السعي لقراءة مجموعة / أزاهير متقدة / للشاعر وليد حسين بما تحتويه من مساعي فكرية مترعة بعوالم المضمون يتطلب منا الولوج إلى العوالم النصية والبحث في الكوامن الدلالية، معتمدين على تميز مهم هو معرفتنا بشاعرها وخصوصية مكانته وبما يمتلك من مقدرة إبداعية متوهجة، "أزاهير"... جمع زهرة والتوقد حضور البديهة والتوهج.
يشاكسنا الشاعر بإهداء مثير جعل تلك الأزاهير المتوهجة تعلن الحرب على القيم البالية، وهذه من المفارقات الجميلة في شعرية / وليد حسين /
ومنها يرسم مسعى إهداء المجموعة إلى ولده البكر عماد لينفذ إلى رحاب الفكر، والمتأمل في معالجته الفكرية يلاحظ إصراره على المشاكسة لتثيره تلك الرحاب المحاطة برؤى شاسعة حسب تعبيره بالبوح الشفيف.
والشفيف تعني لنا أن المجموعة محملة برؤى فكرية مضمرة، في جميع اشتغالاته وعناوينه.
هناك حراك غير مألوف، له خصوصية الابتكار، وصناعة الدهشة بتعددية التأويل التي تضيء في كل روح معنى وفكر معبرا عن محتواها مؤثرا بما ينتج من أغراض تأويلية.
(أرخت للريح دربا فانحنى عوجا
أسرى هطول ندى في الأرض فانفرجا
فكن كالضوء يجري في ربى عدن
به المدينة ولهى تبصر الهوجا)
تتميز قدرات الشاعر وليد حسين بإضافة الفكر إلى جمالية العمل الشعري، ليقدم إبداعه الفني بموهبة تمزج العاطفة بالعقل، وتصنع المؤثر بما يعزز القيم الفكرية، بمعنى أن النسيج الداخلي هو الذي يحتكم بعملية التوازن بين الجمالي والفكري ولهذا لا بد من الفطنة في إدراك الحراك التأويلي
وفهم عميق للواقع الذهني يلفت انتباه المتلقي، ويلج الفكرة إلى ما وراء المعنى
(يداعب الروح يمضي في مفارزها
وما تقلد إلا البوح كي يلجا
كم أرتجي.. وبلوغ الحب حاد بنا
عما تولى وغالى فيك.. ما انزعجا
أي المشارق من غاياتها ارتحلت
وأنت تحجب عن أقمارنا الحجبا)
خبرة الشاعر المقتدر تنظم تلك البؤر الفكرية إلى عمل إبداعي يعكس الفهم العميق لمبدعه، ففي عنوان قصيدة (وكاد يمسك عني) نتأمل هذه "الكاد" تفتح آفاق ما سيكون لكونه فلت من زمام الإمساك، و(كاد) فعل ماضي ناقص ويمسك فعل مضارع، يجعلنا نتحرر من سطوة الماضي ومن سطوة الإمساك، وهذا يفتح آفاق الأمل، "الكاد" محاولة سجن الواقع بالماضي، ولا يأتمن الدارج من الأمور وإنما يعمل لصنع المفارقة الأكثر مغامرة
(وأن تهيج ثمار الطلع مكتشفا
حجم البراعم في سعي بما درجا
فما عساني.. ونصفي عالق ثمل
يستمرئ الصمت هل يكبو اذا لهجا؟)
حالة من التفكير ترتبط بعمق ما سيلد، القدرات الفكرية الخصبة لكل نص تنطوي على ثراء التجربة وقدرة تحويل الاستفهام إلى منحى استقصائي يبحث في الواقع ويقرن التصور بالمغزى المضمر، ومعنى الخبرة الحقيقي يكمن في إخضاع القدرة الخلاقة لإرادة المبدع وتسخير السؤال إلى وجهة نظر.
(وكف بها بعض الرجاء تباعدت
وجيء بأخرى كي تحل محله
وينى بنا التغيير ما بال منهم
يعيش ضياعا والرؤى تستغله) ص18
والاستفهام المجازي يعطي إحساسا بعدم الرضا عن الحالة، وترتبط بحالات انفعالية نفسية ولكونه يسعى إلى تهيء الحالة الفكرية نجده يصرخ بتوبيخ يعبر عن غضبه بتقريع ولوم.
(هل تسترد ملامح الماضي
وتنسجها على مرأى
من الجيران
وكأن عصر أبن العميد
قد انتهى
متأثرا بالشح منذ هوان) ص24
تظل رؤية الشاعر تتجسد في المنحى الفكري ليصوغ لنا عمليات التفكير دلاليا ويمنح التصور بموجهات أفكار الشاعر الذهنية معبرة عن تداعيات الواقع وهذا ما يميز الجهد الإبداعي
((أ ليست الندوب شاسعة الاصداء؟
وأنت طاعن باللامبالاة
لا بديل
هذا ما ذكره جارنا أبو حسام
وهو يترنح مغشيا عليه
من السكر
بسؤال يختزل العولمة
لماذا لا يدخل الحمار مدرسة؟)
وينهي النص بحركة تمويه تأويلي
(نلوذ بقيامة معتمة
وتحيط بها الجهالة
من كل حدب
مع الإبقاء على (دال) ساكنة
تلقي بك الرحلة بفج سحيق فأجنحتي مكسورة
وأنا متوقف عن الطيران)
نجد أن شعرية وليد حسين الصارخة بهمس شعري تدفقت لتقديم مجموعة شعرية أكثر من رائعة.
|