحة الكاتب : د . خليل خلف بشير

منة المنان ونظرية السياق
د . خليل خلف بشير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الحمد الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ،والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ،حبيب إله العالمين محمد الأمين ،وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد فهذا بحث تناولت فيه جهبذاً من جهابذة الفكر والتفسير والفقه والأصول هو الشهيد السعيد آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر ( قدس سره ) وقد عكفتُ على قراءة كتابه ( منة المنان في الدفاع عن القرآن ) ، وأُعجبتُ بطريقته في مناقشة الأفكار والآراء ،ووجدته مطلعاً على الأفكار والنظريات الحديثة ومنها نظرية السياق ،وهذا يدل على مواكبة السيد الشهيد للعصر الحديث ،واطلاعه على أغلب الرؤى والأفكار الحديثة لاسيما التي تمتُ إلى الدين والإسلام والقرآن بصلة على أن تطبيق نظرية السياق على النص القرآني أمر له خصوصيته؛ لأن النص القرآني حمّال أوجه إذ تتعدد الوجوه بتعدد السياقات فيكون له أثر في توجيه الدلالة وتنويعها .وقد جاءت هذه الدراسة لتعطي صورة واضحة عن نظرية السياق القرآني في كتابه الموسوم ( منة المنان في الدفاع عن القرآن )،لاسيما في مقدمة كتابه فهي بمثابة نظرية رائدة في المنهج السياقي فلم نعهد ذلك في كتب التفسير السابقة للسيد ولا في الكتب التي تعنى بالقرآن الكريم ،

على أنه ( قدس سره) قد ألف كتابه للنخبة الواعية في المجتمع الإسلامي فقد حدد قارئ كتابه بطبقتين هما طلبة الجامعات ، والأوساط الحوزوية،وقد بناه على أسلوب الأطروحات ( الأسئلة والأجوبة ) ،واتخذ طريقة في التفسير ذكية ومختلفة عن سائر المفسرين فبدأ من نهاية المصحف الشريف ؛ لأنه يرى أن هذه السور لم تعط حقها من التفسير فالمفسرون يجهدون أنفسهم في السور الطوال وأمثالها ،وحينما يصلون إلى السور القصار يأتي تفسيرهم لها مقتضباً وموجزاً، وتوصل وفقاً لأسلوب اللاتفريط أن في القرآن أموراً كثيرة منها : الكمال والنقص ،والخير والشر ،والقليل والكثير ،واللحن بالقواعد العربية، واللغات الأجنبية.وقد توصل السيد الشهيد في هذه المقدمة إلى أن السياق اللفظي أهم وألزم في العلوم اللغوية ،والسياق المعنوي ألزم في الأصول والفقه.

وللسيد محمد الصدر (قدس سره) جهود واضحة في نظرية السياق يمكن حصرها بالآتي:                                                                                                 

1- تقسيمه السياق على قسمين معرّفاً وحدة السياق في أتناء التقسيم فالسياق المعنوي يمثل الاتصال والتماثل في مقاصد المتكلم والمعاني التي يريد بيانها والإعراب عنها فإذا شككنا في أي مقصود من مقاصده أمكنة جعل المقاصد الأخرى دليلاً عليه كقرينة متصلة عرفية وصحيحة ،وهذه هي وحدة السياق،والسياق اللفظي هو التناسق العرفي في الذوق واللفظ يحيث لو زاد شيئاً أو نقص لكان ذلك إخلالاً به ،ومن ثمّ يكون قرينة كافية على عدم وجوده وعدم قصده من المتكلم،وتوصل السيد الشهيد إلى أن نوعي السياق يمكن استعماله في أبحاثنا اللغوية إلا إنّ السياق اللفظي أهم وألزم في العلوم اللغوية كما يكون السياق المعنوي أهم وألزم في العلوم الأصولية والفقهية.

 

 

2-في حديثه عن المعنى أو الهدف العام المفهوم من السور القرآنية المرتبطة بالسياق العام تساءل عمّا إذا كان لكل سورة على الإطلاق غرض معين أو لبعضها ذلك أو لا يوجد لأي منها أي غرض ،وإنما مجموعة ألفاظ لمجموعة معانٍ لا ترتبط في ما بينها،وقد أجاب السيد عن تساؤله في أن لنزول القرآن الكريم غرضاً عاماً هو الهداية والإنذار بالعذاب لمن يعصيه والتبشير بالثواب لمن يطيعه ،وأنّ لكل سورة غرضاً خاصاً ،وهو جزء من الغرض العام ،وهذا الغرض واضح بلا شك في بعض السور كما في سورة الحمد والتوحيد والكافرون والواقعة وغيرها بيد أنّ كثيراً من السور الطوال وغيرها مما لا يُفهم منها غرض محدد،وربما يكون لسورتين غرض محدد أو معنى واحد فسياق سورة الفيل يرتبط بسياق سورة قريش لاسيما  وأنهما سورة واحدة ،وكذا الحال في سياقي سورة الفلق وسورة الناس المتشابهين لاسيما وقد سميتا بالمعوذتين، على أنه لا يوجد دليل عقلي أو نقلي على وجود مثل هذه الأهداف لكل واحدة من السور بل إن بعض الآيات قد تعرضت إلى معان متباينة وأهداف متعددة.

 

3- ألمع إلى أن اختيار المبدع ألفاظه المعبرة بأسلوبه الخاص بحيث تتسق مفرداته في تراكيب وأساليب ليوصل المعاني إلى ذهن السامع من دون أن يعترض عليه معترض بأن اختيارها لا مسوغ له فمعه لا يمكن السؤال بأنّ الله تعالى لماذا قال : كذا ،ولم يقل : كذا ؛لأنه سبحانه إنما يريد أن يوصل المعاني إلينا لا أكثر ،واختياره لهذه الألفاظ يوافق الحكمة والفصاحة والمصلحة التي هي في عمله ،وبذلك يندفع كثير من الأسئلة التي يمكن إثارتها عن التعبير القرآني؛ لآن جوابها أنّ الله تعالى أراد هذا التعبير اختياراً وليس لنا أن نناقش فيه.

 

4-أشار إلى أن قصور اللغة يمكن أن يكون المسؤول عن كثير من الظواهر الكلامية في حين أن التوسع في اللغة هو الحاجة الضرورية لكثير من الأمور كالقوافي الشعرية والسجع ولزوم ما لا يلزم فإذا لم يجد المتكلم في سياق معين ثلاث كلمات أو أربع اضطر إلى حصر حديثه في نطاق ضيق أو إلى تكرار العبارات نفسها لإتمام مقصوده ،وهذا ما يفسّر لنا عدداً من ظهور النسق القرآني كتكرار لفظ ( الناس ) ،والتكرار في سورة ( ق  ) وسورة ( ص )،وتغير النسق في سورة مريم بمقدار ست آيات ،وأن قصور اللغة ولاسيما في القرآن الكريم لا يضر بقدرة الله تعالى ؛لأن القدرة ،وإن كانت تامة عنده تعالى لكنها تتعلق بالممكن المقدور أما المستحيلات فلا تتعلق بها القدرة لقصور الموضوع لا لقصور الفاعل.

5- وأشار أيضاً ( قدس سره ) إلى أن قصور اللغة من جملة قصور الموضوع إذ ليس فيها ما يكفي لأجل سد الحاجة ، ولا يمكن اختيار الكلمات إلا تماشياً مع المجتمع وما يفهمه الناس ، ولا يمكن التكلم بكلام غير مفهوم باعتبار إتمام السجع أو النسق فلو تأملنا مخلوقات الخالق في هذا الكون لوجدناه مشحوناً بالذوق الجمالي من جميع النواحي نحو شكل الورد وأجنحة الفراشات وأصوات العصافير وجمال البشر وتناسق أوراق النباتات وغير ذلك ،ومن موارد وجود هذا الذوق الفني والأدبي في القرآن الكريم التناسق في نهايات الآيات وقد سماه السيد ( النسق )، ورفض أن يسميه ( السجع ).

 

6-حديثه عمّا يسميه علماء الأصول ( الجري والتطبيق ) مرتبط بالسياق الكلي في أنّ كل آية من آيات الكتاب الكريم تعد قاعدة عامة ومنهج حياة وأسلوب سلوك ،قابل للانطباق على جميع المستويات ،وعلى جميع المجتمعات بل على جميع الأجيال بل كل الخلق أجمعين فإنّ القرآن هو خلاصة القوانين والمعارف المطبقة فعلاً في الكون والموجودة في أذهان الأولياء والراسخين في العلم. وهذا واضح من جميع القرآن وظهور القرآن حجة غير أننا لا نستطيع بهذا الصدد الاستدلال بالأخبار الدالة على أنّ القرآن يجري في الناس مجرى الشمس والقمر ،وأنه لو نزل بقوم ومات أولئك القوم لمات القرآن ،ولكنه حي لا يموت؛ لأنه نازل من الحي الذي لا يموت، مستوحياً ذلك من أحاديث أئمة أهل البيت (عيهم السلام).

على أن هذه الدراسة جاءت لتعطي صورة واضحة عن نظرية السياق ومحاولة تطبيقها على النص القرآني في كتاب قيّم لعالم جليل من علماء الإمامية أفنى عمره المبارك لخدمة الدين والعلم والوطن عسى الله أن ينفعنا بهذه الدراسة في الدنيا والآخرة والله ولي التوفيق .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . خليل خلف بشير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/18



كتابة تعليق لموضوع : منة المنان ونظرية السياق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net