صفحة الكاتب : ادريس هاني

مهام الفيلسوف
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لا تفرض الفلسفة على العالم أن يختار بين السلم والحرب..فللسلم فلسفته وللحرب فلسفتها..كما للسلم فلاسفته وللحرب فلاسفتها..وسيكون غير مجدي أن نحمّل الفلسفة أيّا من الخيارين..فالفلسفة في نهاية المطاف كالعقل هي لما جعلت له..بل إنّ الفلسفات التي تنشأ على هامش الحرب هي التي تعطينا فكرة عن السرّ المرعب لوجودنا، بعيدا عن المقاربة السياسية التي تتعاطى مورفولوجيا مع نتوءات الواقع والأحداث..لازال العالم بإمكانه أن يحيا أكثر طالما هو ليس متروكا للسياسيين فقط..فحين يسقط الجميع يتساءل الفيلسوف ويسعى من خلال الأطلال أنّ يحبك تساؤلات جديدة لحياة مختلفة. عادة ما يصنع الفيلسوف تاريخ الوجود الجماعي فيما يرسم السياسي نهايته المأساوية..وفي زمن الضحالة في المعقول والجنون تعاني الفلسفة أكثر من غيرها..فحينما يغيب الإبداع يحلّ الحشو..بينما الحشو والفلسفة لا يلتقيان...لأنّ الفلسفة إبداع كلّها..لأنّها تساؤل كلّها..لأنّها خلافا لكل الصنعات هي الصنعة الوحيدة التي تقوم على نسيان المتون والرسوم والتعاليم ولا تتحقق ملكة التفلسف إلاّ بعد أن تدخل دورة التنسيق والإبداع..إنّ الفلسفة في زمن عالمي ركن منذ سنين إلى ثقافة الحشو ولغونة التفكير الفلسفي واختزال الإبداع في لعبة التراجيح وتحريف الأنساق،أصبحت صناعة المستضعفين في الأرض أمام هذا الاستكبار الحشوي العالمي. الفيلسوف غير آبه بمعتقداتك إلاّ في حدود ما له صلة بالمعرفة واستحقاقاتها النقدية. لم يعد اليوم الخطر على إقصاء الفلسفة والتشويش على مهام الفيلسوف بل نحن نعيش اليوم عصر التدليس وعصر تبديل جوهر الفكر الفلسفي وجوهر الوظيفة الفلسفية في عالم بات يعتبر إقصاء السؤال شكلا من الفلسفة أو تخريب جودة وجمالية النسق ضربا من المهام الفلسفية الأثيرة. إصلاح العلم والدين والمجتمع يجب أن لا ينسينا مهمة أخرى ألا وهي إصلاح الفلسفة. وإصلاح الفلسفة ليس بترويض أسئلتها وممارسة بعضا من القمع حيال مغامراتها التي تنزاح أحيانا من المعقول إلى الجنون بحثا عن إمكانيات معقول جديد ثاوي أو عالق في ثنايا اللاّمعقول..إن إصلاح الفلسفة يقتضي تدريب العقل على عدم الإقامة وعدم الاستئناس بالرتابة والسفر في منعرجات الوجود وهمومه..إنّه وخز مستمر للمعقول من خلال غواية الجنون..والظاهر أنّ إصلاح الفلسفة هو بإعادة قراءة تاريخها خارج جينيالوجيتها التقليدية التي تمنح الزمان سلطة على المعنى..للجنون الذي يقبع خلف جودة القول الفلسفي حكاية أخرى مع الزمان تجعل الفلسفة حدثا غير تاريخاني مهما حاول مؤرّخ الفلسفة أن يروي فصول قصّتها..إنّ العقل قد تورّم في لحظات فلسفية قصوى في أقدم العصور بما يفوق ما عليه تراجع جرأة العقل في مغامراته خارج المعقول..توجد الفلسفة اليوم كما كانت دائما في كلّ تجليات الوجود..ولكننا نعمل على استبعادها عبر قمع التساؤل إزاء البداهات السوسيومعرفية..سيكون من مهازل الزمان الفلسفي هو تخريب مهام الفلسفة الإبداعية عبر احتوائها في أراجيز وشروح..دخلت الفلسفة الكتب وقيدت وهيمن عليها النحو والصرف وأصول الصناعات غير الفلسفية..بدا ممكنا اليوم للنجاة من هذا الأسر أن نمارس الفلسفة في صمت وخارج خداع اللغة..وأمام هذا الهياج "الفلسفوي" الذي أتخم به العقل العربي نفسه حتى أنتج هشاشات فلسفية وحوّل هذا الفن إلى أشبه ما يكون بعلم الكلام، وهو شكل من الارتداد والتعسف المنهجي والقمعي لجرأة العقل وشجاعته..حيث شجاعة العقل تعرف من خلال قدرته على معانقة جنونه في ذهاب وإياب هو وحده الذي يفسّر قصّة الإبداع..إن مهام الفيلسوف تكمن في نظري في تجديد قلق العالم..أي الخروج من الرتابة والملل وبسط فسحة العقل ليمارس الوجود برقي مستدام..إنّه طبيب العقول الذي يدبّر الصحة العقلية إزاء تحدي الرتابة..ليست مهمة الفيلسوف غير أن يخرجك من الملل..وسواء أكان هذا الخروج سفلي أم علوي، فإنّ عدو الفلسفة هو الرتابة في الوجود وفي التفكير..لا نريد للفلسفة أن تخرج العالم من قلقه الذي به نحيا وسيستمر معنا لأنّه شرط في الوجود، بل نريدها أن تدخله في خبرة جديدة من قلق الوجود الذي يمنح إمكانيات أخرى للهروب في الوجود من الوجود بالوجود للوجود..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/18



كتابة تعليق لموضوع : مهام الفيلسوف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net