خارج البوليميك السياسي تكمن حقيقة أخرى..حقيقة على قطيعة مع ظواهر الظّاهرات..يشتغل عليها التاريخ والنفس والاجتماع والفنون..الشجاعة من أجل الابتعاد عن سطح الظواهر..هناك مختبر الحقيقة الأكبر..خارج البوليميك لا توجد الرغبة في استغلال القطيع..ولا تحضر غريزة السيطرة بالخداغ..وهناك فقط وفقط يتعين الإنصات للوجه الآخر للحقيقة..هل يا ترى يوجد الإرهاب خارجنا؟ هل هو الآخر أم شيء ما نتقاسمه في لاوعينا الجمعي؟ فعل تخريج الإرهاب من مأزق التاريخ الجماعي واعتباره الشّر الذي يأتي من هناك..من بعيد..كل هذا يجعل العلاقة مع الإرهاب شكلا من أشكال الإدمان على شيئ ملتبس غير قابل للتعريف..لإن الاقتصاد السياسي للأفكار لا يزال يأبى أن يظهر صورة حضارتنا في المرآة..وربما بات من الضروري أن تسعى القوة العظمى لصناعة الإرهاب برسم هامشيتنا لنعطيها صورة زائفة عن أن الوحش يسكن الهامش وليس المركز..أي غرائبية تلك التي تضعنا أمام المجهول؟..هذا الاندهاش الكبير من الفعل الإرهابي الذي يشدّ أنظارنا..هو رسالة الإرهاب بأنه شيء مدهش..يجعلنا نتأمّل هذا الأقصى الذي يتجسد في الفعل الإرهابي..الأقصى الذي يستبعده المزاج المعتدل الذي يشكل ذروة التحضر وليس نهايته..نتساءل ما سرّ هذه الغرابة في الفعل الإرهابي..بتعبير آخر ما هو الجانب الابتكاري أو الجمالي للفعل الإرهابي؟ يجيبنا بودريار بأن الإرهاب لا يبتكر شيئا..إنه يدفع الأمور ببساطة إلى أقصاها..يستند بورديار على مقولة شعوب المرآت لبورخيس..فعل النفي للشعوب إلى ما وراء المرايا حيث محكوم على الشعوب المهزومة أن تعكس صورة المنتصرين..قبل أن تحطم هذه الأخيرة المرايا لتواجه الأمبراطورية..فخلف هذه الظواهر التي تستنزف تحليلنا ما هو الشيء الحقيقي الذي يحرّك الإرهاب..ما هو الشيء الذي يتم تهريبه؟ هنا مثال جحا في تشبيه بودريار الذي كان يعبر بحمير محملة بأكياس فارغة..وحينما يسأل في نهاية الأمر ماذا عساه أن يهرّب داخل هذه الأكياس في دأبه اليومي..قال بأنه يهرّب الحمير..إنّ السياسة مهما لاحقت ظواهر الإرهاب فإنها ستجد نفسها في لحظة من اللّحظات متواطئة مع حقيقة أخرى..ماذا يا ترى يتم تهريبه داخل الأكياس المفرغة؟..لا شيء..لأنّ السياسة معنية بمعرفة ما في الأكياس..لكن دور المثقف أن يرصد حركة الحمير التي تتسرب في خداع مستمر.. ما الذي يهرّب بالفعل، هل الأمر يتعلّق بصناعة الموت إلى أقصى اللاّمعنى أم أنّ رهانات جيوستراتيجيا كبرى تهرّب، ولا ترصدها الشعوب التي انتشرت فيها الديانة الطوطمية من جديد..ديانة عبادة عجل _ الميديا..الخبر النازل فوق الرؤوس كعلم لدني..حكاية الكولا التي تحولت في ذهن البدائي إلى آلهة تسقط فوق الرؤوس.. ديانة عبادة الخبر المرصّع بقرون تشبه البقر..يحضر جحا العربي في كلّ مثال..حتى في تعيين مفهوم الإرهاب وجوهره..تحيين حكمة جحا قد تجعلنا نتساءل فيما لو كان جحا إرهابيا..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat