ولا زلت أتأمّل في سيرة إبليس اللعين ولها نظائر كثيرة في سير الأوادم..وتساءل يا ترى: لم لم يمهل الله إبليس لمجرد خطأ واحد ربما حصل عن التباس بينما غفر لآدم خطيئة لا تقلّ خطورة كتلك التي تتعلّق بالخلود؟
وسأجيبكم:
إنّ خطيئة آدم تختلف جوهريا عن خطيئة إبليس على الرغم من أنّ التشابه الظاهري قد يجعل كلا الخطيئتين نابعة من الشعور المتدفّق بالأنا...فالرغبة في الاستكبار كالرغبة في الخلود قد تترائ للبعض سيان..غير أنّ الفارق هنا كبير، فالرغبة في الخلود نزعة فطرية لا سيما في التجربة الأولى للخلق.. وليس بالضرورة أن تنطلق من نزعة استكبار..كان إبليس أكثر تجربة من آدم لأنه سابق في الوجود بينما آدم كان جديدا..ثم إن الحوار وإن كان مختصرا فهو يلخص كل شيء..فالحوار بين مخلوقين أسهل من الحوار بين مخلوق وخالق مطلع على السر وأخفى...غير أن ما أريد توضيحه هنا هو أنّ الله أمهل إبليس منذ زمن بعيد حين تظاهر بأنه من عباد الله الصالحين..ولئن كان بدا لنا ما بدا من أمر إبليس فهو بداء علم بعد جهل..وما كان بداء علم بعد جهل عند المخلوق فهو ليس كذلك عند الخالق الذي يعلم الأوّل والمآل وتقلب الأحوال..كان الله على علم قديم بانحراف إبليس..فأمهله ورقّاه ظاهريا إلى مقام الكرّوبيين..كان آدم محنة وامتحانا لإبليس والعكس صحيح..وهو ما أطلقت عليه في مقال قديم: جدلية الابتلاء..إن أطوار السفر إلى الله، تحددت عند العارفين بالأسفار الأربعة...ولا شكّ أن مرحلة اندكاك الأنا هي المرحلة الأوج في قوس الصعود..حين لن يرى السالك شيئا آخر غير منبع الوجود..إذا كان غبش من الأنا حضر في نزعة الخلود في امتحان آدم، فلقد كان ذلك طبيعيا لأن آدم لم يكن ذلك منتهى سفره بل بدايته..بينما كانت خطيئة إبليس في نهاية سفره المزعوم..لقد تحدث إبليس بمنطق الأنانا والكثرة في مقام الهو هو...لم يكن هذا الجدل في عالم الكثرة بل في عالم الحضرة الإلهية حيث تختفي كل عوارض الوجود..والعناد هنا من أكبر أنواع الجهل..فآدم بعد أن تعلّم الأسماء كلّها تحدد وجوده في عالم الكثرة ومن يكن قد بدأ السفر الذي به تندكّ الأنا اندكاكا كاملا..بينما حضرت الأنا بشكلها الفاحش في منتهى السير السلوكي لإبليس مما يعني أنّه لم يكن أصلا من الواصلين..والعقاب بالنسبة للواصلين ولو ظاهرا كما هو شأن إبليس، يختلف عن العقاب الذي ينزل بغير الواصلين..عاند إبليس ولم يقرّ بالخطيئة بينما بادر آدم للاستغفار فبدأت عمليتان: عملية نزول مزدوج / بالنسبة إلى إبليس من مقام الكروبيين وبالنسبة لآدم من مقام التجربة..ولكن بالنسبة لآدم كان بداية نزول وبداية صعود كما يتأكد من الشرط: (إلا عبادي)...إنها بداية رحلة آدم وبنيه لسفر روحي كان بالنسبة لإبليس بمثابة النهاية الفاشلة..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat