صفحة الكاتب : ادريس هاني

الميتافيزقا التي في خاطري..
ادريس هاني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

وتسألني مرارا أسئلة أقلّ قسوة مما أسأل نفسي..وأسوأ أنواع الأسئلة التي تترك في خاطري ضجرا وإحساسا بالإحباط تلك التي أجد لها في ثنايا وترسّبات قبلياتي غير المبرهنة أسرع الجواب..وتلك الأجوبة تفقدني لذّة الوجود..وكنت ولا زلت أبحث عن السؤال أكثر مما أبحث عن الجواب..وأحيانا أسخر من ذلك العناد الذي يبديه أهل الجدل وهم يتصارعون حول أجوبة مجردة من كل أسئلة حقيقية..أجد نفسي متشظّيا بين متاهات الأجوبة التي يمنحها أصحابها يقينا كبيرا..أنهكني ديكارت الذي أوقفني عند أسئلة الطفولة..لكنه سعى لكي يرقى بالجواب إلى حدّ إنهاك المركّبات بالتحليل..كان تحليلا مفرطا على حدّ تعبير ادغار موران..وهو يحلل الوجود إلى حدّ بات من الصعوبة بمكان إعادته إلى بنيته الأولى..العالم وجد مركّبا..والتجزيء نظري وهو حيلة زائفة من العقل في كسله..لا شيء أكثر مهارة وأفيد مضمونا من معاقرة الآشياء في متاهاتها..في بنيتها الغامضة المغلقة ذات النشاط التناقضي..في عتمة اللامفكر فيه..في الحقيقة وهي تبدو وتضمحل في صيرورة أبدية..في مسارات لا مبدأ لها ولا نهاية..كانت تلك الأجوبة تخيفني لأنها تسعى لإنهاء مشروعية السؤال..لكن السؤال بقي ممتدّا عبر تاريخ الميتافيزقا..وسيبقى..لكل محاولة غواية ووهن حتمي..تلك حكاية العقل حين يباشر مهمته من دون شروط خارجية..فهو يضع شروطه ويلغيها..العقل ملول ومتمرد..يبسط ويقبض..يعقل ولا يعقل..أتساءل مرة أخرى كيف تحصل السعادة خارج منطق السؤال؟ أي ملل تجلبه الأسئلة المكرورة خارج شروط الميتافيزقا؟
تنتابني أحاسيس تارة تشعرني بضحالة الإجابات النسقية..وتارة تشعرني بالعبقرية المستحيلة..حيرني كانط ولا يزال..يستفزني..أشعر بأنّ النص الكانطي يتحدّى كل قشور وعيي المزيّف..لكن عنادي يلهمني التحدّي..وعاقرت الإنكار في انتظار الفرج..ثم يراودني الاعتراف..هيغل يفتح أفقا أكبر ولكنني أخشى من الهروب..طار هيغل إلى فينومينولوجيا الروح وترك الميتافيزقا في حيرة..هي أنساق تبني عوالمها الخاصة..وذلك من خلال هندسة الخيال..لا يوجد جواب على أسئلة تصدر من عالمها إلاّ بأن تهدم عالمك وتدخلك في عالم آخر مختلف..تبديل المنازل..
نيتشه هو الآخر يستفزني..يثيرني..يرهقني..يغويني..وأتهيّأ للإطاحة بعدميته..أقرؤه كما لو كان شكلا من النومين المستحيل..يجب معاقرته كما يعرض على فهمي ككل الأشياء والظاهرات..كل يستطيع أن ينتج نيتشه خاصا به..المخرج الوحيد لكي لا أحكم عليه نهائيا..ولكنه يمنحك إحساسا بالتمرد..
في هذا المنحدر الكارتيزي لم أجد جوابي..لم يكن سؤالي عن الأنا موجود..عن الفكر، لأنّني كلّما فكرت لا أنتهي للوجود..للوجود طريق آخر أخصر من طريق الفكر..أكتشفه حتى من دون أن أفكر..لحظة جمود الفكر..وصمت العالم..أعادني كانط إلى ذاتي حيث سأكتشف صورة خاصة عن الكوسموس..عالم الأنا..أفلاطونية مذوّتة ليست موضوعية..الأنا ليس شريكا في المعنى، بل هو مصدره الوحيد..ليس للظاهرات حقيقة في ذاتها بل لها فقط حقيقة في ذاتنا..سبينوزا أراد إعادة رسم خريطة اللاهوت..برهن على إله ثاوي في الطبيعة..استدمج الروح في الجسد..حاول الخروب من ثقل الثنائية الديكارتية الموروثة.. وتلك ليست أسئلتي..لا يهمني أين يوجد جسدي..ولا أين تهيم روحي..لا أشعر بالفصام..
الرحلة طويلة ومرهقة وتتكرر.. وفي التكرار موت الميتافيزقا..وأشعر بالملل حين أقف عندهم واحدا واحدا..لكنهم فكّروا وقدّروا وأنجزوا مهمّتهم في عالم ولع أغلب من فيه بالضجيج..إنسانات كلّ منها يرقى بها سؤلها مهما انحطت إجاباتها..ومهما انحطت سياساتها..
لم أبن نسقي لأنّ غواية السفر عبر المنازل تمنحني إحساسا بلا جدواها..لكنني أعرف حتى الآن كيف أقتحم تلك الأنساق حتى بت أستمتع بالنفاذ من ثغراتها..أحمل على كتفي معاولي وقطعة من قماش هي كفني في رحلة هي مغامرة داخل أنساق أول ما يذهلني فيها هو قوة الخداع..أرى بعضهم مولعا في بناء أنساق رخوة في زمن مسح فيه كانط وهيغل وهيدغر الطاولة وبقي شيء من الفتات يصلح لهؤلاء الديكة: ما أكثر صياحهم إذن..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ادريس هاني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/07/21



كتابة تعليق لموضوع : الميتافيزقا التي في خاطري..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net