صفحة الكاتب : ادريس هاني

في الكوميديا السياسية
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سألني كثيرون عن سبب التحاقي بحزب معين من أحزاب بلادنا الضائعة..أحجمت عن الجواب لأنّني كنت أراقب المشهد.. وكان لا بد أن يعرفوا أنني لم التحق ونأيت بنفسي منذ أن تم الإعلان عن هذا الخبر..وحرص من حرص على دعوتي لحضور تلك النشاطات ولم أحضر أي شيء في صمت وهدوء وعدم إثارة..ولذا هم يؤدّبوني بتحريض التكفيريين لأنّني أفشلت عملية الإلتحاق أصلا بعد ان تركنا السلفي يتيما يعوي ويتملّق..إنها حكاية تشبه فصلا من فصول الكةميديا السياسية..
حينما ألفيت السياسوي يستهين بالمثقّف..وحينما أدركت أنّ الأحزاب أصبحت تساوي بعضها في الرداءة..وحينما أدركت أنّ كل حزب هو جلاّد على طريقته من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار حتى بات واضحا أنه ليس في القنافذ أملس..وحينما أدركت أنّه لا توجد لأي حزب استقامة أيديولوجية ولا رؤية استراتيجية وإنما هي كائنات انتخابوية في زمن "التفو _قراطية"..كان لا بدّ من خلق المفارقة في مشهد متشقلب لمعرفة مدى ما تبقى من مصداقية للرأي العام..هنا كان لا بدّ أن أندمج في أنأى الأحزاب عن الحقيقة السياسية..في محاولة لدراسة الوضعية الطوطمية للأحزاب السياسية لما قبل بروز عصر الدولة والكتابة..أحزاب ما قبل التّاريخ..كان الوضع من الهزل وليس من الجدّ لأنّني أحببت أن أخلق المفارقة في مشهد لا أحد من أحزابه يملك مصداقية..والمصداقية هي كل لا يتجزّأ..ففي لحظات معيّنة ومنعطفات تاريخية معيّنة يقف اليمين واليسار ضدّ الحقيقة..هنا تكون أمام شكل من الإجماع غير المعلن والحصري، وهو ما يسمونه على حين غفلة من سوسيولوجيا الحقيقة بالإجماع المغربي، وهو من أسوأ الإجماعات الكاذبة..ولقد استفذت كثيرا من هذه التجارب لأنها أوقفتني أمام الوضعية الطوطمية للأحزاب السياسية..أمام الرداءة التي كنت أسمع عنها ولا أراها..أمام صندوق العجائب من كل لون الانحطاط السياسي..ما لم يكن يعرفه الرأي العام أيضا هو أنّي كائن مستحيل الانخراط في أحزاب لعوبة..ولكنّني أساير الحركة الطوطمية في مشهدنا السياسي لبلوغ الحقيقة التي تهمّني في قراءة مشهد يتمنع على الحقيقة..خلقت المفارقة بافتعال الذهاب إلى حيث يوجد ما يسمّيه إخواننا الاتحاديين بالجلاد، بينما كنت أتساءل حين كنت يوميا أجد على صفحات الاتحاد الاشتراكي شكلا آخر من الجلد حينما أصبحت آراء الجيش الحر والخونة السوريين تجد لها مرافد في جريدة الاتحاد التي كان يفترض أن ينأى بعض محرريها عن المال الوهّابي وتبني رؤية المناضلين الحقيقيين الذين يفترض أن يعرفوا الحقيقة لأنهم الأكثر استفادة يومئذ من دمشق..وكان يا ماكان إلى أن صدمنا بحوار السيد اليوسفي وهو ما تبقى من ضمير الاتحاديين على صفحات جريدة من صنع بشارة وذات التمويل الرجعي ليبكي عدم تحقق انتصار متناضلي الخيانة وفلول الجيش الحر..هنا السياسة ترقد تحت السقف الاستراتيجي..هنا الصدمة..هنا وجد خلق المفارقة..هنا كان لا بدّ أن يهرع المرء إلى حزب من يسميه الاتحاد بالجلاد..سنذهب عند جلاّدكم حتى تتعلموا أبجدية التفكير الاستراتيجي..ولقد استمر بعض المتورطين في المال الوهابي في جلدنا صباح مساء وبطرق متعسفة على جريدتهم..أليس ذلك مبررا لكي تهرب من جلادنا المأجور إلى جلادهم؟
أمام المفارقة التي خلقتها كنت أمام تعدد قراءات تنزع في كل الاتجاهات..القارؤون لا يعرفون تفاصيل الصراع الحاد الذي أخوضه ضد التعسف..لا توجد جريدة تقبل بمقالاتك إلاّ حينما تعطى لهم التعليمات..وهذا من اليمين إلى اليسار..لا أحد يقبل بمواقفك من اليمين أو اليسار..في الواقع هناك موقف تحدده الوهابية السياسية التي اشترت كل الصحف وكذا الأحزاب..اشترت البشر والأشياء..ما معنى أنّ الأحزاب باتت تتهافت على كلّ متسلفن تكفيري؟ متى كانت الأحزاب السياسية تضع مصيرها في يد هؤلاء الحمقى التكفيريين..لقد أتينا بسلفي أهوج لنؤثث به مشهد الرداءة السياسية..ثم سرعان ما أراد أن ينتقم بعد أن تركناه لحاله وربطناه بجذع النخلة ملوما محسورا..اكتشفنا من خلال هذه التجربة كيف يحصل المسخ السياسي لوهّابي تكفيري يشبه أشعب الطماع يكفرني فقط لأنني نأيت بنفسي عن طقوس الطواجين التي تسبق الانتخابات، بينما يمجّد في " كويلاّت" السياسة..لنضحك قليلا ونحن نستمع إلى التكفيري الذي كان يعرض عليّ خدماته كعين على السلفيين من بني جلدته..حين يقول بأنني كافر بينما الأمين العام هو حامل لكتاب الله..نحن وبأنني ألعب أدوارا خطيرة بينما هؤلاء صادقين..يريد أن يطبق شريعة ما قبل حمورابي ويحارب بيع الخمور وهو يحيط نفسه في الحملة الانتخابية بـ"الكرّابا"..الحانوتي التكفيري الذي يحمل سمت أهل القبور يضعنا أمام روح الوهابية المقطوعة الجناح والتي تتحول إلى حركة تملّق وعبودية للطوطم السياسي..أما الآراء فقد انقسمت إلى قسمين: هناك من اعتبر ذلك سقوطا ، وكأنه أشفق علينا ، فتفلسف كثيرا ليتحدث بلغة الثوروية بينما حينما ننزل إلى سفح الجبل نجدهم أكبر بركاكة في هذه اللعبة الميديولوجية..والدليل على ذلك، أنّهم يرفضون مقالاتنا حينما تكون ثورية..ولا يتواصلون معي إلاّ في ما يخدم أجندات مشبوهة وفي ملفات تقودك لإلى جهنم..أتساءل : كيف انتقد البعض ذلك واعتبره نزولا بينما في صحافتهم ترفض مقالاتي؟ هذه هي المفارقة الأخرى..أما القسم الثاني: فقد اعتبر ذلك مخططا صفويا بعيد المدى..كما لو أنه لما كنت أخطط مع الصفويين كان هو "يشحّر لبرارد نتاع أتاي" واسترق السمع..قراءة (بهلو _ استراتيجية) هدفها التجريم المسبق..لم يستقم الرأي العام على رأي، ما بين السقوط الرمزي وما بين التخطيط البعيد المدى..هؤلاء عبروا عما كانوا يتمنونه لك من سقوط رمزي وأولئك يحذرون وينصحون باتخاذ اجراءات الإسقاط..المهم اتفق الجميع على أن السقوط هو ما يتمنونه لك..اليوم لأنّ الانتخابات جارية، والتكفير بات وصلة تجارية في خدمة الانتخابات..كل الصحف تمنع من أن أعبر عن رأيي بأنني لست طرفا في هذا الحزب أو ذاك وبأنّ الحكاية ليس فقط فشلت بل كانت أشبه بكوميديا سياسية أنا ساهمت في إخراجها لخلق المفارقة ووضع المشهد الحزبي والإعلامي المتشقلب أمام حقيقته..لعل أهم مفارقة هي حينما تغيّر مزاج الإعلاميين وظنوا أنّني اليوم في حزب يعتبرونه هم حزب الجلاد..رأيت عبيدا غيروا اللهجة وبعضهم تملق لي وطلب منّي خدمات..ولا أخفي أن أحدهم طلب منّي سفارة فقط وليس وزارة (هههه) هنا ندرك انّ التكفير يدور مدار السياسية حتى لو نبح به وهّابي منتوف..هنا أدركت أن الأمر يتعلّق برأي عام ضايع، وبنزعات العبيد، وبأنّ من كان يتحاشى الحديث معي أصبح يلاحقني في كل الطرقات..وتغيرت الابتسامات، وسكت العبيد والمتملّقون..وهكذا أحببت أن أطبّق مبدأ المشاركة ليس بمعناه السياسي بل بمعناه الأنتربولوجي، أي حالة تقمّص الطوطم بوصفه رمزي يحيل إلى حقيقة..هذا التقمص لصورة الطوطم هي التي جعلت الكثير من التكفيريين يبتلعون ألسنتهم حتى أعطيت لهم تعليمات..وكذلك هذه الأيام كلّ الصحافة أعطيت لها تعليمات أن يستمعون لموقفي حتى لو تعرضت للتكفير..ليتكم تروا الصحافة تهرب هروبا عجيبا ويقطعون التلفونات ويهربون من مكان لمكان ومبرراتهم تتشابه وهم في حرج لا يطاق وأيضا في حالة كوميدية مقرفة..أين البحث عن الحقيقة والإثارة..الكلّ مشترى والكل يعمل بأجندة ولا أريد ان أعطي تفاصيل أكثر بعد ان انكشف الملعوب..لم تعد الميديولوجيا الرديئة تأبه حتى بالإثارة..ميديولوجيا العبيد المتقمّصين للغة الأحرار..
لقد فشلت في إتمام مهمتي الأنتربولوجية في سبر أغوار الطوطم السياسي لأنّ الغابة كانت مليئة بالحشرات السامة وبأنواع من الأساطير التي تمتنع عن التأويل كما قرفت من حالي وأنا أمشي محدودب الظهر في حقول النامبغوارا والبورور لأقبض على الكيمياء الفاسدة لسياسة لم يخلق مثلها في البلاد

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/07



كتابة تعليق لموضوع : في الكوميديا السياسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net