القرآن الكريم و التنوع
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قال تعالى : ( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِلْعالِمِينَ ) سورة الروم , الآية (22) .
فالقرآن الكريم لما أراد أن يذكر ميزة العقلاء في المجال الفكري , و في مجال إختلاف الآراء قال عنهم : ( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبابِ ) سورة الزمر , الآية (18) .
أما لما أراد أن يذكر ميزة المسلمين المؤمنين بالله حقاً و كيف يتصرفون في حال تعدد الآراء و الأفكار قال عنهم : ( وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ ) سورة الشورى , الآية ( 38 ) .
و نحن نقول و بكل صراحة : هل هناك أحد أفضل من الرسل ؟ و هل هناك أحد أحرص من الرسل على أممهم ؟ و هل هناك أحد أفضل من الرسل في تطبيق الأوامر و التشريعات الإلهية ؟ و هل هناك أفضل من الرسل في الطاعة الألهية ؟
الجواب : يقيناً لا .
فما هي طريقة الرسل في طرح الأفكار , و في الوعظ و الإرشاد , و في الدعوة إلى الله تعالى ؟
الجواب هو : قال تعالى : ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) سورة النحل , الآية (35) .
و في حال لو أعرض أو مانع الكافرون أو المشركون فما العمل ؟
الجواب هو : قال تعالى : ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ ) سورة الشورى , الآية ( 48 ) .
و قال تعالى : ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) سورة المائدة , الآية (92) .
و لابد أن نعلم بإن حساب من لا يؤمن عند الله تعالى فقط , فالكل مجموعون لميقات يوم عظيم .
قال تعالى : ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ) سورة المؤمنون , الآية (117) .
و الله تعالى هو الذي يفصل بين الخلق يوم القيامة لا أحد غيره .
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) سورة الحج , الآية (17) .
و قال تعالى : ( رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) سورة السجدة , الآية (25) .
نعم لا إشكال في أن يحرص الإنسان على توكيد آراءه الفكرية , و أطروحاته و معتقداته , فيسعى أصحاب الآراء و الأفكار إلى طرح أفكارهم , و الدفاع عنها , و محاولة الرد على ما يعارضها , كل ذلك يخلق حالة من الحراك الفكري , و يفيد في التطور المعرفي لدى المجتمعات البشرية , و بخلاف ذلك ستسود حالة من الجمود , و الركود الفكري , و التخلف المعرفي .
قال تعالى : ( لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) سورة المائدة , الآية (48) .
قال السيد ( محمد حسين الطباطبائي ) في تفسير هذه الآية المباركة : ( فاستبقوا الخيرات و هي الأحكام و التكاليف , و لا تنشغلوا بأمر هذه الأختلافات التي بينكم و بين غيركم فإن مرجعكم جميعاً إلى ربكم تعالى فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون , و يحكم بينكم حكماً فصلاً , و يقضي قضاءً عدلاً ) .
لكن هناك أسلوب للطرح , و أن يكون الطرح عقلانياً , متوافقاً مع الثوابت الدينية , و الأخلاقية , و الإنسانية .
و القرآن الكريم قد وضح لنا جملة من الأساليب في الطرح منها :
1ـ البحث عن الجامع المشترك , أو موارد الإلتقاء :
قال تعالى : ( تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ) سورة آل عمران , الآية ( 64 ) .
2ـ عدم الحكم على خطأ الآخر بل الكل معرض للخطأ و لا عصمة إلا لله تعالى و لإهلها :
قال تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) سورة سبأ , الآية (24) .
3ـ أسلوب الدعوة يكون بأفضل و أحسن الأساليب عند المتلقي :
قال تعالى : ( ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) سورة النحل , الآية (125) .
4ـ هناك حرية دينية , و لا إكراه في الدعوة إلى الدين أبداً :
قال تعالى : ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) سورة البقرة , الآية ( 256 ) .
5ـ الإنسان مخير و ليس مجبر :
قال تعالى : ( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) سورة الإنسان , الآية (3) .
6ـ لا يُقاطعُ المخالفون ما لم يرتكبوا ما يوجب ذلك :
قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) سورة الممتحنة , الآيات ( 8 ) ــ (9) .
فقد قال رسول الله ( ص ) : (( أحسن صحبة من صاحبك تكن مسلماً )) .
بل أنه و في مجال التعملات الخارجية , التعاملات الإنسانية العامة وضع الأسس الصحيحة و الصحية في التعامل حتى مع أعدى الأعداء إذ أن لكل وقتٍ كلامه الخاص به .
قال تعالى : ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) سورة فصلت , الآية (34) .
فلابد عليك و في مجال التعاملات , و في مجال التعايش أن تتعامل مع أعدى أعدائك و كأنه أفضل أصحابك و أكثرهم حميميةً منك .
بل نجد الله سبحانه و تعالى في كتابه الكريم , و الذي ضرب فيه مثلاً لأطغى طواغيت البشرية ألا و هو ( فرعون ) , و بعد تثبيت الطغيان له يأمر نبيين من أنبياءه ألا و هما موسى و هارون ( عليهما السلام ) بأن يخاطباه بألين أسلوب , و بأفضل لسان فيقول تعالى : ( اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي * اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) سورة طه , الآيات ( 42 ) ـــ (44) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat