صفحة الكاتب : ادريس هاني

هذه فلسفتي 9
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ومن شأن الانفصال عن الكوني والإحساس الواهم بالاستغناء عن الإنسان الكامل أن يحدث أثرا بالغا في بنية الكلام ودلالاته..وذلك ما أسميه بالأثر الأنطولوجي على أفعال الكلام ..إنّ مقتضى الانفصال عن الإنسان الكبير هو انفصال عن السيمونتيك الكوني للإنسان الكامل، مما يعني تحول في اللغة مما يفسّر عجزها الكبير عن نقل محتوى الأشياء بما فيها أشياء العالم الجزئي..إنّ مقتضى النزول هو هنا أنطولوجيّ وكذا لغوي بالتبع..وهذا يفرض أن رحلة العودة نحو الكوني تقتضي ارتقاء في نمط آخر من فعل الكلام..إنّ ما تتيحه أسيقة المعاني والعنايات العرفية أو الأبعاد المتعلقة ببراغماتية اللغة هي لا تتعدى خبرة الجماعة التي تؤسس لقواعد الكلام ومقاصده وتقنيات التخاطب التداولي..على أن مقتضيات السوسيولوجيا والثقافة والتاريخ وبالتالي اللغة المناسبة لأشيائها ليست هي مقتضيات الانتقال الأنطولوجي الذي تتجلّى خبرته في مستوى آخر من الكلمات والأشياء..إن أبرز الظواهر التي نجمت عن الانفصال هو ظهور نمط آخر من اللغة..ذلك لأنّ اللغة بمعناها الكوني هي أقدم من الإنسان من حيث صلتها بالأشياء..في قصة خلق الإنسان نقف على أنّ اللغة في طور النزول كانت أشبه ما تكون بلعنة..فبين تعلم الأسماء وتنزيلها على الأشياء حصل الامتحان الصعب..إنّ إتمام الكلمات كما في التجربة الإبراهيمية نتجت عنه ولاية :(واذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن، قال إني جاعلك للناس إماما).فشرط بلوغ رئاسة الناس هو إتمام اللغة..وبالتالي إكمال الأخلاق التي هي التعبير الآخر عن إتمام اللغة...فالكلمة التامة تقصر اللغة التداولية عن استيعابها إلاّ بإشراقات تشترط رقيّا أنطولوجيا يتحقق معه رقي لغوي..هنا الإشارة تتسع بسعة الحقائق والأشياء..وقد يستغنى فيها عن الألفاظ..وتنمحي وظيفة النحو متى أصبحنا أمام هذا الضرب الجديد من الإنحاء الأنطولوجي حيث الصمت المرادف للإشارة قد يحل محل فعل الكلام ويؤدّي وظيفته بقوة دلالية أعمق من الإشارات التداولية..الابتلاء كما قلنا ليس في الإسماء بل في مرتبة التنزيل..تنزيل الأسماء عبر فسرها وهو أخطر في عملية ترقي الأسماء عبر تأويلها..فالابتلاء ليس في الأسماء بل في تدبير علاقتها بالأشياء من جهة وتدبير علاقتها التواصلية بين المخاطب (بكسر الطاء)والمخاطب(بنصب الطاء).. بين الكلمات والأشياء يكمن الامتحان الصعب..عند النزول أنطولوجيا تنزل اللغة إلى قواعد فعل الكلام ودلالات تناسبه في النشوء والارتقاء مما يجعلنا أمام شكل من المجازات التي بها نحيا(= عنوان كتاب لـ:لاكوف وجونسون )..يعني اللامضمون في مضمون الكلام مع فوضى الانزياح والهروب المغالط في أشكال أمراض اللغة وصولا إلى الأيديولوجيا ومساهمتها في تضخّم بارانويا الوهم في فكر ولغة الإنسان الجزئي المتواجد نشوء وارتقاء بشروط فيزيقيا تجعله سيد مجاله لكنه أبكم وجاهل بمديات الكوني سوى عنادا في تحدّي منظومته عبثا..نزول اللغة وبالتالي فوضى تعددها وهو المفهوم البابلي لتظّي مصير المعنى وانحطاط الكلام، انتهى إلى أزمة تواصلية حتى في شروط التطور التداولي للغة..اللغة حجاب حتى في عالمها..تنشب حروب قاتلة لعلها بفعل شيطان اللغة في انحطاط فعلها ودلالتها وانخرام مضمونها وانعدام بيانها الذي بات معجزة الخلق لا يتقنها إلاّ الأنبياء مادام على القوم شاهدين لتتحول هي الأخرى إلى فوضى تداولية يرتد بها الكائن إذ ما قبل عقده المقدّس..بما أنّ اللغة هي منتج علائق المجتمع وتوافقاته بحيث توفر ما يجعل الكلام يؤدّي أغراضه ووظائفه بمسبقات افتراضية وتداولية تؤسس لها ثقافته اللسانية، فإنها لن تعصم من انحطاط الكائن وغموضه وأزمته التواصلية باعتبارها هي لسان كل مكوناته وأفراده وبالتالي تتيح لكل منهم لغة مشتركة بين العقلاء والحمقى..بين أهل المروءة والمنافقين..وحيث وجب في التوافق مراعاة الأدنى، فإن نسبة الجنون والحمق والنفاق في فعل الكلام والقواعد التداولية سيأخذ النسبة الغالبة مما يعني أنّ فعل إعادة إنتاج البنية الأنطولوجية للوجود الأدنى، هو فعل إنتاج للحمق والنفاق والضحالة..فاللغة هنا هي مأوى الوجود نعم كما نحى هيدغر ولكن أي وجود يا ترى؟ فالمناسبة قاضية هنا بأن يكون لكل مرتبة في الوجود لغتها التي هي مأواها ومنعكس رموزها وأشيائها..فاللغة في الوجود الضحل هي مأوى الضحالة..والتعويل عليها لا يكون مطلقا لأنه ينتج عنها الفوضى..لا بدّ إذن من قطيعة لغوية لتسهيل السفر الأنطولوجي..فالسفر الأنطولوجي شرط للارتقاء باللغة والتعالي بها عن شروطها البابلية وقدر نزولها الأنطولوجي الأوّل..الانفصال عن الكوني إذن هو انفصال عن اللغة الكونية وأشيائها والاقتصار على فعل الكلام في الحيز التداولي للضحالة..ينطبق هذا على سائر أحوال اللغة ونماذجها ومستوياتها..بل حتى اللغة المقدّسة لا تستغني عن المجازات التي واحدة من مبررات بعثة الأنبياء هو حماية التأويل من المغالطة..فالنص المقدّس نفسه تراتبي..خذ لذلك مثال لغة القرآن،لها مستوى ظاهري يعلمه الناس بقدر، ولها مستوى باطني يعلمه الراسخون في العلم تأويلا، ولها مستوى اللوح المحفوظ وهو ليس مثل سائر الكلمات وهو يمثل لغة الكوني..لغة الإنسان الكامل..وبقدر اتصال الكائن بالكوني أو الانسان الكامل يستشعر بمقدار ارتقائه بؤس اللغة وفقرها وعجزها عن إيصال أغراض الكلام وهو ما ينتج عنه سوء الفهم الكبير في الحيز التداولي الضّحل..ومهما حاولت الفلسفة أن تقترب من فقه اللغة فإنها لن تستطيع التخفيف من هذا العطب البنيوي لفعل الكلام والمعاني التداولية، حيث الترقي في التداوليات لا يفعل أكثر من إعادة إنتاج الحيز السوسيو _لساني والثقافي وهو بالتأكيد لا يمكّن اللغة من التّرقي ولا الوجود بالتالي من إعادة إبداع خبرة جديدة في التّرقي مما يعني أنّ التداولية لا تحدث أثرا في الإبداع، حيث لا إبداع من دون رقيّ أنطولوجي أوّلا...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/05/14



كتابة تعليق لموضوع : هذه فلسفتي 9
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net