صفحة الكاتب : ادريس هاني

الربيع العربي مآمرة ضدّ الثورة الكبرى
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا زال البعد السيكولوجي للربيع العربي غير مدروس بالشّكل المطلوب..قسم من هذا الإستبعاد للمقاربة السيكولوجية الحيوية مردّه إلى موقف المشرفين على تفاصيل الخداع في لعبة الأمم..ربما البعض لازال يرى عدم جدوى هذه المقاربة نظرا لأنّ التاريخ لا يفسّر بعلم النّفس..كثيرة هي الحجج التي قد تفسر هذا العزوف..لكنّني مصرّ على أهمية إنشاء علم نفس التّاريخ..علم لم نجد له مكانة ضمن علوم كثيرة، ولكنني أعتقد أنّ علم نفس التّاريخ سيضعنا أمام فتح جديد من إشكالية العلاقة غير الأخوية دائما بين النزعة البنيوية والنزعة التاريخية..من حقّ المشرفين على الخداع في أروقة نظرية الألعاب أن يستندوا إلى هذا الاستبعاد، لأنّه من الصعوبة أن تنجح عملية خداع سيكولوجي إلاّ إذا أبعدنا قليلا أولئك المعنيين بالأمر من اليقظة الممكنة..فالساحر لا ينجح إلاّ في بيئة يغيب فيها العقل ويتحقق فيها التسليم الكامل بسلطة السّحر..إنّ التفكير الجمعي هو تفكير ما قبل علمي..هذه حقيقة لا غبار عليها..لعلّه السبب الذي جعل غاستون باشلار يرى الحقيقة العلمية طرف نقيض مع الرأي العام..الرأي العام الذي لا يمكن أن نؤسس عليه حقيقة علمية..إنّ آفاق وآليات الفهم والتفكير عن الرأي العام تنزع غالبا نحو التعميم والتبسيط وكلاهما لا ينفعان في تحقيق الحقيقة العلمية..هذه الحقيقة التي لا يمكن أن تظهر إلاّ بفعل قطيعة مع أدوات ومفاهيم التعميم التي يعتمدها الرأي العام..سيكولوجيا الرأي العام هي عائق حقيقي لبلوغ الحقيقة العلمية..وأدواتها في التفكير لا تخرج عن أنواع الحجج المغالطة التي تجعل الحقيقة لدى الرأي العام هي حقيقة مطلقة.. وكونها مطلقة يعني أنّها أيديولوجية قصوى..فالرأي العام ينزع نحو عبادة الأفكار التي تستثير رغباته..علاقة الرأي العام بالأيقونة المادية والرمنزية علاقة ثابتة.. تعاطى أرباب الربيع العربي مع المجتمع ومارسوا عليه ديكتاتورية الاختيار الوحيد في نوع من التعاقد الخفي: أمنحك ثورة وتمنحني مجالا جيوسياسيا للهيمنة..مثل الأطفال الذين حجبت الحلوى عن أنظارهم هول الخراب الجيوستراتيجي القادم..حرّك الربيع العربي في النفوس صور القهر الطّفالي وثباتيته..أقول هذا وأنا أنظر قبل ساعات في وجه مراهق من قادة ما يعرف بالربيع..أعرف حكايته بالتفصيل..ودائما نجدنا أمام مشكلة نفسية مزمنة..يكتب أحد الأصدقاء عن الربيع ويقدم أبطاله ويفرد لهذا الصبي المشرد صفحات يرقى به إلى رمزية تشي غيفارا..كان المراهق يجهل كل شيء عن تفاصيل الثورات وكل شيء عن الحقيقة والقيم..فالمؤرخ كان عابر سبيل..وقائد الحراك مشرد ينطوي على مخزون من رغبات طفولة معذّبة..سيتيح الربيع خرقا للأبوية المتمركزة..أطفال يقودون حراكا..بينما ليس أمام الكبار سوى الفرجة وأمام المثقف أن يلوذ بكوخه أو يهيم في الإدمان..فالمشهد أصبح مفتوحا فقط للأطفال وبعض الكومبارس من صناع القول الثقافي الذين سيعاد إخراج ملامحهم من داخل ستوديوهات إعلامية أنجزت لتكون خيمياء الربيع العربي لتحويل الرداءة إلى كبرياء ضمن استراتيجيا ما أصبح يعرف ببناء القادة..لأوّل مرّة في تاريخ الثورات يأخذ المبادرة أطفال صدّقوا أنّهم سيكونون البديل عن النظم السياسية السائدة..يحتاج الأطفال إلى إحساس بالتمكين والحماية..وهذه وفّرتها جهات خارجية باتت مهنتها هي إحداث ضجة عالمية ضد المسّ بأي شخص من شخوص الربيع العربي المدلّل..سيكولوجيا الرأي العام هي عاطفية أكثر منها عقلانية..ومن هنا بأدواتها في الإقناع هي أيديولوجيا محض..فالمقاربة الإبستيمولوجيا للربيع العربي تجعلك أمام ذلك الهول المكثف من طرائق السفسطة..يكفي ان تسمع في الخطاب اليومي للثورة أجوبة عن أسئلة مفترضة لتأخذ فكرة عن هشاشة الخطاب.. في جملة الأسئلة التي كنت أطرحها على شباب الربيع من المحيط إلى الشّام...لأنّ الربيع محرم عليه أن يصل إلى الخليج..فلا مجال للربيع هناك ولو برسم اللّعب..وهاك أمثلة:
س ـ إنّ العلاقة التي تربط بين ممثلي هذا الحراك وقادة وعملاء من الناتو تثير الاستفهام، على الأقل لا بدّ من الحذر..
ج 1 ـ لا يهمّ، هذه نظرية المؤامرة..
ج 2 ـ هناك التقاء مصالح ليس أكثر
ج3 ـ هؤلاء يريدون التغيير
ج 4 ـ هؤلاء أصدقاؤنا أرادوا التكفير عن ضمائرهم
ج5 ـ هذه النظم هي عميلة للناتو أصلا ونحن أولى ان نتعامل مع حلفائها
س ـ ألا يؤثّر هذا الحراك بهذه الطرق والوسائل والتحالفات إلى إرباك جبهة الممانعة في مواجهتها مع إسرائيل؟
ج1 ـ هذه النظم الممانعة لها علاقات مع إسرائيل أصلا
ج2 ـ لم تطلق رصاصة واحدة في الجولان ولا هناك مواجهة
ج3 ـ نحن من سينجز الحل لما نقضي على هذه النظم
ج 4 ـ لا فرق بين هذه النظم
ج5 ـ هناك استغلال للصراع للامتناع عن تحقيق الديمقراطية
أسئلة كثيرة، وأجوبة من النمط التبريري الذي يستند إلى تقنيات الحجاج في الإقناع..عند التفاصيل قد لا تكون مقنعا لإيديولوجي ربيعي..فهو مصمم أن لا يقبل ببديل آخر..وأما عملية التبرير فهي مجرد عملية زائدة..والإفحام لا يعني شيئا..حجة التعميم ، والسلطة، ورجل القشّ، وعشرات المفارقات المتعارف عليها في الحجاج العقيم شكلت أساسا لخطاب الربيع العربي..درس دوبرييه الدين من منطلق آخر..كانت الخلفية الماركسية حاضرة لإعادة قراءة الدين أفيون الشعوب..أبرز الكثير من التحليل الذي أظهر دهشته من انّ هذا الدّين لم يعد مخدّرا ومسكّنا للناس تجاه الأوضاع..الدين الذي كان دائما في نظر ماركس ضد تعجيل ثورة الجياع..اليوم الدين في نظر دوبريه يصنع اندفاعا ودينامية وروحية عالية جدّا..لكن ثمة ما وجب التأنّي فيه..عندما نقرأ الأمور في نظر لاهوت التحليل نفهم ما هو سبب هذه المقاربة الجديدة..والحقيقة أن فعل التخدير لا يكون دائما مسكّنا بل يكون أيضا مهيّجا..والمشرف على الربيع كان يدرك بأنّه أمام حالة من لاهوت التحرير تتشكّل على أرضية وعي الممانعة..فكان لا بدّ أن يحرّك بدائل من داخل المجال نفسه..لاهوت الرجعية والثأر..لاهوت التدمير الذّاتي التي تذكيها غريزة الموت(Death instinct) بالمنظور الفرويدي..لاهوت الذبح والحور العين حيث مفارقة منتهى اللذة التي تفتح المجال أمام الخراب..
هناك استهتار بالتاريخ والمستقبل وكل شيء له صفة التأسيس..لا يهتم الربيع العربي بمنطق النخبة ونظرية العلم ولا حتّى المناظرة العلمية..هناك رأي عام عاطفي وهناك حالمون وهناك مشرف خبير بالتحليل النفسي المعرفي والاجتماعي، يعدّ ما يرغب فيه الجمهور، يهيمن على وسائل التهييج الميديولوجيا وغواية الصورة التي تلهم الخيال الطفولي لثورة تشبه لحظة عبثية من التاريخ..يتساءل كثيرون: هل هذا يعني أنّكم لا تعترفون بالثورة؟ والجواب: إنّ ما جرى هو تدابير جيوستراتيجية للاستثمار حتى في الثورات..أي أنّ اللاعب الدّولي لم يعد يخشى من الثورة بل هو يستبقها ويصطنع بدائل ثورية غير تاريخية يستند فيها على بنيانية الاحتقان وليس تاريخانية الثورة وذلك للحؤول دون تحقيق الثورة الكبرى..فمنطق نظرية الألعاب يبلغ أوجه عند مفهوم الميني ـ ماكس في الربح والماكسي ـ مين في الخسارة..ومن لا يملك ناصية نظرية الألعاب فهو خاسر برسم الثورة أو عدمها..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/04



كتابة تعليق لموضوع : الربيع العربي مآمرة ضدّ الثورة الكبرى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net