صفحة الكاتب : ادريس هاني

أي مشروعية للعقل النقدي؟ أو العقل ناقدا نفسه.
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
من أصعب المهام على العقل أن يفكك وعيه بذاته..نقد العقل بدل نقد العقل لغيره..لما ينتجه العقل في مكان وسياق وظرف آخر..التفكير ضد الدماغ بتعبير غاستون باشلار أو التفكير الانعكاسي للعقل بتعبير ادغار موران..المهمّة التي ستوقفنا على أزمة العلاقة المعقدة بين العقل المجرد والغدة الصنوبرية (Pineal gland) وعن الشروط البيوكيماوية للدماغ..يجهل العقل الدماغ الذي ينتجه..الماديون وجدوها فرصة تاريخية لإنكار وجود العقل..بينما العقلانيون اعتبروا الدماغ شرط مادّي للعقل..هي نفسها الجدلية التي ظلّت مترنّحة عند أندري لالاند بين العقل حال الفعل والتنظيم والعقل حال الانتظام(= العقل الناظم والعقل المنظم)..كيف يعود العقل الناظم هنا ليعيد إنتاج فهم بالشروط التاريخية والاجتماعية والثقافية التي تنتجه..التفكير ضدّ الدّماغ مهمّة صعبة ومفتوحة ولا نهائية ومعقدّة..غير أنها ممكنة..فالعقل الذي يبدو كنشاط يتكون داخل منظومة الشروط الجيو ثقافية والسوسيوثقافية والنفسية وأيضا البيوكيماوية قادر أيضا على التحرر..وقادر على تصحيح نفسه باستمرار..وذاك بالفعل قدره..المولعون بالعبادة في معبد العقلانية يعتقدون أنّ موقف العقل من اللامعقول هو الذي يحدد معنى وجدوى العقل..وهنا ترتكب أكبر خطيئة تجاه العقل..فاللامعقول هو أيضا منتج من منتجات العقل أيضا..فالعقل يخطئ لا محالة..لأنّه يتصرّف بحسب شروطه..ويعمل على تدبير المعرفة وفق شروطها النفسية والاجتماعية وإمكاناته البيولوجية..ولكن العقل يحتاج إلى رقابة..رقابة ذاتية..ولا يمكن أن تنشأ هذه الرقابة من خارجه..لأسباب عديدة منها أنّ ما هو خارج العقل يتوقف على فعل العقلنة..إمّا مصالحة مع العقل أو نفيا له..وهي عملية تكلفه الكثير من التحدّي والتوتر..القيم العليا المستقلة والتي تثير العقل إنما هي قيم تستدعي صورها من داخل العقل..هذه الرقابة الذاتية هي التي تجعل العقل يصحح ذاته بذاته..يصعب استيعاب هذه الحقيقة خارج التطور الذي تشهده التقنية الذكية..حيث تشتغل الأجهزة على مراجعة يومية لاختلالات الجهاز والعمل على تصحيحها..الشيء نفسه تقوم به الطبيعة مع نفسها..والعقل حين توضع أمامه الشروط المؤثرة يستطيع أن يدرك أثرها ويصححها..تعمل المؤثرات بشكل لا واعي لكن تجارب العقل هي حالة تضوية مستمرة على المناطق المعتمة من نشاطه..وهذا إنما يجعل النقد وحده ضامن لعملية تصحيح العقل لنفسه..إنّ النقد هو أسلوب العقل في توسيع مجال الرؤية والوعي بقضاياه وأدواته..وبينما كانت الفلسفة تهتم بطرح السؤال كان النقد الفلسفي مهتما باختبار الأسئلة الحقيقية..ذلك لأنّ طرح السؤال قد يكون مدخلا لتأسيس الأزمة..اللعبة تبدأ بالسؤال..فأي قيمة لأجوبة على أسئلة وهمية تستنزف العقل؟ إنّ النقد الفلسفي هو أعمق من البناء الفلسفي، لأنّه يختصر الزمان أمام المهام الفلسفية الكبرى ويشكل تحدّيا ليس لجوابات الفلسفة بل لطبيعة أسئلتها التي تدور بين الحقيقة والزيف..إنّ اللامعقول هو منتج للعقل..والمواجهة كثيرا ما تكون بين عقل وعقل..بين بنى عقلية وشروط مختلفة بين عقل وآخر..معركة العقول..عقول تهيمن عليها الأجوبة الأيديولوجية وأخرى عقول تخضع لاختبار النقد..من السهولة أن يقوم عقل أيديولوجي بدحض عقل أيديولوجي آخر، لكن من الصعب مواجهة العقل النقدي..فمعيار تصحيح العقل وآلية ترميم العقل لنفسه هو النقد..ذلك لأنّ العقل المتراخي والمستأنس ببديهياته التي قد تكون هي منتج لشروط العقل المنظّم يصبح عائقا وعدوا للعقل في حالة النشاط والتكّون الدائم..العقل بلا نزعة نقدية هو هو نفسه العقل المنتظم في حالة تعبير عن نفسه..ذلك لأنّ العقل في حدّ ذاته ينزع للتجاوز والاختبار والنقد والمساءلة..وتلك هي وسائله في تجديد نفسه وتجديد منظومة شروطه وتكريس مشروعيته في الوجود

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/13



كتابة تعليق لموضوع : أي مشروعية للعقل النقدي؟ أو العقل ناقدا نفسه.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net