أنحرفت القيادة الجديدة للإسلام بعد وفاة النبي ص واله عن المسار الذي اختطته السماء وسار عليه صلى الله عليه وآله ، واستمر هذا الانحراف لمدة أكثر من ٢٥ سنة تقريبا ، فإبتعد عن ذلك الخط النبوي بمسافة كبيرة ، فكراً وتطبيقا ، ولمّا جاء أمير المؤمنين عليه السلام وأستلم دفّة الحكم ، كان أمامه طريقان :
الأوّل : السير على نفس الطريق المنحرف مع إجراء تصحيحات تدريجية من شأنها تقليل هذا الإنحراف والميل به الى مساره الصحيح والإقتراب شيئاً فشيئاً الى الخطّ النبوي ثم بعد ذلك ركوبه والسير على هديه والتقدّم به الى الأمام .
الثاني : أن يترك الطريق المنحرف ويعود فوراً الى الخط النبوي وقطع أقرب مسافة للوصول اليه وعدم إتّباع المسار الذي يميل بالتدريج نحو المسار المستقيم ..
إختار أمير المؤمنين عليه السلام الخيار الثاني رغم صعوبته ، وأعرض عن فكرة المساومات والتنازلات والمجاملات والقبول بأنصاف الحلول وغض الطرف عن بعض الأخطاء الذي يستلزمه المسار الأول ..
وكان المسلمون على دراية جيدة بإختيار الإمام علي ؏ للمسار الثاني قبل تسنّمه الخلافة ، وكان هذا هو سبب عدم اختيار عبد الرحمن بن عوف لأمير المؤمنين ؏ في اللجنة السداسية التي وصّى بها الخليفة الثاني حينما اشترط عليه أن يسير بسيرة الشيخين ورفضها عليه السلام ..
وعندما قُتل عثمان بن عفان واجتمعت كلمة المسلمين على تولي أمير المؤمنين ؏ الخلافة صارحهم بأنه إن قَبِل الأمر فإنه سيسير بهم على طريقته التي يراها ، وقبلوا ذلك ، حيث قال لهم عليه السلام : ( دعوني والتمسوا غيري ، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت ، وأعلموا أنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغِ إلى قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمَن وليّتموه أُموركم ، وأنا لكم وزيراً ، خير لكم منّي أميراً )
ولهذا كان رأيه بعزل معاوية عن ولاية الشام مثلاً حدّياً ، ولم يقبل أي مساومة في هذا الأمر ، فعندما أشار إلى إبقائه المغيرة بن شعبة ، وقال له : اترك معاوية ، فإنّ لمعاوية جرأة فهو في أهل الشام يُسمع منه ولك حجة في اثباته لأنّ عمر بن الخطاب ولاّه الشام كلّها ، ولكن الإمام لم يقبل اقتراحه ، وقال عليه السلام : « لا و الله لا استعمل معاوية يومين أبداً » .
يتبع ..
|