صفحة الكاتب : ادريس هاني

جنون العقل
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وللعقل تقلّبات والتفافات وانكسارات..ولحظة انعتاق العقل من معقولاته هي لحظة جنون بامتياز..يتحرر العقل من أنساقه بانتهاك مقولاته وتحقيق الفوضى الخلاّقة لمنح فرصة للعقل حينما يستنفذ النّسق كل أغراضه..العقل شديد المكر والمخاتلة..يفتعل الأسئلة المغشوشة ويبلغ أحيانا أهدافه بطرق براغماتية، حيث تبدو الغاية لديه تبرّر الوسيلة..ينزل العقل إلى أسفل سافلين متنكّرا لتعاليه ويصعد في السماء ليبلغ أقصى التجريد..يتحرك العقل في كل الإتجاهات ويتنكّر وراء سائر المقولات..تهيمن الأنساق على الفهم البشري وتبلغ به حافة الجمود..يضع العقل أنساقا ليساعد بها نفسه وليتمكّن من المرور السّلس، لكن ما أن تتحول هذه الأخيرة إلى عائق يربك حركته حتى يبدأ العقل في التّمرد.. إنّ عملية التمرد هذه تأتي على مراحل عديدة..يبدأ العقل في فضح أنساقه تلك والتنكر لها ولكن هذه العملية تتطلب تحسيسا بالتّأزم..إنّ أزمة العقل هي حيلة العقل نفس ووسيلته الأولى في نزع الشرعية عن أنساقه المستنفذة..ثم تبدأ القناعة تنمو بأهمية تفكيك أنساق العقل بل ونقد العقل الذي يشرف عليها العقل نفسه في نوع من الدمقرطة التي يمارسها العقل مع موضوعاته..يشكك العقل في ذاته ليلتفّ على أنساقه التي سبق ومنحها رسوخا بالغ الأثر في الوجدان..كلّ هذا يحصل بالعقل الذي يخلق الأطروحة ونقيضها..وفي زحمة البدائل التي تسفر عن عملية نقد العقل لنفسه وأنساقه تنبثق أنساق جديدة أكثر جدوى وفعالية مما يكسبها مشروعية جديدة على أنقاض الأنساق السابقة..مثل إنسان سويّ يريد أن يخرج من مأزق معين بافتعال الجنون ليقي نفسه من المتابعة والعقوبة..ترى، من يعاقب العقل على ارتداداته تلك؟ والحق أنّ العقل يقدم قناعاته بطريقة الإقناع الراسخ واليقين المطلق، لأنّه لو عرض أطاريحه بلغة النسبية والريبية لاختلّ ميزان المعقول.. يحتاج العقل أن يبهر العالم بيقينياته بما فيها تلك التي يتوصّل إليها بطرق غير مكتملة..المعقولات تتطوّر والعقل أيضا يتطوّر..إن العقل يستكمل فعاليته من خلال موضوعاته وتجاربه والنوازل التي يواجهها العقل..وفي كل جيل هناك منسوب من المعقول ومستوى من مستويات فعالية العقل..لكن هذا لا يعني أنّ الحداثة تفقد الكثير من قوة العقل نظرا لعدم الإلتفات..ففي كل عصر إذا تمّ الاستغناء عن العقل في بعد من الأبعاد عاد اللاّمعقول وملأ الفراغ..يؤجّل العقل النظر في أبعاد كثيرة نظرا لهيمنة أنساقه واستجابته الذرائعية لهذه الهيمنة التي تحجب الكثير فعاليات العقل وتطلق فعاليات أخرى..عصر العقل المطلق ليس واردا..ففي كل عصر تتضخم العقلانية في مجال دون آخر..وما طغى على عصرنا هو تضخم العقل في مجالات محدّدة غلب عليها البعد التقني في كل شيء حتى في مجال العلوم الاجتماعية..دخول التقنية طرفا في العلوم الاجتماعية منحها الكثير من الانطلاق، اذ لولا هذه التقنية لعانت العلوم الاجتماعية من الجمود أمام الابتكارات التقنية في العلوم البحتة..تقدم تقني يخفي البطؤ العقلي في اكتساح هذا المجال الذي لا يزال على الأقل في بيئتنا العربية يعاني الأزمة..أي أنّ الشعور بأزمة العقل العربي هو بداية تسبق عصر جنون لم نبلغه بعد، لأنّ عصر الجنون هو بداية لفوضانا الخلاّقة التي تعيد إنتاج النسق المناسب في الوقت المناسب..إنها دعوة لعصر جنون عربي بامتياز..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/02/13



كتابة تعليق لموضوع : جنون العقل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net