• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : الخصائص الاسلوبية  لكتاب جواز الجمع بين الصلاتين .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

الخصائص الاسلوبية  لكتاب جواز الجمع بين الصلاتين

 من خصائص الاسلوب البحثي تشخيص المواضيع الجزئية التي تنتظمها بنية الموضوعة الكلية وتأتي دلائل التشخيص لغرض اثبات دال على فحوى المطلوب، حيث تكمن صعوبة مثل هذا التدوين في شمولية الاطلاع العام على جميع المدونات الفكرية والفقهية وأوجه فعاليتها مع عدم تجاوز بُنى الاختلاف لكسب ثقة التلقي خاصة عندما يسعى البحث الى تحويل الجدلي الى اتفاق مشترك متدفق بالرؤى المتوافقة والمثبتة يقينيا، وتلك مسألة دقيقة تحتاج الى معالجة تعزز الاثبات سوى ان يكون مقصودا او غير مقصود ضمن مساعي فكرية مؤمنة تجمع الرؤى تحت بوتقة الموروث المقدس لإبعاد الموضوعات المفتعلة ليتلاشى التأويل امام النص الصريح حيث قوانين التشريع العام... 
 جهد تبذله وحدة الدراسات في شعبة الاعلام التابعة لقسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية من اجل تفويت الفرصة على ارباب الفـتن من خلال جمع تلك المشتركات الفقهية في كتابها الرابع والمعنون (جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا) فمعالجة الخصائص الاسلوبية تظهر في انتقائية السبل التوصيلية التي منحتنا المعنى لغة وجه من اوجه الاستدلال الاسلوبي؛ فالجمع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض الى ضم الشيء الى شيء آخر مع ابقاء الحقيقة والاصل حتى يمكن التمييز بينهما، وهذا لايمكن ان تأخذ يمعنى الخلط ابدا.. ويتسنى لنا التأمل في النسيج المتماسك لتقريب المعنى المنشود، وهذا جهد اسلوبي يصل بنا الى المعنى الاصطلاحي لجمع الظهرين (صلاتي الظهر والعصر) وجمع العشائين (صلاتي المغرب والعشاء) والمراد صلاتهما في وقت واحد، فلا بد من تشريع قرآني يدعم هذا السند الذي يبقى من السندات الرؤيوية دون بلوغ الاثبات المسندي، ومادام السند مكفولا من قبل التشريع المصدري الاساسي والذي هو القرآن الكريم فهو اسناد متكامل شمولي موحد لبنى المعروض الموروثي بمفهوم مقبول من قبل الجميع، فهذا يضعنا البحث امام احدى عشرة آية قرآنية تدل على تخصيص اوقات الصلوات اليومية بثلاثة اوقات ستقوم القراءة بالتركيز على آية واحدة لاستقطاب الاستدلال الاسلوبي العام: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً). ثم ينكشف الموضوع عن بؤر استنتاجية مؤثرة من خلال مفاهيم دلوك الشمس، غسق الليل، قرآن الفجر... دليلا على اللا تحديد لوقتي الصلاتين أي الكشف عن عدم وجود وقت مخصص لصلاتي العصر والظهر داخل فترة محددة تبدأ من الزوال الى الغروب مع وجود شرطي هو عدم تقدم صلاة الظهر على العصر وصلاتها بمقدارها، وسيأخذنا الاستنتاج الى صلاة العشاءين ايضا من المغرب الى منتصف الليل، ويعني عدم وجود خاص لصلاتي المغرب والعشاء داخل هذا الوقت. ونعتقد يقينا ان مثل هذه الاستدلالات الواضحة المبسطة والمستندة الى حقائق مصدرية معلومة هي براهين استدلالية لها طابع شمولي يؤدي بطبيعته الى توافقات مذهبية تقرب المساحات الرؤيوية وتبعد الشوائب عنها ولذلك عمل كادر الاعداد الى وضع باب تحت عنوان (جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا في تراث اهل السنة). 
 وارتكز هذا الباب على ذكر مجموعة من التفاسير كتفسير الطبري، ومقاتل، والبغوي، والكبير، والجلالين، والثعالبي، وكثير مما روي عن مجموعة من الصحابة كابن عمر، والضحاك، وابن مسعود، والنخعي، وابن عباس، وجمهور كبير... 
 ولقد استند البحث على رواية لابن عباس ورواها البعض عن معاذ بن جبل: (صلى رسول الله (ص) الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر) وراه مالك، والشافعي، ومسلم، وابن داود، والبهيقي، وغيرهم عن ابن عباس... ورواه مسلم، والطبراني، والحافظ، والمتقي المهتدي عن معاذ بن جبل... 
وهذه الروايات مؤيدة حتى عند ابن تيمية في مجموع الفتاوى وعند الكثير من علماء العامة كالآلوسي، وابن البطال، وابن جني، وأبي الفضل في المسند الجامع... وتستنطق ذاكرة التاريخ باعتراض ابن عباس على احدهم (كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص) فالعملية الاسلوبية نظمت لنا كل شيء بما يوافق الرؤى للقبول التوافقي، وسعت في ذات الوقت بتقديم التضاد وهو يشدد محاولاته لتحريف المضمون عبر عدة تأويلات بائسة عنونتها بالفشل.
محاولات فاشلة لتأويل الجمع بأنه ليس مطلقا
وهذا الفشل هو ليس حكما كيفيا او قسريا صادرا من هيئة الاعداد، وانما هو ناتج مخاض فكري تنامى عبر معالجة المفكرين والرواة انفسهم، فحين دون مالك تعقيبه على الحديث الجامع للصلاتين بجملة: (ارى ذلك كان في مطر) رد عليه ابن داود برواية ابن عباس: (اراد ان لايحرج امته). والعبارة واضحة اذ قال ابن عباس: (ولا مطر) ويظهر من حيثيات المعروض العام ان هناك تداعيات قصدية حاولت الاستحكام باسولب النقل عبر تحويرات حذفية او اضافات توهيمية محرفة للمضمون العام لزحزحة المطلق الجمعي مثل محاولة النسائي حين أضاف مفردة مكانية تعطي حاصلا زمانيا محددا؛ اذ وضع مفردة (بعرفة) كي يكسب الجملة افتراض زماني يؤهل الجملة الموروثة الى اتقان محترف يجعل عملية الجمع ترتبط بموسمية الحج وهي محاولة مقصودة لجر المدينة التي صلى بها الرسول (ص) الى عرفة، فكان الرد عبر نفس الرؤى المكانية حيث كانت الصلاة في المدينة. ويعني اننا امام انفتاح زماني غير مقيد بموسمية معينة... وهكذا تستمر المحاولات فمنهم من يقول: في (وحل)... اي كانت الارض مملوءة بالطين. ومنهم من اولها الى (غيم) وكأن الرسول (ص) خشى من المطر. 
فنجد انفسنا امام عوالم معاندة لا اكثر تريد ان تهيئ الاحاديث الى ما يساير ويطابق رؤاها فكثرت مفردات مثل: (أظن، أرى، لابد...) والفرق واضح بين بُنى تأويلية، وبُنى نصية هم يقرون بها قبل سواهم، فلذلك هم لاينكرونها بل يحاولون تحريفها الى ما يوافق رؤاهم... 
وعلينا اولا معرفة ماذا يمثل هؤلاء من الرأي العام للعامة؟ وجواب هذا السؤال سيجتاز بنا أي اشكال قد يسبب ارباكا للبعض, ولنعرف من خلال المعروض الماثل حجمهم الحقيقي لندرك قدر التأثير الذي يمكن ان تسببه هذه التحريفات، فلذلك طرقت هيئة الاعداد بابا آخر يمنحنا الوضوح المرتجى. 
اقوال فقهاء اهل السنة حول الجمع بين الصلاتين
توجه الاسلوب العرضي هنا الى عملية تنقية تظهر من خلالها المشهد الرؤيوي العامر رغم وجود التناقضات الفكرية، ومحاولات تبضيع الفكرة الا ان جوازها لجميع ائمة المذاهب موجود مع بعض التخصيصات التي وضعوها؛ فمالك جمعها لستة اسباب (السفر، والمطر، والوحل مع الظلمة، والمرض، وعرفة، ومزدلفة) والشافعي جوّز الجمع للسفر الطويل، ومنعها في السفر القصير، واحمد بن حنبل جوّز الجمع للسفر الطويل والمرض والمطر الذي يبل الثياب فهم اجازوا الجمع في السفر، واختلفوا في ماعداه من الاعذار... فندرك ان ثمة تربص واضح ينقض على فاعلية للمضمون، يحاول انهاء تلك الفاعلية عن طريق موهبة التحريف التي تبتدع حججا لأخذه نحو غايات مرسومة... فهل هذا كل ما يملكه رأي ابناء العامة؟
المؤيدات عى جواز الجمع مطلقا
 نحن امام استنتاج بحثي لقد اقرّت الصحاح له بجواز الجمع، ودليل ذلك الترخيص هو احتفاظهم بالموضوع وتدوين متعلقاته؛ فقد ورد في شرح صحيح مسلم للعلامة النوري، والعسقلاني، والقسطلاني، وزكريا الانصاري، وشروحهم لصحيح البخاري، والزرقاي، في شرح موطأ مالك والكثير من العلماء الذين يمثلون رأي ابناء العامة صرّحوا بجواز الجمع المطلق ليبيِّنوا ان الجمع كان لغاية ابعاد الحرج والمشقة عن الامة... 
نجد ان هذا الافق الواسع اعطى اسلوبية البحث ابداعا شموليا اساسه التعمق في جوهر القضية المعروضة من جميع نواحيها؛ والا فهناك اشراقات تدوينية تجاوزت العقد بثراء روحي فازدهى بها المضمون ككتاب (ازالة الخطر عن الجمع بين الصلاتين في الحضر) لمؤلفه الحافظ محمد بن الصديق الغماري  وتلك سمة من سمات الاسلوب الرصين... 
(تابع في العدد القادم إن شاء الله)




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155576
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29