صفحة الكاتب : ادريس هاني

الدّولة الحديثة بين المركز والهامش
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يمكننا القول بأنّ ميلاد الدّولة الحديثة (الدولة ـ الأمّة) شكّل حدثا لا يقلّ عن الثورة الكوبرنيكية في الفلك..وليس هذا غريبا، فالثورة في مفهومها الكلاسيكي ارتبطت بالفلك وكان غايتها تثبيت النّظام..الدولة الحديثة هي منتج لثورات كثيرة انتهت بقيام الدّولة على جملة مرجعيات أساسية منها الديمقراطية والعدالة والحقوق التي تستند إلى مرجعية الماغناكارتا و العهد الدولي لحقوق الإنسان والقانون وتحرير السّلطة..تزامن فعل ترميم الدولة الحديثة مع نزوعها في آن واحد في اتجاه صناعة وإنتاج الثروة مما جعلنا أمام ميلاد الاقتصاد السياسي الحديث الذي ستلعب فيه الدولة دورا كبيرا..هنا سندخل حيز المفارقة التّاريخية الذي كان سببه انحراف الجغرافيا السياسية حيث أدت عملية البحث عن الموارد الطبيعية إلى الاستعمار الذي وضع الدولة الحديثة في الغرب أمام ازدواجية المعايير السياسية: الديمقراطية في المركز والاستبداد وغياب الحقوق والعدالة القانونية في المستعمرات..هذه الإزدواجية كانت بمثابة العنصر الأخطر على الدولة الحديثة في عهد الاستعمار حيث انتهت إلى الحرب العالمية الأولى والثانية وتحرر معظم البلاد المستعمرة لتدشن الدولة الحديثة في الغرب عهدا جديدا من السيطرة والنيوكولونيالية.. ستجد الدولة الحديثة نفسها في حاجة إلى المناورة للتحرر من حالة تأنيب الضمير وتطمين الرأي العام، وهو ما انتهى بميلاد لعبة الأمم، وهو القاضي بالتمكين والتمكن من الموارد الطبيعية في العالم الثالث من دون الحاجة إلى التّدخّل..وذلك بافتعال الأزمات ومواجهتها في آن واحد..الهيمنة على المؤسسات المالية الكبرى برسم نظام بروتن وودز والتحكم بمصير التنمية في العالم الثالث لتأخير ميلاد الدولة الحديثة بكل مقوماتها في العالم الثالث..فلقد ظلت الدولة الثالثية خاضعة لشكل من الرقابة والحصار لأنها الوحيدة المعنية بتحرير المجتمع من أساليب الهيمنة الجديدة..وبالفعل قطعت الدولة في العالم الثالث مراحل كثيرة وواجهت تحديات كبرى وربما أمكنها تحقيق نجاحات في بعض الأحيان وإخفاقات أحيان كثيرة .. تصبح الدولة مارقة في العالم الثالث بقدر ما تحققه من استقلال وسيادة وشرعية محلية..وهذا سيضطر الدولة المركزية في الغرب إلى التدّخل المباشر حينما فشلت في تحقيق أغراضها عبر المحاور الإقليمية..إنّ الدولة الإمبريالية لا تسمح بقيام دول كاملة السيادة في المجال الثالثي..إنها تؤمن بدول محاور..شبه دول ذات وظيفة إقليمية لتمكين الدولة الإمبريالية من تعزيز نفوذها..ومع أنّ أهم ما ميّز ميلاد الدولة الحديثة هو القوانين والدساتير والمواثيق إلاّ أنّ ميلاد لعبة الأمم أدّى بدوره إلى خلق قواعد وقوانين أخرى للتلاعب بالقوانين والهيمنة على العدالة الدّولية من خلال نظرية الألعاب وصناعة وتدبير الأزمات وسياسة السيناريوهات..إنّ لعبة الأمم هي التي تحمي الدول الغربية الحديثة من سلطة القوانين وتمكنّها من الإفلات من العقاب حتى في حالة العدوان..ثمة جدل بين مستويين من القوانين اليوم: القانون الدّولي الذي ظلّ صناعة لفقهاء القانون والمحاكم الدّولية وهو متاح للجميع، وهناك قانون لعبة الأمم غير المتاح للجميع وهو صناعة لأصحاب القرار والدّولة العميقة التي تدبّر مصالحها وفق قوانين أخرى تكون الحرب جزء منها. ونستطيع تعريف الدّولة العظمى اليوم بمدى تمكنها من القانون الثاني: قانون لعبة الأمم..
وهكذا لازلنا نتساءل عن مصير الدولة المستقلة ذات السيادة التي تناور للخروج من الهيمنة..هذا الأمر بات مكلفا جدّا..وهو الذي يفسر اليوم تلك الحروب التي تستهدف الدّول المتشوّفة إلى السيادة والاستقلال..كما يفسر ازدواجية المعايير التي لا زالت تصنع مفارقة العهد السياسي الجديد .

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/11/23



كتابة تعليق لموضوع : الدّولة الحديثة بين المركز والهامش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net