هل يحتاج أوردوغان إلى دروس في الديمقراطية من الأسد؟
ادريس هاني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قبل سنوات قلت للمبعوث الأمريكي السابق والمخضرم للشرق الأوسط رتشارد مورفي وفي حضرة بعض الأتراك المقرّبين من أوردوغان: واعلموا أنّ بشار الأسد أكثر ديمقراطية من أوردوغان..كنت أعرف أن حالة من الاستغراب قد تذكيها رزم الأكاذيب المصطنعة ضدّ سوريا..ولكن وجب التأكيد هنا على حقيقة غابت عن ضحايا الدّعاية الأمبريالية المعربة في ستوديوهات بني شيبة العرب..قبل سنوات تبجّح داوود أغلو في لقاءاته مع الأسد الذي كان لا يدافع عن شيئ قدر دفاعه عن السيادة السورية واستقرار البلاد وأمنها..كان أوغلو يقول بأنّ أوردوغان يضغط عليه كثيرا نظرا لما يحصل من عنف في بعض المناطق السورية..كان يحاول أن يسوق صورة أوردوغان الذي كان قلبه على المدنيين..مع أنّ أكبر عنف مورس في الشرق الأوسط ضدّ المدنيين هو ما قام به أوردوغان الذي بلغ به التهكّم حدّا قال بأن القنابل المسيلة للدموع ليست مضرّة للصحة..المجموعات الإرهابية في سوريا التي تدين بولاء كامل لأوردوغان وتعتبره خليفة يمطرون المدن والقرى السورية بالهاون ولم يرفرف قلب أوردوغان العطوف..عدد الصحفيين والضباط والمعارضين في سجون أوردوغان لا يوجد له مثيل في سوريا التي تكافح الإرهاب..الديمقراطية التي تحدث عنها أوردوغان في سوريا يتحايل على انتهاكها يوميا في تركيا..اليوم صاحب صفر مشكلات ومهندس الخارجية في حكومة أوردوغان يجد نفسه أما مشكلات بالجملة حتى أنه بات هو نفسه مشكلة بالنسبة لأوردوغان الذي حاصره وفرض عليه الاستقالة.. من المفترض أن يستمر أوغلو حتى المؤتمر الاستثنائي 20 مايو، ليرحل..لا يختلف أوغلو عن أوردوغان بخصوص قضايا كثيرة مثل القضية السورية ولكن الخلاف سيكون حول السلطة..لقد سعى أوردوغان في الانتخابات السابقة أن يحرز الأغلبية الساحقة التي تمكّنه من تعديل الدستور لكي يمنح لنفسه سلطات أكبر..لقد حاول أن يحدث انقلابا في صميم النظام وذلك بالتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي..وهي الخطوة التي منيت بالفشل حيث كسرت المعارضة بلوغه الأغلبية. لم يستسلم أوردوغان بل ألغى الانتخابات واستأنف انتخابات جديدة مكنته من بلوغ الرئاسة..لقد هيّأ نفسه للخلافة العصملّلية حينما بنى قصرا بادخا في زمن تراجع سوق الشغل وانهيار الاقتصاد التركي..سوف يكتشف أوردوغان عبر عيونه المحيطة برفيقه في رئاسة الوزراء أن هذا الأخير ينازعه سلطانه..بمعنى أن أوردوغان لا يؤمن بالدستور ولا بالسلطات التي يمنحها الدستور لرئيس الوزراء..وسوف يدبر أوردوغان خطة أخرى للانقضاض على الدستور من أجل مزيد من السلطات والتفرد بها..هذا معنى ما قلته سابقا، أن الأسد أكثر ديمقراطية من أوردوغان..ففي الوقت الذي كان الأسد حريصا على تعديل الدستور بل وكما سبق وأخبر الكثير من المسؤولين الذين توافدو عليه في بداية الأزمة بأنه مثّل إرادة المعارضة وليس إرادة الدولة في عملية التعديل الدستوري، حتى أنه لم يكن يمانع في مصير الرئاسة، نجد أوردوغان يعلن حربا على الدستور ويسعى لانتزاع صلاحيات رئيس الوزراء.. لعله من المفارقة أن في مضمون الحوار الطويل الذي جمع أوغلو مع الأسد كان يحاول إلى تغيير النظام الرئاسي السوري..كانت تلك رغبة أوردوغان، بينما هو اليوم يسعى لتغيير النظام البرلماني الى رئاسي في تركيا..
في البداية كانت المعارضة قد أحدثت توازنا أفشل عملية الانقلاب تلك..حزب الشعوب مثلا فاز في 7 حزيران ب 80 مقعد..لكن أوردوغان سيمارس حملة قوية ضد الحزب عبر الاعتقالات والتفجيرات والاتهامات حتى عاد عدد مقاعد الحزب 59..أوردوغان يطالب أغلو بأن لا يقرر شيئا من دون إذنه..وبالتالي سوف يفرض عليه استقالة ثم حسب ما أفادتنا به مصادرنا من تركيا سيبحث له عن رئيس وزراء فاشل وضعيف يمرر من خلاله قراراته. وضدّا في الدستور يسعى أوردوغان لاحتواء سائر السلطة إليه..فهو يضغط على العسكر وعلى القضاء وعلى حكومته وعلى الجميع..أوغلو نفسه لم يعد بإمكانه الاستمرار تحت الحكم المطلق الذي يسعى إليه أوردوغان الذي يحلم بالأمجاد السلطانية العثمانية..ربما هناك قسم من الجماعات التي تؤيّده وتحلم معه..سألت مرّة أحد أقطاب التّصوف المتأثر بالعصمللّية فيما لو كان الغرب يزعجه عودة العثمانية، فقال: لا أعتقد، ربما هم يريدون ذلك أيضا..فأمريكا تفضّل أن تخاطب سلطة واحدة في الشرق الأوسط بدل أن تخاطب قوى مختلفة وكثيرة..يسعى أوردوغان إذن إلى إحداث انقلاب على الدستور بوسائل بالغة في المكر السياسي..حسب مصادرنا من المشهد السياسي التركي هناك تحضيرات لتنفيذ الخطة الثانية القاضية باستكمال عملية اجتثات المعارضة وذلك عبر رفع الحصانة عن الكثير من النواب لا سيما من حزب الشعوب والذهاب لانتخابات جزئية للحصول على الأصوات المطلوبة لتنفيذ حلمه بتعديل الدستور والانتقال إلى الحكم الرئاسي حيث يهدف إلى الهيمنة على بسائر السلطات..أوردوغان يتحسب للمستقبل وللمحاسبة التي تنتظره هو ومجموعته المتورطين في التعاون مع داعش، وهو ما يشكل قلقا لن يفلت منه إلاّ بإحداث تحول داخل تركيا..الاستمرار في هذا المخطط من شأنه أن يؤدي إلى بلورة موقف شعبي قد يعطي شرعية للجيش في أن يطيح بأوردوغان أو أن يصير الأمر في اتجاه انشقاقات قد تضعف حزب العدالة والتنمية وتجعل رحيل أوردوغان تحصيل حاصل.. سعى أوغلو مبعوث أوردوغان الى الأسد لكي يغير النظام من الرئاسي إلى البرلماني في حين سعى بقوة العنف المادي والرمزي لتغيير النظام التركي من البرلماني الى الرئاسي..وطبعا الرئاسي هو نظام ديمقراطي لا إشكال فيه ولا يعني إلغاء السلطات، غير أنّ الرئاسي في المزاج السياسي لأوردوغان تعني الخلافة بتعبير أكثر حداثة..أي في المناخ التناقضي التركي اليوم تعني الانقضاض على السلطة المطلقة.. ترى هل يحتاج أوردوغان إلى دروس من الأسد في كيفية احترام الدستور؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
ادريس هاني

قبل سنوات قلت للمبعوث الأمريكي السابق والمخضرم للشرق الأوسط رتشارد مورفي وفي حضرة بعض الأتراك المقرّبين من أوردوغان: واعلموا أنّ بشار الأسد أكثر ديمقراطية من أوردوغان..كنت أعرف أن حالة من الاستغراب قد تذكيها رزم الأكاذيب المصطنعة ضدّ سوريا..ولكن وجب التأكيد هنا على حقيقة غابت عن ضحايا الدّعاية الأمبريالية المعربة في ستوديوهات بني شيبة العرب..قبل سنوات تبجّح داوود أغلو في لقاءاته مع الأسد الذي كان لا يدافع عن شيئ قدر دفاعه عن السيادة السورية واستقرار البلاد وأمنها..كان أوغلو يقول بأنّ أوردوغان يضغط عليه كثيرا نظرا لما يحصل من عنف في بعض المناطق السورية..كان يحاول أن يسوق صورة أوردوغان الذي كان قلبه على المدنيين..مع أنّ أكبر عنف مورس في الشرق الأوسط ضدّ المدنيين هو ما قام به أوردوغان الذي بلغ به التهكّم حدّا قال بأن القنابل المسيلة للدموع ليست مضرّة للصحة..المجموعات الإرهابية في سوريا التي تدين بولاء كامل لأوردوغان وتعتبره خليفة يمطرون المدن والقرى السورية بالهاون ولم يرفرف قلب أوردوغان العطوف..عدد الصحفيين والضباط والمعارضين في سجون أوردوغان لا يوجد له مثيل في سوريا التي تكافح الإرهاب..الديمقراطية التي تحدث عنها أوردوغان في سوريا يتحايل على انتهاكها يوميا في تركيا..اليوم صاحب صفر مشكلات ومهندس الخارجية في حكومة أوردوغان يجد نفسه أما مشكلات بالجملة حتى أنه بات هو نفسه مشكلة بالنسبة لأوردوغان الذي حاصره وفرض عليه الاستقالة.. من المفترض أن يستمر أوغلو حتى المؤتمر الاستثنائي 20 مايو، ليرحل..لا يختلف أوغلو عن أوردوغان بخصوص قضايا كثيرة مثل القضية السورية ولكن الخلاف سيكون حول السلطة..لقد سعى أوردوغان في الانتخابات السابقة أن يحرز الأغلبية الساحقة التي تمكّنه من تعديل الدستور لكي يمنح لنفسه سلطات أكبر..لقد حاول أن يحدث انقلابا في صميم النظام وذلك بالتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي..وهي الخطوة التي منيت بالفشل حيث كسرت المعارضة بلوغه الأغلبية. لم يستسلم أوردوغان بل ألغى الانتخابات واستأنف انتخابات جديدة مكنته من بلوغ الرئاسة..لقد هيّأ نفسه للخلافة العصملّلية حينما بنى قصرا بادخا في زمن تراجع سوق الشغل وانهيار الاقتصاد التركي..سوف يكتشف أوردوغان عبر عيونه المحيطة برفيقه في رئاسة الوزراء أن هذا الأخير ينازعه سلطانه..بمعنى أن أوردوغان لا يؤمن بالدستور ولا بالسلطات التي يمنحها الدستور لرئيس الوزراء..وسوف يدبر أوردوغان خطة أخرى للانقضاض على الدستور من أجل مزيد من السلطات والتفرد بها..هذا معنى ما قلته سابقا، أن الأسد أكثر ديمقراطية من أوردوغان..ففي الوقت الذي كان الأسد حريصا على تعديل الدستور بل وكما سبق وأخبر الكثير من المسؤولين الذين توافدو عليه في بداية الأزمة بأنه مثّل إرادة المعارضة وليس إرادة الدولة في عملية التعديل الدستوري، حتى أنه لم يكن يمانع في مصير الرئاسة، نجد أوردوغان يعلن حربا على الدستور ويسعى لانتزاع صلاحيات رئيس الوزراء.. لعله من المفارقة أن في مضمون الحوار الطويل الذي جمع أوغلو مع الأسد كان يحاول إلى تغيير النظام الرئاسي السوري..كانت تلك رغبة أوردوغان، بينما هو اليوم يسعى لتغيير النظام البرلماني الى رئاسي في تركيا..
في البداية كانت المعارضة قد أحدثت توازنا أفشل عملية الانقلاب تلك..حزب الشعوب مثلا فاز في 7 حزيران ب 80 مقعد..لكن أوردوغان سيمارس حملة قوية ضد الحزب عبر الاعتقالات والتفجيرات والاتهامات حتى عاد عدد مقاعد الحزب 59..أوردوغان يطالب أغلو بأن لا يقرر شيئا من دون إذنه..وبالتالي سوف يفرض عليه استقالة ثم حسب ما أفادتنا به مصادرنا من تركيا سيبحث له عن رئيس وزراء فاشل وضعيف يمرر من خلاله قراراته. وضدّا في الدستور يسعى أوردوغان لاحتواء سائر السلطة إليه..فهو يضغط على العسكر وعلى القضاء وعلى حكومته وعلى الجميع..أوغلو نفسه لم يعد بإمكانه الاستمرار تحت الحكم المطلق الذي يسعى إليه أوردوغان الذي يحلم بالأمجاد السلطانية العثمانية..ربما هناك قسم من الجماعات التي تؤيّده وتحلم معه..سألت مرّة أحد أقطاب التّصوف المتأثر بالعصمللّية فيما لو كان الغرب يزعجه عودة العثمانية، فقال: لا أعتقد، ربما هم يريدون ذلك أيضا..فأمريكا تفضّل أن تخاطب سلطة واحدة في الشرق الأوسط بدل أن تخاطب قوى مختلفة وكثيرة..يسعى أوردوغان إذن إلى إحداث انقلاب على الدستور بوسائل بالغة في المكر السياسي..حسب مصادرنا من المشهد السياسي التركي هناك تحضيرات لتنفيذ الخطة الثانية القاضية باستكمال عملية اجتثات المعارضة وذلك عبر رفع الحصانة عن الكثير من النواب لا سيما من حزب الشعوب والذهاب لانتخابات جزئية للحصول على الأصوات المطلوبة لتنفيذ حلمه بتعديل الدستور والانتقال إلى الحكم الرئاسي حيث يهدف إلى الهيمنة على بسائر السلطات..أوردوغان يتحسب للمستقبل وللمحاسبة التي تنتظره هو ومجموعته المتورطين في التعاون مع داعش، وهو ما يشكل قلقا لن يفلت منه إلاّ بإحداث تحول داخل تركيا..الاستمرار في هذا المخطط من شأنه أن يؤدي إلى بلورة موقف شعبي قد يعطي شرعية للجيش في أن يطيح بأوردوغان أو أن يصير الأمر في اتجاه انشقاقات قد تضعف حزب العدالة والتنمية وتجعل رحيل أوردوغان تحصيل حاصل.. سعى أوغلو مبعوث أوردوغان الى الأسد لكي يغير النظام من الرئاسي إلى البرلماني في حين سعى بقوة العنف المادي والرمزي لتغيير النظام التركي من البرلماني الى الرئاسي..وطبعا الرئاسي هو نظام ديمقراطي لا إشكال فيه ولا يعني إلغاء السلطات، غير أنّ الرئاسي في المزاج السياسي لأوردوغان تعني الخلافة بتعبير أكثر حداثة..أي في المناخ التناقضي التركي اليوم تعني الانقضاض على السلطة المطلقة.. ترى هل يحتاج أوردوغان إلى دروس من الأسد في كيفية احترام الدستور؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat