صفحة الكاتب : ادريس هاني

في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حتى الآن لا خبر موثّق عن مصير الإمام موسى الصّدر داخل ليبيا..لا أحد يملك شيئا..حتى السنوسي وقد ألقي عليه القبض لدى بعض الميليشيات يومها لا يملك جديدا..كان السنوسي في قبضة جماعة بلحاج وهم يدركون أن في جعبته أو في الوثائق التي وضعوا عليها اليد ما يشير من قريب أو بعيد إلى هذا الملف..هناك صمت مطبق..لا استبعد أن تكون تلك الوثائق إن وجدت بيعت ضمن ما بيع من وثائق من جهة ما في ليبيا إلى قطر يومها بمبالغ خيالية..هذا مع أن هذا الملف أستبعد أن يكون موثّقا..هي حكاية أخرى.لدي قناعة ومعطيات تؤكّد أنه لو كان (ممكنا) كل هذا لتمّ تسليمه..ولكن..ولكن..ما يهمّ هنا هو أنّه لماذا تمّ "عزل" السيد موسى الصدر..أسميه عزل لأنها الكلمة المفتوحة..وتغيبه بطريقة ما هو نوع من العزل، لأنّ السيد موسى الصدر كان يومها الشخصية التي تمتعت بنبوغ فكري وسياسي يصعب وجوده لدى نظرائه..فوق كل هذا ثمة كاريزما كانت قادرة ان تنسف كلّ المخططات التي استهدفت لبنان وأضعفته..لقد راح ضحية شروط جيوسياسية خطيرة، بسبب وطنيته وقدرته على التأثير والتخطيط والعمل..لا بدّ من الحديث عن أنه ضحية معادلة أكبر من قضية حسابات شخصية مع بلد واحد وشخص واحد..تغييب السيد موسى الصّدر هو الملخّص التاريخي عن العدوان على لبنان..تاريخ تغييب الدّولة والوحدة الوطنية وقوة لبنان...حينما يكفوا عن تغييب لبنان وتغييب الدولة اللبنانية وتغييب قوة لبنان...ستكشف حقائق أخرى عن تغييب السيد موسى الصدر الأب الروحي لأفواج المقاومة اللبنانية.. ستكشف جوانب لكن ليس كلّها..ليست أسرار تغييبه داخل لبنان بأقل من أسرار تغييبه خارج لبنان..لغز تغييبه لا يمسكه إلاّ الرحمن ككل أشكال التغييب المحاط بالأسرار..بقدر استحالة المعرفة تدرك أهمية الشخص ودوره التاريخي غير المكتمل..وربما ستدرك سرّ انبعاث المقاومة التي خرجت من جبّته وتقدّم مثالا محاطا بالأسرار..سعيت من خلال مساءلتي لكثير من المقربين من القذافي لكي أعرف شيئا عن الموضوع ولكن تبيّن أنّ هناك عدم معرفة بالموضوع إلى حدّ جعل موقف الكثير منهم محاطا بازدواجية الهارب: في البداية حديث عن أنّ ثمة مؤامرة تمت بعد مغادرته التراب الليبي، وإذا ازداد الضغط تسمع تلويحات عجيبة تتم عادة بأثر رجعي عن أنّ الأمر يتعلق بعلاقته مع المشروع الأمريكي..اليوم طالعتنا تفسيرات تافهة أخرى..وعليه، كنت أقول لبعضهم، إنّ السيد موسى الصدر قام بأمور تتناقض مع المشروع الإمبريالي: لقد ناهض النزعات الطبقية في المجتمع اللبناني وأطلق موجة حقوق المستضعفين ، ثم هو من أطلق شرارة المقاومة ضد المشروع الصهيوني..فأين تذهبون؟..آخر نقاش جمعني مع صديق لا زلت حائرا كيف يفكّر، كان يعتبر أنّ موقف المقاومة وإيران بالغ الخطأ لأنهم فكروا بطريقة شخصية وسطحية..كان هذا كلاما كبيرا من عبد الصمد بلكبير وهو يجادلني حدّ أنّي قرفت بعض الشّيء، وكان لا بدّ من أقول هذا الكلام..وقلت له: إنّ أهل السيد موسى الصدر وبيئته أعرف الناس به وهو يتحرك وسط الناس ووسط مجموعات..ثم إنه ليس في حاجة إلى الغرب..ثم إنّ المقاومة هي امتداد لخطابه ومشروعه..ازدادت مفارقات صديقي وقال لي: هناك أكيد خطأ ارتكبه أدى إلى هذا؟ قلت له: ما هو هذا الخطأ؟ قال: لا بد من خطأ..قلت أنا أسألك: ما هو هذا الخطأ؟ لا جواب ولكن عناد أجرب..قال منتفضا وفاضت خلفية الموقف: وهل هو معصوم؟ قلت: اسمع: أنا دقيق في سؤالي، أنا أسألك عن الخطأ الواقعي في هذه النازلة ولا أسألك عن الخطأ الممكن..لا أحد قال إنه معصوم حتى تقفز إلى هذا الحكم..قال: النبي مو معصوم؟ قلت: مبلى..معصوم ونص..قال: موووووو معقووووول؟ قلت: غير المعقول أن أتبع نبيّا خطّاء مثلي ومثلك...قال: هل هو إله؟ قلت: والله عجيب قفزنا للألوهية، شو دخل عصمة النبي بالألوهية..العصمة ليست شأنا للإله، بل هو ضامنها: (والله يعصمك من الناس)...دخلنا في نقاش كلامي..قلت: أنت ترى العصمة غريبة لأنك تربطها بالآلهة، وهذا شيء غريب على علم كلام العصمة..العصمة هي شأن الإنسان بما هو خطّاء..أي وجود الكاطاليزور المحفّز للتسامي عن الخطأ..كل إنسان له مستوى من العصمة..الإنسان هو الكائن المعصوم من حيث أنه يتسامى عن الخطأ او له ملكة التسامي عن الخطأ..الحيوانات لا تخطئ فبالتالي ليست موضوعا للعصمة ولا الملائكة ...قال: نعم..اذا هكذا..مممم...
أتيت بهذا النقاش لأقول بأنّ هناك غموضا والتباسا..لكي يبرروا اختطاف السيد موسى الصدر يقولون أي شئ غبي..وهناك محاولات لتمييع الحديث عن نازلة تغييب الصدر..قبل أسابيع أعود وأرى قراءة منقولة قام بها شخص معتوه يرى نفسه بات خبيرا بشؤون الجماعات الإسلامية في المغرب وخارجها، وقد امتطى بعض المؤسسات متملّقا وعبدا ليبدأ في قفشاته الخبروية التي لا تتجاوز ابتلاعا لما يقرؤه في الصحافة وكأنّ الخبرة هي إعادة تقيّؤ المقروء..سبق ونعتت هذا الأبله يوما بحسن هيكل الغرباوي فاختفى إلى أن بدأ يطل برأسه كفرعون صغير..قصة هذا الخبير الأبله وغير الموفّق بدأت قبل سنوات حينما جاء وطلب مني أن أساعده ويسألني هل بالإمكان أن يختص في شأن الحركات الإسلامية..أستغفر الله إنّي ساعدته وأعطيته بعض الطرق لإحراز الحد الأدنى كأرضية للانطلاق..رافقني فترة وأنا أوجّهه ولكن فشلت أمام غبائه قبل أن ينطّ نطّا..ثم ها هو ظنّ أنّه قطع النهر ونشفت قدماه، بعد أن راح يزحف ليشتغل مع من يشتغل وأعرف ماذا فعل ليشتغل ومن ذهب به ليشتغل..في كل مرّة قليل الوفا يطلع بحكاية كالحكاية التي نقلها ببلادة وتتعلق بأنّ الإمام الخميني هو من قتل السيد موسى الصدر..لا حدود لغباء حسنين هيكل الغرباوي ..تطاول السفيه على تاريخ أكبر من تاريخ شارع كيليطو في سوق لاربعا..تاريخ يصعب على طيّان المجامير وسارق القصيد أن يفهمه..في كلّ مرّة تنبت حكاية لتمييع حدث تغييب الصدر تصنع في الدوائر المشبوهة فتجد من ينبح معها من أولاد البقّ المحلّيين..
قضية الصّدر قضية معقّدة..آل الصدر العامليون أشرف من أن يتفيهق حولهم أوباش من البراري..القصة الكاملة لتاريخ الصدر في إيران أو في العراق أو في لبنان أعمق من أن يهضمها صيصان السياسة..لا أدري لماذا يكثر قيلهم وعثارهم في أمور يصعب على المحقق أن يحسم فيها بيقين البلهى..حاولت أن أفهم شيئا عن مصير الصدر من خلال قادة الميليشيات نفسها وبطرق مختلفة بعد ان وقع السنوسي في أيديهم ولم أصل إلى شيء..بعضهم أحب ان يتاجر في هذا الموضوع ويحوله إلى ورقة لإقناع من يهمهم أمر الصدر لغرض الابتزاز وعرفنا أنهم لا يملكون شيئا..بعض المقربين من الزعيم الليبي الراحل قالوا أمورا ولكن استقرأت بالقرائن أن الأمر أعقد ولا أحد من هؤلاء يعرف شيئا..ما يطمئنّ إليه قلبي هو ان السيد موسى الصدر تم عزله قهرا لأسباب متعدّدة الأبعاد..وثمة من شارك في هذه المؤامرة..وأنّ السيد موسى الصدر سيبقى لغزا، وهذا ما سيجعله الحاضر/الغائب باستمرار..واللّقوة لمن يتحدّث بسوء عن هذه الملابسات..فالذين سلكوا مسلكا مغايرا في التفسير تضاربت أقوالهم وأحجياتهم..الجاهلون بالمعطيات والقاصرون عن منهجيات التحليل المتطاولون على القادة الرموز لن يزيدو الطين إلاّ بلة..وككل التّرهات التي يمتلئ بها مشهدنا الاعلامي المزدحم بالحرامية، سنترك كرة كواذب الإخبار تكبر وتكبر إلى حين نفتح ملف هذه السيرة (التي لا نريد الإطناب في تفاصيلها الآن لأنّ البحث جاري فيها وحولها، والتي بتّ أرى أن ليبيا هي آخر محطة فيها وليست النهائية، بل قد تكون الحلقة الأخيرة والأضعف بينما هناك جهات متورّطة ولكنها خرجت مثل الشعرة من العجين) ليتساقطوا مثل الصراصير والدخلاء على مهنة التحقيق والتوثيق والتحليل..فخبرة صناعة المجامير لا علاقة لها بالخبرة التوثيقية في قضايا السياسة والتاريخ...

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/08/31



كتابة تعليق لموضوع : في ذكرى تغييب السيد موسى الصدر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net