• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح407 سورة  الممتحنة الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح407 سورة  الممتحنة الشريفة

للسورة الشريفة عدة فضائل وخصائص منها ما جاء في كتاب ثواب الاعمال عن الامام السجاد عليه السلام : من قرأ سورة الممتحنة في فرائضه ونوافله امتحن الله قلبه للإيمان ونور له بصره ولا يصيبه فقر أبدا ولا جنون في بدنه ولا في ولده ان شاء الله تعالى .

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{1}

تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء ) , ينهى الخطاب المؤمنين ان يتخذوا من المشركين احبابا وخلصاء , (  تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) , تفضون او توصلونهم بالمودة , (  وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ) , القرآن وبعثته "ص واله" , (  يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ) , من مكة , بعد ان مارسوا كل انواع التضييق عليكم , (  أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ) , والسبب ايمانكم بالله تعالى , (  إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي ) , ان كنتم قد خرجتم للجهاد في سبيل "احياءً لديني " وطلبا لرضواني , (  تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ) , تودونهم في صدوركم , (  وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ) , يقرر النص المبارك انه جل وعلا اعلم من المؤمنين بأنفسهم فيما اخفوه او ما اعلنوه , (  وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ ) , ومن يوادهم منكم فقد اخطأ الطريق السوي .      

يرى القمي في تفسيره وكذلك كثير من المفسرين ان سبب نزول الآية الكريمة كما يلي :

نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ولفظ الآية عام ومعناها خاص وكان سبب ذلك إن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة وكان عياله بمكة فكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وآله فصاروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر محمد صلى الله عليه وآله هل يريد ان يغزو مكة فكتبوا إلى حاطب يسألوه عن ذلك فكتب إليهم حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وآله يريد ذلك ودفع الكتاب إلى إمرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها ومرت فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بذلك فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام والزبير بن العوام في طلبها فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام أين الكتاب فقالت ما معي شيء ففتشوها فلم يجدوا معها شيئا فقال الزبير ما نرى معها شيئا فقال أمير المؤمنين عليه السلام والله ما كذبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وآله على جبرئيل ولا كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه والله لئن لم تظهري الكتاب لاردن رأسك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت تنحيا عني حتى اخرجه فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أمير المؤمنين عليه السلام وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا حاطب ما هذا فقال حاطب والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت وإني أشهد أن لا إله إلا الله وانك رسول الله حقا ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنع قريش إليهم فأحببت أن اجازي قريشا بحسن معاشرتهم فأنزل الله عز وجل على يا أيها الذين آمنوا الآية .

 

إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ{2}

تستمر الآية الكريمة مقررة (  إِن يَثْقَفُوكُمْ ) , ان يظفروا بكم , (  يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء ) , عندها لا تنفعكم مودتهم في شيء , (  وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ ) , عندها يسلطوا عليكم ايدهم بالقتل والتعذيب , وألسنتهم بالسباب والشتام , (  وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ) , وتمنوا رجوعكم الى دينهم "الشرك" .  

 

لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{3}

تستمر الآية الكريمة (  لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ) , لن تنفعكم قراباتكم واولادكم المشركين  في موالاة الكفار , (  يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ) , للنص المبارك محورين :

  1. يفر بعضكم من بعض , (  فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37} ) سورة عبس الشريفة .
  2. او يفرق بينكم , فأنتم في الجنة , وهم في النار . 

(  وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) , فيجازيكم به . 

 

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{4}

تستمر الآية الكريمة محققة (  قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) , قد كانت لكم قدوة حسنة في ابراهيم "ع" ومن معه من المؤمنين , قولا وفعلا , (  إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ) , حين اعلنوا البراءة من قومهم ومما يعبدونه من دونه جل وعلا , (  كَفَرْنَا بِكُمْ ) , انكرناكم وانكرنا ما انتم عليه من الكفر , (  وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً ) , وظهرت بيننا وبينكم العداوة والبغض , (  حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) , حتى تؤمنوا بالله تعالى , عند ذاك تنقلب العداوة والبغضاء الى ألفة ومحبة , (  إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ) , استثناء من القدوة الحسنة , فأن استغفار ابراهيم "ع" لأبيه الكافر ليس مما تتأسوا فيه , فأن استغفاره "ع" له كان لوعد وعده اياه , (  وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ) , وما املك لك من الثواب والعقاب شيئا , الا ان استغفر لك , (  رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا ) , اعتمدنا , (  وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا ) , رجعنا او مرجعنا , (  وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) , يوم القيامة .  

 

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا ) , و من القدوة الحسنة قوله "ع" ربنا لا تسلط علينا الكفار فيفتنوننا بعذاب لا طاقة لنا به او تشمتهم بنا , فيظنون انهم على حق , (  وَاغْفِرْ لَنَا ) , ذنوبنا , او ما فرط منا , ولاحظ هنا علاقة الافتتان بطلب المغفرة , فالذنوب هي مصدر البلاء , والاستغفار مفتاح دفعه وتجنبه والوقاية منه , (  رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) , الغالب , في ملكك وصنعك , فمن كان كذلك حقيق ان يجير المتوكلين عليه والداعين اياه .   

( عن الصادق عليه السلام قال ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا ولا كافرا إلا غنيا حتى جاء إبراهيم عليه السلام فقال ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة  ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 

 

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{6}

تستمر الآية الكريمة محققة مؤكدة (  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) , تكرر النص المبارك تأكيدا على القدوة الحسنة , (  لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) , لمن كان يخافهما او يأمل الثواب , او هو اشعارا بأن ترك التأسي بهم  يدل على سوء العقيدة , (  وَمَن يَتَوَلَّ ) , يعرض او ينصرف او يوالي الكفار , (  فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ) , عن خلقه جل وعلا , (  الْحَمِيدُ ) , لأهل الطاعة .    

 

عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{7}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ) , عساه جل وعلا ان يجعل بينكم وبين اقاربكم الكفار مودة بعد ان تنشرح صدورهم الى الايمان , (  وَاللَّهُ قَدِيرٌ ) , على ذلك , (  وَاللَّهُ غَفُورٌ ) , لمن طلب المغفرة , (  رَّحِيمٌ ) , بهم . 

( عن الباقر عليه السلام إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وآله والمؤمنين بالبراءة من قومهم ما داموا كفارا فقال لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة إلى قوله والله غفور رحيم قطع الله ولاية المؤمنين منهم وأظهروا لهم العداوة فقال عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة فلما أسلم أهل مكة خالطهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وناكحوهم وتزوج رسول الله صلى الله عليه وآله حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ) . "تفسير القمي" .  

 

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{8}

تستمر الآية الكريمة مبينة (  لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ ) , من الكفار , (  وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) , ولم يشاركوا في التضييق عليكم ومنه اخراجكم من مكة , (  أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) , ان تفضوا اليهم بالعدل , (  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) , يدرج النص المبارك العادلين في جملة من يحبهم الله جل جلاله .    

مما يروى في نزول الآية الكريمة , أن قتيلة بنت عبد العزى قدمت مشركة على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا فلم تقبلها ولم تأذن لها بالدخول فنزلت .

 

إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{9}

تستمر الآية الكريمة مقررة (  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ ) ,  ان النهي يشمل من قاتل المسلمين من الكفار واخرجهم من مكة ومن عاونهم على اخراجهم , (  أَن تَوَلَّوْهُمْ ) , هؤلاء منهي ان يتولاهم المسلم , (  وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) , لانهم بذلك قد خرجوا عن حدود الله تعالى , بوضعهم الولاية في غير موضعها . 

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{10}

تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ) , فاختبروا ايمانهم , يرى بعض المفسرين في النص المبارك عدة اراء منها :

  1. (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات) بألسنتهم (مهاجرات) من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يرد (فامتحنوهن) بالحلف على أنهن ما خرجن إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لأزواجهن الكفار ولا عشقا لرجال من المسلمين كذا مان صلى الله عليه وسلم يحلفهن . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
  2. وفي رأي اخر , ان لا ترد الزوجة المؤمنة , بعد ان يثبت ايمانها بالاختبار , الى زوجها الكافر .   

(  اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) , فهو جل وعلا المطلع على كل شيء , (  فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ) , وهو ما جاء في الفقرة (2 ) اعلاه , (  لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) , النص المبارك ينشر الحرمة بين الزوجة المؤمنة وزوجها الكافر , " التكرير للمطابقة والمبالغة أو الاولى لحصول الفرقة والثانية للمنع عن الاستنئاف" – تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني - , (  وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ) , أي ما انفقه الكافر على زوجته المسلمة , يرى القمي في هذا الصدد " إذا لحقت امرأة من المشركين بالمسلمين تمتحن بأن تحلف بالله أنه لم يحملها على اللحوق بالمسلمين بغض لزوجها الكافر ولا حب لاحد من المسلمين وإنما حملها على ذلك الاسلام فإذا حلفت على ذلك قبل إسلامها واتوهم ما انفقوا يعني ترد المسلمة على زوجها الكافر صداقها ثم يتزوجها المسلم " , (  وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) , يرفع النص المبارك الحرج عن المسلمين اذا ارادوا الزواج من المسلمات المهاجرات اللائي فرق الاسلام بينهن وبين ازواجهن شريطة المهر , (  وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ) , ينهى النص المبارك المسلمين عن نكاح الكافرات , او اذا التحقت زوجة المسلم بالكفار فيكن بذا مرتدات , فيفرق الاسلام بينهما , (  وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ ) , واطلبوا ما انفقتم من المهر على زوجاتكم المرتدات "اللائي التحقن بالكفار" , (  وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ) , وليطلبوا مهور ازواجهم المسلمات المهاجرات , (  ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ) , شريعته جل وعلا , (  وَاللَّهُ عَلِيمٌ ) , بكل شيء , ومنها مصالح عباده , (  حَكِيمٌ ) , في تشريعاته .        

(  عن الباقر عليه السلام في هذه الاية قال يقول من كانت عنده إمرأة كافرة يعني على غير ملة الاسلام وهو على ملة الاسلام فليعرض عليها الاسلام فإن قبلت فهي امرأته وإلا فهي بريئة منه فنهى الله أن يمسك بعصمتها .

عن الباقر عليه السلام يعني وإن فاتكم شيء من أزواجكم فلحقن بالكفار من أهل عهدكم فاسألوهم صداقها وإن لحقن بكم من نسائهم شيء فأعطوهم صداقها ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) . "تفسير القمي" .

 

وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ{11}

تستمر الآية الكريمة مضيفة (  وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ ) , أي ارتدن فلحقن بالكفار , (  فَعَاقَبْتُمْ ) , يختلف المفسرون في النص المبارك , فمنهم من يرى : 

  1. (  فَعَاقَبْتُمْ ) : فغزوتم وغنمتم . "تفسير الجلالين للسيوطي" .
  2. (  فَعَاقَبْتُمْ ) : أي تزوجتم غيرها . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 
  3. (  فَعَاقَبْتُمْ ) : قيل أي فجاءت عقبتكم أي نوبتكم من أداء المهر . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 

(  فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا ) , أي اعطوا الذين ذهبت ازواجهم الى الكفار من الغنيمة بقدر ما انفقوا عليهن "من المهر" , (  وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) , فأن الايمان يقتضي التقوى . 

مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة :

  1.  إن عمر بن الخطاب كانت عنده فاطمة بنت أبي امية بن المغيرة فكرهت الهجرة معه وأقامت مع المشركين فنكحها معاوية بن أبي سفيان فأمر الله رسوله أن يعطي عمر مثل صداقها ( من الغنائم ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .
  2. لما نزلت الآية المتقدمة أدى المؤمنون ما امروا به من نفقات المشركين على نسائهم وأبى المشركون أن يردوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فنزلت  . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" .  

 

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{12}

الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" (  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ) , بالوأد او بالإسقاط , (  بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ ) , أي بولد تنسبه الى زوجها وليس منه , وكنى هذا البهتان بانه بين ايدهن وارجلهن , لأنها اذا ولدته سقط بين يديها ورجليها , او لان بطنها الذي تحمله فيه بين اليدين وفرجها بين رجليها , (  وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) , كحسنة , او ما فرض عليهن من الصلاة والصيام ... الخ , او ترك فعل منكر , كشق الثياب ولطم الوجوه جزعا , (  فَبَايِعْهُنَّ ) , على ضمان الثواب على الوفاء منهم بذلك , (  وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ) , واطلب لهن المغفرة منه جل وعلا, فأنه "ص واله" مقبول ومجاب الدعوة , (  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) , يقرر النص المبارك انه جل جلاله كثير المغفرة لمن طلبها وعمل لها , ذو رحمة على المؤمنين .  

( عن الصادق عليه السلام قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله مكة بايع الرجال ثم جاءت النساء يبايعنه فأنزل الله عز وجل يا أيها النبي الاية قالت هند أما الولد فقد ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا وقالت ام الحكم بنت الحارث بن الهشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل يا رسول الله ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه قال لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل فبايعهن رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا فقالت يا رسول الله كيف نبايعك قال إنني لا اصافح النساء فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال أدخلن أيد يكن في هذا الماء فهي البيعة ) . "تفسير الصافي ج5 للفيض الكاشاني" . 

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ{13}

تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) , الخطاب ينهى المؤمنين عن موالاة عامة الكفار او اليهود على اختلاف الآراء , فمما يروى ان بعض فقراء المسلمين يواصلوا اليهود بغية ان يصيبوا شيئا مما لديهم من الثمار , (  قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ) , لكفرهم بها , او لعلمهم ان لا حظ لهم بها , والسبب عنادهم له "ص واله" وكفرهم بما جاء به , مع وجود نعته وصفته "ص واله" عندهم , (  كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) , للنص المبارك محورين , ويمكن الجمع بينهما :   

  1. كما يأس الكفار من اصحاب القبور ان يبعثوا , فيثابوا او يعاقبوا .
  2. او كما يأس الكفار الذين ماتوا من ثواب المؤمنين في الاخرة , او يئسوا من العودة الى الدنيا فيؤمنون ويعملون الاعمال النافعة , بعد ان تعرض عليهم اماكنهم من الجنة فيما لو قد امنوا .

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=125281
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29