سِرُّ الأزْمَةِ والحَلّ الآنِيِّ
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد ثبُتت صحّة القاعدة العقليّة السليمة في كلّ دول العالم والتي تقول بأَنّ نجاح او فشل الدّولة يتوقّف بالدّرجة الاولى والأساس على الأغلبيّة فاذا كانت ناجِحة نجحَت الدّولة والعكس هو الصّحيح فاذا كانت الأكثريّة فاشلة فستفشل الدّولة لا محالة.
وتختلف الأكثريّة والأقليّة من بلدٍ لآخر، ففي العراق، ولأسباب تاريخيّة قديمة، فانّ الأغلبيّة والأقليّة تستند الى المذهب حصراً وقليلاً من الاثنيّة، خاصَّةً منذ التغيير وسقوط نظام الطّاغية الذّليل صدّام حسين، بسبب تراجع الحسّ الوطني وتغوُّل الانتماءات الضيّقة كنتيجةٍ طبيعيّةٍ للسّياسات الطّائفيّة والعنصريّة للنّظام البائد وتسيّد تجّار التمذهُب بكلّ اشكالهِ المشهد السّياسي.
تأسيساً على هذه القاعدة فإنّنا لا نُجانب الصّواب اذا قُلنا انّ نجاح او فشل العراق كدولةٍ اليوم يعتمد بالأساس على نجاح او فشل الأكثريّة، واقصد بذلك الكتلة الاكبر تحت قبّة البرلمان الا وهي كتلة [التّحالف الوطني].
وللاسف الشّديد فانّها فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق ما يلي، ولذلك تحوّلت الى كتلة ممزّقة تارةً ومشلولة تارةً أُخرى.
انّها فشلت فيما يلي:
أولاً؛ في الاتّفاق على رؤية عصريّة وحضاريّة لبناء الدّولة.
هي نجحت في بناء دولة الكانتونات او دولة الاحزاب والطّوائف والأُسر والعشائر، دولة الفوضى والسّلاح المنفلت والرّايات المتعدّدة والعناوين المختلفة و (العجول السّمينة) الا انّها فشلت في بناء دولة، او على الأقل في إرساء دعائمها وأُسُسُها المتينة.
ثانياً؛ في تحويل [التّحالف] الى مؤسّسة قياديّة تُدير نفسها وتنظّم حالها وتقود مكوّنها.
تراقب وتحاسب وتعاقب وتغيّر وتبدّل وترشّد وتنمو وتتطوَّر وتتّسع بشكلٍ ذاتيٍّ بعيداً عن التدخّلات الإقليميّة والدّوليّة!.
ثالثاً؛ في حلّ خلافاتها الدّاخلية وعلى مختلف الاصعدة فمشكلةٌ قبل (١٣) عاماً هي نفسها اليوم بعد مرور كل هذه الأعوام، بل انّهُ ورِث مشاكل مُستعصية عمرها عقود مديدة من الزّمن، والسّبب في ذلك هو انّ زعماءها لم يتّفقوا على شَيْءٍ مثل اتّفاقهِم في كلّ مرّةٍ على ترحيل المشاكل العويصة بانتظار المعجزة او الفرج على يدِ الغيب!..
لهذا السّبب فانّ قاعدة التّحالف على مستوى التّفاهمات والاتّفاقات هي قاعدة بائسة جداً وهشّة تتفتّت بمجرّد ان تصطدم بأبسطِ مشكلةٍ او أزمةٍ او عندما تواجه أتفه التحدّيات.
رابعاً؛ في إيجاد صيغةٍ عَقلانيّةٍ مقبولةٍ من قبل جميع مكوّناتها لتثبيت مبدأ التّداول السّلمي للسّلطة بسهولةٍ وسلاسةٍ، ولذلك تحوّلت السّلطة بالنّسبة لهم الى عقدةٍ ليس في العلاقة مع الآخرين وانّما فيما بينهم، ولهذا السّبب نرى مثلاً انّ كل أطراف التّحالف تقريباً مستاؤون، سِرّاً او علنا، من إحتفاظ حزب الدعوة الاسلامية برئاسة الحكومة طوال الفترة المنصرمة، ولكن لا احد قدّم لحدّ الان مشروع منطقي وواقعي لتحقيق مبدأ تداول السّلطة.
وانّ فشل التّحالف الوطني لم يقتصر على السّلطة المركزيّة في بغداد، تحت قبّة البرلمان وفي مجلس الوزراء وبقيّة مؤسّسات الدّولة، وانّما يبدو ذلك واضحاً كذلك في كلّ المحافظات الـ (١١) التي يقول التّحالف بانّهُ يمثّلها والتي تُديرها مكوّناتهِ بشكلٍ مباشرٍ من دونِ تنافسٍ او تحدٍّ من أحدٍ خارج منظومتهِ.
للاسف الشّديد فانّ (مُحافظات) التّحالف الـ (١١) تعيش بشكلٍ مُزرٍ وبائس وعلى مختلف الاصعدة، في مؤشّرٍ على الفشل الذّريع!.
ولعلّ من ابرز مظاهر فشل التّحالف الوطني هو انّهُ من اكثر الكُتل السّياسية والبرلمانيّة التي تعقد اجتماعاتها وجلَساتها وبشكلٍ مستمرٍّ وبلا إِنقطاع، الا انّهُ من أقلِّها نتاجاً عقلانّياً وواقعيّا.
تلمس ذلك من الّلغة الانشائيّة المُستنسخة والمكرّرة التي نُطالعها في كلّ بياناتهِ التي تصدر عنه عادةً بعد كلّ اجتماع.
كما انّ زعماءه يُكثرون اللّقاءات والاجتماعات سواء فيما بينهم بشكلٍ جماعيٍّ او ثُنائي او مع الاخرين، ولكنك تراهُم يتشبّثون بخطابهِم وفوضويّون في خُططهِم!.
ومع كلّ هذا نسمعهم يقولون في اثناءِ كلّ أزمةٍ انّهم فوجئوا! لماذا؟ لانّهم مشغولون بأنفسهِم وامتيازاتهم وباستنساخِ ذواتهم عندما يجتمعون وفي أفضل الحالات فانّهم مشغولون باحتساءِ الشّاي والقهوة!.
انّ العراق الآن في أزمةٍ لا يمكن ان نتجاوزها الا من خلال الاصغاء الى الشّارع ومطاليبهِ، والتي يُمكن تلخيصها آنياً بانهاء المعتصمين لحركتهم (الصّبيانيّة) والدّعوة فوراً لعقد جلسة مجلس النوّاب لتمرير كابينة (الظّرف المختوم) بفحواها وجوهرها وليس بالضرورة بتفاصيلِها، وكلّنا نعرف فانّ جوهر ومحتوى الكابينة المفترَضة المدعومة بمطالب الشّارع تأسّس على قاعدة تمرير كابينة وزارية غير حزبيّة وغير سياسيّة، فبعد ان ثبُتتبالتّجربة العمليّة والبُرهان القطعي انّ الوزير السّياسي والحزبي لن ينجح في مهمّتهِ مهما أوتي من خبرةٍ وكفاءةٍ وتخصّصٍ وتجربةٍ ومهاراتٍ قياديّةٍ، لانّ الوزير السّياسي والحزبي هو ملك للكتلة او زعيمها او للحزب الذي ينتمي اليه، انّهُ ليس ملكَ العراق، ليس ملكَ مجلس الوزراء الذي يسعى لإدارة مصالح العراقييّن بلا تمييزٍ، انّهُ يظلّ محبوساً بشرنقتهِ الحزبيّة ومكبّلاً بحبال الكتلويّة الضيّقة.
لا تقل لي انّ الوزير في كلّ دول العالم الديمقراطي هو منصبٌ حزبيٌّ او سياسيٌّ، لأنني سأقول لك، وماذا أخذنا من ديمقراطية تلك الدول لنأخذ منها هذه الفكرة؟!.
انّ التّجربة الديمقراطية في العراق استثنائيّة لا يجوز ابداً مقارنتها بالتّجارب الأُخرى.
انّها لا تُقارَن الا مع نفسِها لتستفيد من خبرتها الذّاتية وتجربتها الخاصّة لتطوّر نفسها، امّا الإيمان والسّعي لاستيراد بعضِ تجارب الاخرين والكفر ببعضِها الآخر فانّ ذلك بمثابة عمليّة خداعٍ للذّات وتشويه للتّجربة لا توصلنا الى نتيجةٍ ونظل بسببِها نُراوح في مكانِنا.
امّا من يدّعي من النّواب انّهُ يسعى باعتصاماتٍ مثلاً بناء كتلة عابرة للطّوائف، فهو لا يكذب الا على نَفْسِهِ ولا يخدع الا نَفْسَهُ، فلقد جرّبناهم (١٣) عاماً فثبُت لنا انّهم عاجِزون عن عبور ايِّ شَيْءٍ لا الطّوائف ولا القارّات ولا المحيطات، ولا حتّى نهرٍ صغيرٍ يمرُّ في القرية التي يسكُنون فيها! فالذي فشل في عبورِ مصالحهِ الذّاتية وانانيّاتهِ الضيّقة، وظلّ يدافعُ ويبررُ الفساد والفشل كيف سيعبرُ ما هو أَبعدُ منها منالاً، خاصَّةً الذين يتعامل معهم زعيم الكتلة كراعٍ يَهُشُّ على غنمهِ في حضيرةِ الدَّوَاب او في المرعى؟!.
بقيَ ان أُبدي استغرابي من بعضهم الذين فوجِئوا بعدم إصغاء او تجاوب الشّارع لشعارات ونداءات ومطاليب حركتهم الاحتجاجيّة! كيف أجازوا لأنفسهِم ذلك وهم الذين لم يصغوا لنداءاتِ الشّارع كلّ هذه المدّة المديدةِ من الزّمن؟!.
٢٢ نيسان ٢٠١٦
للتواصل؛
E-mail: nhaidar@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نزار حيدر

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat