صفحة الكاتب : ادريس هاني

الأكبرية اللاتينية بديلا عن الرشدية اللاتينية
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يبدو أن المثقفين الفرنسيين هذه الأيام يبحثون عن مخلّص..وإذ يفعلون ذلك فهم يعتقدون أن المخلّص لن يكون إلاّ من بين فلاسفة عصر النهضة والتنوير..بدؤوا يتجاوزون التحقيب الذي خنقوا فيه تاريخ الأفكار..في مجلة(le point) الفرنسية آخر عدد خصّص لسبينوزا..سبينوزا هنا بوصفه فوق ـ حداثي..كذلك العنوان...تتساءل المحررة كاترين غوليو لماذا سبينوزا فوق حداثي؟ تجيب: لأنه فهم في الغرب قبل غيره بأنّ الجسد والروح يسيران في استقلال عن بعضهما..وهنا عارض أفلاطون وآباء الكنيسة ووبالتأكيد ديكارت..وأيضا لأنه اقترح إلاها غير متعالي..الله في كل شيء وكل شيء في الله..هذه الدعوى رغم دفاعه عن إيمانه قد تؤدي به إلى تهمة الإلحاد...
أتساءل هنا ما معنى أن يكون سبينوزا ما فوق حداثي(ultramoderne)؟ وهي بالتأكيد لا تؤدّي المعنى والوظيفة نفسها لما بعد حداثي(postmoderne)..إنها حالة من انتشال القول الفلسفي من ورطة التحقيب وتورخته..إنه بهذا المعنى الفيلسوف الذي لا يزال يملك أن يقرر مصير الفلسفة في العصر الراهن..في هذا الكلام الذي لا يطيقه آباء الكنيسة ولا الذين لا علم لهم بالكتاب يعتقدون أنّ هذا جديد..ولكن ليس هناك جديد..نحن سبقناهم لهذا الفهم ونعيش عليه..وإن كان من بيننا وفي تراثنا من بغوا علينا ووقفوا موقف آباء الكنيسة حتى قال يوما زين العابدين:
يا رب جوهر علم لو أبوح به +++ لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي +++ يرون أقبح ما يأتونه حسناً
أني لأكتم من علمي جواهره +++ كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
نحن نعتبر أنّ الروح والجسد امران لا يسلكان المسلك نفسه..ولا الجسد يندمج مع الروح..إنما نتحدث عن تدبير النفس للجسد..وفعل التدبير يعني أنّ ثمة تدبير علاقة لا بدّ منها..أمّا الروح فأمرها خاص..وحتى وإن كان قصد سبينوزا وأضرابه بالروح النفس وربما العقل لأنّ ثمة خلطا كبيرا في مصطلح (esprit)، فإنّ كل منهما له عالمه المستقل..وكل منهما جوهر قائم بذاته..أما فكرة الإله غير المتعالي، فتلك هي نوبة من نوبات أزمة المصطلح..ذلك لأنّ التعالي بالإله هو تعالي بالإنسان نفسه..وبالتأكيد إنّ نفي تعاليه يوقعنا في نقيضة أنّها ليست تجلّيات لوجوده الأصيل..طعنة في فكرة وحدة الوجود السبينوزية نفسها..أو على الأقل فيمن قرأ سبينوزا من بعده ..وما أكثرهم..وربما قلنا كما قال ليفيناس بأن السبينوزيين لا يموتون..إنّ وجود الأشياء فيه ووجوده في الأشياء على طريقة سبينوزا تعكس ضحالة اللاهوت الغربي ومصطلحاته التي تعاني الكثير من الهشاشة في هذا الباب..في الحكمة المتعالية نسمع ما يصلح تحقيقا لهذه الفكرة السبينوزية: بسيط الحقيقة هو كل الأشياء...لم يفعل سبينوزا أكثر من القول: (أينما وليتم وجوهكم فثمّ وجه الله)...
وليته قرأ للسبزواري:
الوجود عندنا أصيل +++ دليل من خالفنا عليل
فإذا أدرك هذه النكتة كفّ عن كل مفارقة تعكس سوء تدبير لعلاقة الوحدة بالكثرة.. المشكلة ظلت تدور مدار النظرة الملتبسة للوجود..ربما من سبينوزا حتى هيدغر عرفت انفراجا..ولكن فرنسا تنتفض اليوم ضد هيدغر ولن تعترف له بأنّه ألهم الكثير من روادها وإن كانوا لن يغفروا له ميله القومي إلى هيتلر..ولكن فكرة الوجود التي هي أصل كل هذا النزاع انحلت عند هيدغر وليست عند سارتر سارق النار الهيدغيرية..حين أدرك هيدغر الوجود تجاوز أزمة الزمان وتخطّى الفتنة التاريخانية..وفكرة الوجود لم تكن واضحة تماما حتى عهد سبينوزا..كانت الديكارتية لا زالت تهيمن بثقلها حتى على سبينوزا..ولكن لا أحد منهم أدرك في تاريخ أوربا قبل هيدغر أنّ الأولوية للوجود لا لسواه..
هذا ليس أمرا جزافا..إنها الإلهيات التي انتقلت من الأندلس وتواصلت مع ابن ميمون والمدينون لابن عربي وصولا إلى سبينوزا...هل يا ترى هو ابن عربي يطل على فرنسا مجددا أو الفكر الأكبري اللاتيني ينهي عقود الرشدية اللاتينية ومساراتها الملتوية؟؟ .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/22



كتابة تعليق لموضوع : الأكبرية اللاتينية بديلا عن الرشدية اللاتينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net