وبما أن لا أحد إلا ويسعى لتأمين إحتياجات نفسه وأهله وكل من يمت إليه بصلة في هذه الدنيا ، فلا بد من وضع حد فاصل بين حب الدنيا
والتعلق بها وبين غير ذلك .
وخير من وضع هذا الحد الفاصل هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : *« الزهد كله بين كلمتين من القرآن ، قال الله سبحانه : " لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم "* (1) . وبهذه المقولة الشريفة للامام علي ( عليه السلام ) يتضح الحد الفاصل بين التعلق بالدنيا وبين اتخاذها كوسيلة للآخرة .
وقد جسد الرسول الأكرم وأئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) بسيرتهم العطرة وسلوكهم العملي افضل تجسيد لإستثمار الدنيا للآخرة .
وبهذا فقد أوضحوا خطأ من تمسك بالدنيا وفضلها على الآخرة من جهة ، وخطأ من عزف عن الدنيا بكل ما فيها فأهمل مسؤولياته وهجر أزواجه وضيع عياله و أحوج بسلوكه اللاعقلائي أبناءه ، وممن يعتقد بهذا الفكر محمد بن المنكدر الذي روى الامام الصادق (عليه السلام) عنه إنه قال :
"ما كنت ارى ان علي بن الحسين عليه السلام يدع خلقاً أفضل منه حتى رأيت ابنه محمد بن علي عليه السلام فاردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه : باي شيء وعظك ؟ قال : خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيني ابو جعفر محمد بن علي وكان رجلا بادنا ثقيلا وهو متكئ على غلامين أسودين أو موليين، فقلت في نفسي:
سبحان الله . شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على مثل هذه الحال في طلب الدنيا، أما إني لاعظنه .
فدنوت منه فسلمت عليه، فرد علي بنهر وهو يتصاب عرقا، فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذه الحالة ما كنت تصنع
فقال: لو جاءني الموت وأنا على هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس و إنما كنت أخاف أن لو جاءني الموت وأنا على معصية من معاصي الله عزوجل. فقلت: صدقت يرحمك الله، أردت أن أعظك فوعظتني »
إذن فلا إشكال في السعي المرء لسد إحتياجاته واحتياجات من كان مسؤولا عنهم . بل ولا مانع من طلب الرزق الحلال إذا ما حرص على إنفاقه فيما يصح ويجمل
قال أبو بصير : سمعت الامام الصادق ( عليه السلام ) يقول : *« إني لاعمل في بعض ضياعي حتى أعرق ، وإنّ لي من يكفيني ، ليعلم الله عز وجل أني اطلب الرزق الحلال »* (3) .
ولكن الخطر كل الخطر يكمن في التعلق بالدنيا وحبها و تفضيلها على الآخرة .
|