لازالت أمام العرب فسحة أخرى من الأمل...أمامهم مراجعات سياسية وجيوسياسية كبيرة..الاستقواء بالشعوب والأحلاف الأقل استباحة للسيادة..أمامهم فرصة للأوب السياسي لتستقيم هذه الأمة على طريق الحلّ...والحل مشروط بعديد من المقومات: استعادة الثقة بين المواطن والسلطة في العالم العربي على قاعدة إصلاحات وتكريس دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان والحق في التنوع والتعبير..إقرار مخطط جادّ للتنمية الشاملة والمستدامة وتفعيل آليات الرقابة ضدّ النهب اللامحدود للمال العام..إقرار مخطط استراتيجي لتوطيد أركان الاستقلال والسيادة في الحدّ الأدنى الذي يتيح لأمة ما أن تملك خيارها السياسي واستراتيجيتها الخاصة والقدرة على المبادرة واستشراف المستقبل..إقرار ثقافة للتعايش السلمي وذلك من خلال تعبئة الوسائط الاجتماعية والميديا لنبذ ثقافة التوحش واللاّمواطنية..على العرب أن يدركوا بأنّ لعبة الأمم ليست مجرد امتلاك أوراق خام بل إنها تكمن في طريقة تدبير تلك الأوراق..ومن هنا فإن الطاقة والنفط والثرثرة ليست بديلا عن النهوض بتنمية سياسية واقتصادية وسوسيو ثقافية حقيقية..الفصل بين الانفعال والسياسة..بين الصداقة والتحالفات..بين المزاج والاستراتيجيا..إذا كنت بلدا صغيرا لا يملك إمكانات مادية وموارد طبيعية ليصبح دولة جيوستراتيجية، فلا أحد يجبرك أن تكون طرطورا جيوسياسيا، بل فبإمكانك أن تعتمد تطوير الموارد البشرية والرأسمال الرمزي والتراث اللاّمادي لتكون دولة كذلك، ولا طريق غير مقاومة العجز والاستباحة والتخلف والهيمنة..إنّ قوة الشعوب تفوق قوة الأمبراطوريات..اليوم العالم يتحوّل فهل العرب يفكّرون في التّحوّل أم إنهم يبكون على أطلال عالم في طريق الانقراض وتحالفات تفككت هياكلها؟..هل يا ترى يدرك العرب أنّ التوجه نحو أوراسيا هو البديل عن العالم القديم، وبأنّ من لا يجد له مكانا آمنا هناك بعد سنوات قليلة سيكون خلف الأسلاك الشائكة للتطور العالمي؟ هل يدركون أنّ الغرب لم يعد قادرا على احتضان إسرائيل وربما ستجد لها أحلافا من أوراسيا نفسها مما يجعل إسرائيل تسبق العرب للتحالف مع دول كبرى في تلك المنطقة؟ ماذا يفعل العرب حيال علاقاتهم مع الصين والهند وروسيا وإيران؟؟؟إذا لم يخرج العرب من تخلفهم السياسي واستمرّوا على الثرثرة والأحقاد فسيصبحون محمية من محميات التخلف..ففي الوقت الذي نرى العالم ينعتق من استحقاقات العالم القديم بحثا عن آفاق نظام عالمي جديد نجد العرب يتباكون على أنماط العالم القديم مثل الطفل في مرحلة الفطام..فهل يا ترى سينجح فطام العرب من أنماط وجودهم وتحالفهم القديم، أم سيبدعون وسائل في الثرثرة تجعلنا دائما في مؤخرة ركب السباق..لقد ظنّ العرب أنّ الفضاء الجيوسياسي الذي تلعب فيه إيران هو الشرق الأوسط والخليج ولكنهم تناسوا أنّ الفضاء الأكبر هو أوراسيا حيث لإيران حضور واعد هناك..والغرب الذي يدرك ذلك تسارع لكي يمحي ذاكرة من الحصار ضد إيران لأنه لا يريدها عدوا في أوراسيا كما أرادها عدوا في الشرق الأوسط بسبب حماية إسرائيل والرجعية العربية، بينما العرب لا زالوا يفكرون كيف يبدعون قاموسا جديدا لمحاصرة إيران التي امتدت لعالم آخر واعد بالقوة والثروة..في بؤسهم الشرق أوسطي وجحيم سياساتهم القائمة على التحالفات المسطّحة والتبعية المفرطة والحماقة الجيوسياسية.. وبما أنّ أقرب الدول السائرة في التطور بوتيرة هي الأولى في العالم من ناحية الابداع العلمي، أعني إيران، سيكون الخيار الاستراتيجي الراجح هو في إعادة صياغة علاقة وتحالف معها على أساس أن تكون هي بوابة العرب للمجال الأوراسي حين يدير العالم ظهره للشرق الأوسط..ستفقد كل تلك الشعارات قيمتها اليوم، لأن كلمة صفوي لن تكون لها أي قيمة في المجال الأوراسي، كما أنّ خطاب الإيرانوفوبيا لن يجدي نفعا لأنّ إيران لها تواصل تاريخي مع هذه البلدان التي لا تعرف عنا نحن العرب سوى أنّنا صناع التوحّش..ستضطر هذا الدول العربية أن تنهج خطابا مختلفا إذا كانت تفكّر في المستقبل..المستقبل الذي لا توجد له أية أهمية في مشاغل العرب..فتهميش التفكير الاستراتيجي لصالح سياسات سطحية ومزاجية يجعل المستقبل يهرب منّا..ولن يبق لنا إن نحن أخطأنا الطريق سوى البكائية الدّائمة على الأطلال في زمان فائق السرعة والطموح .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat