احزاب سياسية من دون قيم اجتماعية
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إذا لم نخرج القيمة من ذواتنا ونمنحها التعالي المطلوب فلن نتساوى تحتها..وتصبح القيمة هي قيمة الغالب..قيمة الذّوات الغالبة المفروضة بالقهر السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي...فساد السياسة هو فساد في علاقة المجتمع بالقيم..وحينما تفسد السياسة تصبح غدرا وعدوانا..وتتحوّل الأحزاب السياسية إلى منظّمات مفيوزية تهدف السيطرة على مقدّرات المجتمع وتقيم شكلا من التواطؤ مع القوى الأخرى لرهن المجتمع لمصير الاستعباد السياسي..هنا يتعيّن أن يكون للمثقّف دورا حقيقيّا في تفكيك هذه الحقيقة..أو إن اقتضى الأمر المناورة لاختراق البنية الفاسدة للأحزاب من أجل رجّها رجّا أو خلق المفارقة التي تعيد طرح السؤال حول جدوى السياسة في بيئة متوحّشة تكفر بالإنسان ولا تعترف بالآخر وتقيم تطبيعا عجيبا مع الظّلامية والتكفير الخشن والناعم معا..أمّا المنظور التاريخي للاجتماع السياسي اليوم فهو يؤكّد على حتمية انفجار المنظومات السياسية العاجزة عن الانفتاح..لأنّ ما يسم المستقبل هو الانفتاح..والمجتمع المفتوح هو في حدّ ذاته ضمانة حتمية لاستقرار المجتمعات..فالوطني الحقيقي لا يمكن أن يكون عبدا..الوطنية هي الحرّية..والكائن غير الحر لا يمكن أن يكون وطنيّا..فالوطنية حقوق وواجبات..ومن هنا ليس الوطنية هي تكريس التملق والانتهازية، بل الوطنية هي قناعة وإقناع..التّملّق للسلطات صناعة أتقنها الانتهازيون عبر التاريخ..وهم أوّل من يبيع الأوطان عند أوّل امتحان..والذي يؤخّر تطوّر المجتمعات هو تملّق الفئات الانتهازية التي تسعى لأن تعطي انطباعا بأنّ الانتهازية والتملق هما الوطنية..كلّ هذا يكشف عن تراجع في منظومة القيم الوطنية..بل كلّ هذا يكشف بأنّ خللا ما لا زال يحول دون إنماء المجتمع ودون تنمية في الثقافة السياسة التي تضبط العلاقة بين المجتمع والسلطة..وهذا الخلل اليوم واضح الملامح داخل الطبقة السياسية والمجتمع..والأحزاب السياسية هي المعنية بتنمية الحياة السياسية عبر أدوارها التنظيمية للمجتمع..ولكن واقعها اليوم يكشف عن أنها باتت تكرر نفسها وتنظر إلى المجتمع كقطيع انتخابي وتجدد علاقتها به في مواسم الانتخابات وتكرس فيه حالة الانتهازية وتذكي فيه الرغبة في تجاوز القيم الجماعية التي من دونها لا يقوم الاجتماع..طغيان السياسوية الذي يبدو مسؤولا عن انهيار القيم..حتى أنذ البعض يعتقد أن السياسة يجب أن لا تكون أخلاقية..وهم يخلطون بين الفهم السياسي والذكاء وبين المكر والغدر..إذ كيف تتعزز الثقة بين السياسة والمجتمع إذا أجمعنا على أن السياسة نقيض للقيم؟ وكيف تتعزز الثقة بالساسة وأهل التدبير ولا بإمكانية تحقق العدالة وهي قيمة القيم السياسية إذا سلّمنا لهذه الثقافة المافيوزية أن تقنعنا بأنّ السياسة لا علاقة لها بالأخلاق؟ إنّ هؤلاء من حيث دروا أو لا يدرون يؤسسون لخراب العمران..إنّ قيمة السياسة في القيم التي تؤطّرها وتحدّ من شططها وتراقب نجاعتها وتمنحها المصداقية والمشروعية..يفترض في المدينة الفاضلة الممكنة التي نحلم بها أنّ من يحمل تصوّرا عن السياسة بعيدا عن القيم يسلب منه حق التّرشّح، هذا هو الحدّ الأدنى من الميثاق الأخلاقي للانتخابات..تتهافت الأحزاب اليوم على القطيع الانتخابي لكنها لم تدرّب كوادرها على قيم التضحية والوفاء للأمة والمجتمع..حتى بتنا كلّما رأينا سياسيا إلاّ وحدسنا فيه حالة من المافيوزية الظاهرة أو الخفية..لقد باتت القيمة المضافة للأحزاب السياسية هي غياب القيمة من الحياة السياسية..صناعة الخداع السياسي هو الأسلوب الوحيد الذي يتقنه سادة الأحزاب التي تستثمر في التهميش والفقر والجهل ..قريبا ستصبح السياسة منكرا إن هي لم تفكّ تعاقدها مع شيطان الانتهازية..وهذا على كلّ حال أمر ممكن حين تتوفّر الإرادة العامة لتخليق السياسة..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat