صفحة الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

مع العبادة من أجل فهمٍ صحيحٍ لها
الشيخ ليث عبد الحسين العتابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
    علينا و عند القيام بممارساتنا العبادية أن لا يكون همنا الأول و الأخير شكلها الخارجي و مظهرها , و لا رأي الناس بها , بل لا بد أن يكون الأساس فيها هو رضا الله تعالى و مدى مقبوليتها عنده سبحانه تعالى .
إن من أهم أسرار العبادات هو تطبيق ما أمر الله تعالى به , و اجتناب ما نهى عنه بالقول و العمل , ظاهراً و باطناً .
كما و من أسرارها الطهارة , إذ لابد لكل عبادةٍ من طهارةٍ بنحوٍ من الأنحاء , و الطهارة في الواقع تُحقق المحبوبية و المقبولية على طريق كمالها .
قال تعالى : (( وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ )) التوبة ( 108 ).
و الطهارة لا تتحقق بالماء فقط , و لا تختص بالظاهر , بل المراد حقيقتها المتمثلة بالطهارة الداخلية , كالطهارة من الانانية و حب الذات , فليس هناك من عدو للإنسان أكبر من العدو الداخلي , أي النفس , و ليس هناك من خبث أكبر من خبث النفس . لقد جاءت العبادات بما بها من اسرار روحية لإنقاذ الإنسان من الأمراض النفسية الفتاكة . 
قال تعالى : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى )) طه (124) .
إن تعاليم الدين الحنيف جاءت لتطهير الإنسان , فهو عندما يصلي و يصوم و يجاهد و يزكي , كل ذلك يفعله من أجل أن يتطهر ليكون نقياً و خالصاً من الغرور .
كما و إن ميدان التسابق إلى الله تعالى لتحصيل رضوانه مفتوح أمام الجميع , فهو ليس حكراً على أحدٍ دون أحد , و ليس مغلقاً بوجه أحدٍ أبداً .
فنحن نتوجه له تعالى و نقول : ( و اجعلني من أحسن عبيدك نصيبا عندك , و أقربهم منزلة منك , و اخصهم زلفة لديك ... )  .
إن الطريق لم يغلق بوجهِ أحد , و لن يغلق ابداً , و الطرق إلى تحصيل رضوان الله تعالى ( بعدد أنفاس الخلائق )  .
لذا فلزاماً علينا أن نسعى إلى معالي الأمور لتحصيل الأحسن , و لا نكتفي بالقليل من الأعمال , بل نظل في حركة دائمة ليكون غدنا أفضل من يومنا , و أن نسعى إلى أن يتطور عملنا و يرقى في كل يوم إلى مرتبةٍ أعلى .
فعن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : (( إن الله يحب معالي الأمور و يكره سفاسفها ))  .
إن الله سبحانه و تعالى يحب ذوي الهمم العالية , و الأفكار الصحيحة . على أن يكون دستورنا الروحي هو القران الكريم , و أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) . 
إن القران الكريم يدلنا على الجانب الروحي للعبادات , لننطلق منه إلى معرفة بقية الأحكام , فقد بدأ القران الكريم بالطهارة وصولاً إلى بقية الأحكام الإلهية صعوداً , و الظاهر من هذه الأحكام أن الله تعالى يريد للإنسان أن يكون عبداً خالصاً له تعالى لا لسواه .
قال تعالى : (( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )) الذاريات ( 56 ) .
إن هناك ملاحظة مهمة لا بد من التنبه لها ، ذلك بأن لا يدعونا الاهتمام الزائد بالعبادة و التأكيد عليها ـ إفراطاً ـ أن نكون من الدعاة إلى الرهبانية , و الانزواء , و بالتالي إهمال كافة المسؤوليات الإنسانية و الاجتماعية من الركون إلى الصوامع , و العيش في انزواءٍ عن المجتمع . 
إن الإنسان مخلوق اجتماعي , و تكامله المادي و المعنوي مبتنٍ على هذا الأساس , و ما جاءت به الأديان السماوية لا ينافي دور الإنسان في المجتمع , كما و أن هناك فرقاً واضحاً و جلياً بين الزهد و الرهبانية , فالزهد ـ اسلامياً ـ يراد به البساطة في الحياة , و الابتعاد عن الكماليات , و عدم الوقوع في أسر المال , أما الرهبانية فتعني الانفصال و الغربة عن المجتمع وسط أعمال و تعاليم بعيدة عن أي تشريع . فالزهد يدعو إلى التحرر من الماديات و الترفع عن المغريات في جهادٍ مع النفس لتحصيل الرقي الروحي المنشود .
قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : (( ... إنما رهبانية أمتي الجهاد في سبيل الله ))  .
و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في كلامه عن حكمة العبادات : (( حرس الله عباده المؤمنين بالصلوات و الزكوات و مجاهدة الصيام في الأيام المفروضات , تسكيناً لأطرافهم , و تخشيعاً لأبصارهم , و تذليلاً لنفوسهم , و تخفيضاً لقلوبهم , و إذهاباً للخيلاء عنهم , و لما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعاً , و التصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغراً و لحوق البطون بالمتون من الصيام تذللاً , مع ما في الزكاة من صرف ثمرات الأرض و غير ذلك إلى أهل المسكنة و الفقر ))  .
و هنا نود الكلام عن سياق عبادي معين يحدده لنا الامام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) إذ يقول : (( اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات : ساعة لمناجاة الله ، و ساعة لأمر المعاش ، و ساعة لمعاشرة الاخوان و الثقاة الذين يعرفوّنكم عيوبكم و يخلصون لكم في الباطن ، و ساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرَّم . و بهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات ))  .
على أن العبادة و الدين قائم على ( شعائر ) خاصة به تمثل دستوره ، و توضح حقيقته ، و تبيّن أهدافه .
قال تعالى : (( ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )) سورة الحج ، الآية (32) .
ما لهذه الشعائر من دور في تثبيت الاعتقادات ، و الحفاظ على الثقافات الدينية الخاصة ضمن اطار ( المحاكاة ) و ( القدوة ) و ( الأنموذج ) .
( إن عمليات المحاكاة تؤدي من متساوقٍ و متوالٍ ، دوراً مهماً في نجاح الفعل الشعائري ، فخلال عرض الشعائر يرتبط المشارك فيها في نفس اللحظة و مباشرة بأفعال المشاركين الآخرين فيها ، و يحصل ذلك جوهرياً بصورة محاكية عن طريق الحواس و حركات الجسد و العلاقة المشتركة بالكلمات و النغمات و اللغة ، ... إن عمليات المحاكات ينتج عنها توسيع أفق الأشخاص الذين يسلكون سلوكاً يحاكي الممارسة الشعائرية ، و تؤدي هذه الحالة إلى انتاج مماثلة مع الأفعال المشعرية ، فتؤدي خلالها جسديتهم و طابعهم الانشائي دوراً مهماً ، و في هذه العمليات المحاكية تتجسد التشكيلات الشعائرية و المناظر و سلاسل الأحداث و الصور و نماذج الفعل ، و هي بمقتضيات أخرى تمكن من صوغ كفاءة الأشخاص في الممارسة المشعرية )  .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث عبد الحسين العتابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/09



كتابة تعليق لموضوع : مع العبادة من أجل فهمٍ صحيحٍ لها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net