صفحة الكاتب : ادريس هاني

مصير الميتافيزقا وانحراف الخيال..
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ليس التركيب أقّل خصوبة من التحليل..ما جدوى التحليل يا ترى إنّ كانت الحقيقة كامنة في نظام الأشياء لا في الأشياء..ما الحاجة إلى هذا السكون والتعطيل الذي يكتنف الظاهرات حال تفككها؟ هيروقليط وملا صدرا وهيغل أدركوا عقم هذه الممارسة الزائفة لعقل حائر..الحقيقة وإن تعذّر القبض عليها هناك..في ذاتها..فهي تجد لها مثالها هنا..في ذاتنا..ولكن ما قيمة ذاتنا إذا فقدت رشد ملكاتها المعنية أكثر بالتّمثّل..ما قيمة العقل إن جرّد عن الخيال أو تم تعريفه كشيء منفصل عن الخيال؟ ما قيمة الواقع نفسه، وما قيمة النفس، وما قيمة الحقيقة؟ لم يكن الكائن يوما مطالبا بمعرفة الحقيقة غير المتاحة لملكات النّفس..ليس العقل مجرد أداة نقل يتحدد بها الإدراك..أي نقل الظاهرة إلى الذهن بأداة محايدة..العقل هو عالم..كوسموس..هو وحده القادر على إعادة نظم الصور..أي فعل التعقل الذي هو رهين بالمسافة التي تنتج بين الأنا والظاهرات..فالعالم يعاد خلقه في الخيال..وبين الخيال العلمي والخيال الأسطوري فارق أساسي هو الوفاء للظاهرات في مثولها أو عروضها الأوّل..لم يخطئ من اعتبر الأساطير مرض اللغة..فلنقل مرض الخيال وانحرافه أو نسيانه للظاهرات حين مثولها عارية أمام ملكة الفهم..هذا الكائن المستخفّ بالوقائع الهائم في الخيال..كم تبدو الميتافيزقا مترنّحة وهي تحلّ مشكلة الوجود من خلال تناقضات موجود صمّم منذ البدء لكي يقف مناهضا للواقع..الخيال، الملكة الأعظم في حياة النّوع..وفي كلّ الحقب كان الكائن مدينا لهذه الملكة..حتى المادية لم تستقم إلاّ من خلال إعادة تكوينها في المخيّلة..المادة المتخيّلة..هذا أمر بات بالغ الوضوح في عصر الصورة وشموليتها..المتخيّل أو التحكم بالمتخيّل هو مجال الصراع الأكبر في العالم..لقد احتوى المتخيّل حتى المبادلات التجارية..حتى النقد بات صوريا..البورصة كمجال لمتخيل اقتصادي..هذا الكائن الذي يعاني من حالة وهم بالإشباع من الواقع..أو على الأقل هو غير معني بالظاهرات التي يراها هناك..بل هو معني بإعادة تشكيل صورة الأشياء..المشهد لم يكن يوما واقعيا بل متخيّلا..الفن والجمال هما فرصة العالم لكي لا يسقط في الرتابة..لأنّ إعادة تشكيل الواقع عملية تفرض التضحية بالحقيقة دائما..والكائن يشعر بالحاجة المستمرة للصورة ليس بالضرورة بقيد المادّة..لقد تحررت الصورة بفضل كائن لا يأبه بشيء إذا لم يعاقره الخيال..تبدأ الأزمة حينّ يصبح الخيال عرضة للضحالة..أي أنّ المتخيّل يصبح أقل جاذبية من الواقع..حين يكبر الزيف ولا يترك مساحة للحقيقة..حينما يساهم هذا الوضع في تخريب الحسّ المشترك ويصبح الزيف ليس أداة للمتخيل بل يصبح المتخيل هو نفسه ضحية للزّيف، حينما تتجاوز الصورة الخيال نفسه..حينئذ يتمرد الخيال على كل الوسائل التي تتعلّق بالإقناع..تصبح وظيفته هي التحريف المستدام..ليس التزييف هنا جزء من وظيفة عقلية للالتفاف على الواقع بل يصبح الزيف غاية الكائن..هنا يفقد الخيال أهم عناصر الإقناع..فالظاهرات تفقد جذواها حينما تنتقل إلى ذهن يعيش أسوأ عهود الفوضى..اختلال نظام الأشياء في ذهن الكائن..فإذن هو الملل..هو الجنوح بعيدا عن جمالية الوجود..لقد أتعبت الميتافيزقا نفسها وهي تعالج سؤال الوجود مع أنّ مهزلة العقل البشري تكمن هنا، حينما يتيه العقل في أسئلة تتعلّق بالوجود المبرهن في قوّة الحضور والوجدان..لأنّ جزء من هذا الحجاب الذي يحول دون إدراك الوجود هو عدم الإلتفات الذي يسبّبه الملل..الذهول..الممارسة الخيالية المفرطة والمجردة عن قيمة الجمال..أي الممارسة المتخيلة غير المقنعة والقائمة على لعبة إعادة تشكيل العالم وفق غايات الزيف..انحراف الخيال هنا أخطر من انحراف الواقع..لأنّ الخيال في حالة الضحالة لا يصلحه شيء.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/20



كتابة تعليق لموضوع : مصير الميتافيزقا وانحراف الخيال..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net