صفحة الكاتب : صالح الطائي

علم العراق بين الأمس واليوم
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الراية رمز الهيبة والقوة وجذوة الروح الوطنية، ولذا اتخذتها الجيوش المحاربة ليلوذ تحتها من يريد الدفاع عن قيمه ومقدساته. وكانت الراية تُسلم غالبا إلى أشجع الفرسان وأصلبهم عودا وأقواهم شكيمة لكي يتمكن من الحفاظ عليها عالية ويحميها من السقوط، الذي إن حصل يؤثر على نفسيات الجند ويخذلهم.
وعلى حد علمي لا توجد دولة العالم لا تملك علما يرمز لها، وجميع الدول تختار ألوان علمها من واقعها وبيئتها، لكن العراقيين وبسبب تأثرهم بالحراك الذي تزامن مع تأسيس دولتهم عام 1921 وربما بسبب طيبتهم، أو سذاجتهم، أو حبهم للعرب والإسلام؛ لم يختاروا علمهم من بين شوامخ بيئتهم أو رموز حضاراتهم العظيمة وإنما اختاروا علم (الثورة العربية) التي قادها الشريف حسين وأسهم في التخطيط لها رجل المخابرات البريطاني المعروف باسم (لورنس العرب) لتحارب العثمانيين، وتنصر الغرب، فأصبح علم تلك الثورة علما للعراق ورمزا له منذ عام 1921 ولغاية عام 1958. وقد جاء هذا الاختيار لكون العائلة المالكة العراقية تم استيرادها من بين صفوف أسرة الشريف حسين قائد الثورة العربية وزعيمها.
ومع ذلك أحب العراقيون هذا العلم، وأخلصوا له واحترموه وقاتلوا تحت ساريته لأنه يرمز إلى: الحقيقة والشرف والنبل والوطنية والإخلاص، ولذا اعتصم أهلنا به بعد اعتصامهم بالله تعالى، وهو ما خلده شاعر العراق الكبير جميل صدقي الزهاوي، بقوله:
عش هَكَذا في علوٍّ أَيُّها العلمُ    
فإننا بك بعد اللَه نعتصمُ
عش للعروبة عش للهاتفين لها    
عش للألى في العراق اليوم قد حكموا

وفي 14 شباط من عام 1958 أنشئ الاتحاد العربي أو ما عرف باسم (الاتحاد الهاشمي) بين الأسرتين الملكيتين في العراق والأردن، وهو اتحاد (كونفدرالي)، فتم اعتماد علم جديد مشابه في تصميمه لعلم فلسطين الحالي من حيث الألوان والشكل. وكان الهاشميون قد استخدموا هذا العلم من قبل في الحجاز وما كان يعرف بإمارة شرق الأردن.

ثم بعد القضاء على الحكم الملكي بقيام الثورة العراقية في تموز عام 1958 استمر العمل بذلك العلم إلى أن صدر قانون علم الجمهورية العراقية عام 1959حيث تم تبديل العلم للمرة الثالثة، وبالرغم من استخدام الألوان نفسها التي كانت في العلمين السابقين إلا أن استخدام الألوان جاء رمزيا وفيه دلالات على مناطق ومكونات العراق، فاللون الأسود يرمز إلى راية الرسول الأعظم (ص) وراية العرب في صدر الإسلام، وراية العرب في العراق. واللون الأخضر يرمز إلى راية العلويين. واللون الأبيض يرمز إلى راية العرب في الشام. واللون الأحمر يرمز إلى ثورة 14 تموز، وإلى راية العرب في الأندلس. واللون الأصفر يرمز إلى راية صلاح الدين الأيوبي. أما النجمة الثمانية بلونيها الأحمر والأصفر فترمز إلى العرب والأكراد، وهذا ما نص عليه القانون. استمر العمل بهذا العلم من عام 1958 لغاية عام 1963.

وبعد نجاح الانقلاب عام 1963 وهو ما عرف بثورة 14 رمضان عدل قانون العلم الوطني بعيد إعلان ميثاق الوحدة الاتحادية بين العراق وسوريا ومصر، وأقر علم جديد، قالوا: إنه يعبر عن الأهداف العربية. ويتكون هذا العلم من الألوان نفسها الأسود والأبيض والأحمر، وفي وسطه ثلاث نجوم خماسية خضراء ترمز إلى الاتحاد المذكور.
ونظرا إلى كون حزب البعث المنحل كان ينادي بشعار (الوحدة والحرية والاشتراكية) فإنه بعد الانقلاب الناجح الذي نفذه عام 1968 حافظ على هذا العلم بنجومه الثلاث التي تدل على ما كانوا ينادون به. واستمر العمل به لغاية عام 1991.
في هذا العام وبعد غزو العراق للكويت أضيفت عبارة (الله أكبر) بين نجماته في محاولة للحصول على دعم العالم الإسلامي إذا ما نشبت حرب جديدة بسبب الغزو.
واستمر العمل بهذا العلم حتى عام 2004 حيث اقترحت عدة أشكال لم تتم الموافقة عليها، ولذا اكتفوا بتبديل نوع الخط الذي كتبت فيه عبارة (الله أكبر) إلى الخط الكوفي، واستمر العلم مرفوعا في أغلب مناطق العراق باستثناء محافظات الشمال.
ثم في بداية عام 2008 أقر مجلس النواب العراقي قانون تغيير العلم؛ بإزالة نجماته، وإبقاء خط عبارة "الله أكبر" بالخط الكوفي.
لكن المتعارف عليه أن العراقيين الطيبين المخلصين؛ ومنذ أول علم حديث رفع باسم العراق عام 1921 ولغاية هذه اللحظة كانوا ينظرون إلى علمهم نظرة احترام وتقدير وود وتقديس. لكن هذه الثقافة الحبيبة ماتت وللأسف الشديد في داخل بعض نفوس العراقيين مع ما مات وهو كثير.
إن بعض هذا التبدل نحو الأسوأ جاء كرد فعل على الظلم الذي لحق ببعض الشرائح والمجاميع والأحزاب، وبعضه جاء لأن هؤلاء وآخرون غيرهم خسروا مواقعهم التي شغلوها بدون جدارة واستحقاق، سواء عن طريق تلك الثورات الدموية الغبية، أو بسبب تملق الحكام الظلمة المجرمين.
لكن أن تصل درجة النكران والانحطاط إلى أن يتحول ما كنا نعتصم به بالأمس، وما كان يرمز إلى عراقنا وشرفنا هويتنا إلى مجرد شرشف يوضع على طاولة يجلس حولها بعض التافهين فيلامس أقدامهم، وتوضع فوقه الكؤوس إذلالا وتحقيرا واستصغارا، ولأي سبب ودافع كان، فذلك يعني أن الكثير من العراقيين أفرادا وأحزابا وجماعات ومنظمات ومؤسسات وعشائر، فكوا ارتباطهم بكل ما يُعتصَم به، وفكوا ارتباطهم بالمقدس، وأصبحوا على استعداد لتحقير كل جميل في حياتنا.!
إن عمل هؤلاء ليس بالعمل البسيط، ولا يمكن السكوت عنه مهما كانت دوافعه؛ لأنهم بفعلتهم الهابطة، يسعون من خلال هذا السلوك القميء إلى احتقار العلم رمز العراق والعراقيين وفخرهم، وهذا يعني احتقار الشعب العراقي كله بدون استثناء، واحتقار كل مقدساته، وكل من يحمل جنسية العراق. بل هم يسعون من خلال عملهم هذا إلى قتل الراية الوطنية من خلال هذا التحقير، ليقتلوا من خلال موتها النخوة في أرواحنا، وهذا يعني أنهم يتمنون بل يريدون موت الأجيال كلها، وسحق الهمم كلها، وتخنيع الأمة كلها؛ على خلاف ما كنا نؤمن به بالأمس القريب، وهذا ما حذر منه الشاعر الزهاوي حينما قال مخاطبا علم العراق وكأنه يعرف أن هناك من يضمر له الشر، وهناك من سيهينه من العراقيين أنفسهم:
إِنِ احتقرتَ فإنَّ الشعبَ محتقرٌ    
أَو اِحترمت فإن الشعب محترمُ
الشعب أَنتَ وَأَنتَ الشعب منتصباً    
وَأَنتَ أَنتَ جلال الشعب والعظم
فإن تعش سالماً عاشَت سعادته    
وإن تمت ماتَت الآمال والهمم
وردا على فعل هؤلاء، ولأننا لا نملك سلطة معاقبتهم، ولا نعتقد أن الحكومة قادرة على معاقبتهم مما سيشجع غيرهم ليتطاولوا على رمزنا العراقي، نكتفي بأن نقول لهم بضعة أبيات نثبت من خلالها ارتباطنا وعلاقتنا بالعلم:
لبيك يا علم العروبة كلنا نفدي الحمى
لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلما
لبيك إن عطش اللواء سكب الشباب له الدماء
لبيك حتى تنقل الأرض الهتاف إلى السماء


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/01/27



كتابة تعليق لموضوع : علم العراق بين الأمس واليوم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net