• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تاملات في القران الكريم ح31 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تاملات في القران الكريم ح31

سورة البقرة
بسم الله الرحمن الرحيم 
 
وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{270}
ذكرت الاية الكريمة موضوعين , الانفاق والنذر , وقد يقصد بهما امرين :  
1- وجه الله تعالى : حيث ينفق المؤمنون ابتغاء مرضاته عز وجل , وينذرون النذور اليه جل وعلا . 
2- التقرب من الاوثان : الكثير من الامم والشعوب تعبد الاوثان , ومن عاداتهم تقديم النذور والقرابين لتلك الاوثان بغية دفع بلية ما او مرض او احداث طبيعية , وينفقون الاموال بقصد بناء اماكن ( معابد ) تعبد فيها تلك الاصنام ! .  
فتكون الاية الكريمة في محل خطاب منه عز وجل موجه الى : 
1- المؤمنون : المؤمن يعلم بأن الله تعالى عليما بكل شيء , لكنه سيزداد ايمانا ويقينا عندما يكون الكلام من قبله عز وجل موجه اليه بصورة مباشرة . 
2- الظالمون سواء كانوا من المسلمين ام من غيرهم : يستنتج الظالم من منطوق الاية الكريمة عدة امور : 
أ‌) ان كل ما يقوم به من افعال , وما يصدر منه من اقوال , فأن هناك رقيبا عليه , مطلع على كل شيء , يعلم بكل شيء , وان كان لم يدرك الايمان به . 
ب‌) بعض الظالمين يعلمون بوجود الها مطلع على كل شيء , لكنهم يفضلون عليه دين ابائهم واجدادهم . 
ت‌) الظالمون من المسلمين : اما اذا كان الظالم من المسلمين , فسوف يستنتج انه لا ناصر له , أي ان الله تعالى سيتخلى عنه , ويتركه ويسلمه الى ما كان ينفق وينذر النذور لأجله .      
 
إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{271}
ذكرت الاية الكريمة طريقتين لصرف الصدقة وقد فضلت احداهما : 
1- صدقة العلن : حيث ينفق المتصدق ماله علانية , ولذلك عدة فوائد نذكر اهمها : 
أ) كي يقتدي به غيره من ذوي الحال الميسور . 
2- صدقة السر : وهي التي تفضلها الاية الكريمة , حيث ينفق المؤمن ماله سرا , من غير ان يراه احد , ولذلك الكثير من الفوائد , نذكر منها : 
أ‌) التخلص من الرياء . 
ب‌) تمنع المن والاذى المشار اليهما في الايات الكريمة السابقة . 
ت‌) تثبيت النية الحسنة . 
ث‌) أوكد في النفس . 
يلاحظ المتأمل في الاية الكريمة , انها ضمنت وبشكل كبير تكفير بعضا من سيئات المتصدقين , فحرف الجر ( من ) هنا في مورد التبعيض ! .  
 
لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ{272}
هناك عدة مباحث في الاية الكريمة , نذكر منها : 
1- (  لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) : حيث ان الله جل وعلا يؤيد ويسدد ويهدي من يشاء لدينه القويم . 
2- (  وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ ) : في هذا النص اشارة واضحة , الى ان فوائد ومنافع الانفاق تعود الى المنفق نفسه , حيث بالنفقة في مواردها الصحيحة ولمستحقيها سلامة للمجتمع من مشاكل الفقر والحاجة , فتتلاشى كافة العوامل السلبية فيه , ويعم الامن والاستقرار , مما يعود بالخير والنفع للمنفقين والمتصدقين كونهم من افراد ذلك المجتمع . 
3- (  وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ ) : من الضروري جدا في عملية الانفاق ان يقصد المنفق وجه الله تعالى , أي يجب ان لا ينتظر المنفق خيرا او ردة فعل ايجابية من المنفق عليه تجاهه , كي لا يشعر ( المنفق عليه ) بالذلة والهوان ولو بمقدار قليل ,  وبعبارة اخرى , ان ينفق المنفق وهو لا يرجو ما عند الناس , بل يرجو ما عند الله تعالى فقط . 
4- (  وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) : زيادة في التأكيد للنص الذي سبق ( رقم 2) , مع تأكيد وعد الله تعالى بعدم نقصان الاجور والثواب المترتب على تلك النفقة (  وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) .    
 
لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ{273}
تذكر الاية الكريمة موردا من موارد صرف الصدقات , وتصف حالهم بعدة سمات : 
1- ( لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ ) : حيث ربط هؤلاء مصيرهم بالجهاد , فلم يسافروا لتجارة او عمل . 
2- (  يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ ) : الجاهل بحالهم ( من لا يعرفهم ) , يظن انهم في غنى عن العمل والتجارة , ولابد ان يكون لديهم المال الكافي لشراء حاجياتهم . 
3- (  تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ ) : يمكن التعرف عليهم , من خلال مظاهرهم , واثار الحاجة البادية عليهم , من حيث اللباس الرث , او علامات الهزال وسوء التغذية  . 
4- (  لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً ) : ابرز ما يميزهم عن غيرهم من المحتاجين , انهم لا يطلبون شيئا من احد , وان فعلوا فلا يلحون بالطلب .              
من ذلك يفهم ان القرآن الكريم نصيرا للفقراء والمساكين , ويطالب الاغنياء والميسورين من المؤمنين ان يخرجوا جزءا من اموالهم , وان ينفقوها عليهم , ( وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ{24} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{25}( سورة المعارج ) .  
 
الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{274}
تؤكد هذه الاية الكريمة على ان اجر وثواب المنفقين سرا ام علانية مضمون عنده عز وجل  , وتضيف اليه انهم (  وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) في الدنيا والاخرة .              
يستفيد المتأمل من هذه الاية الكريمة والاية التي سبقتها , ان القرآن الكريم , منصفا مناصرا للفقراء والمحتاجين , وفي الوقت نفسه , يثيب كل من ينفق ويتصدق عليهم من الاغنياء والميسورين , ابتغاء وجهه جل وعلا ! . 
 
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{275}
تذكر الاية الكريمة موضوعا من المواضيع الخطيرة على الاسلام والمسلمين , ( الربا ) , حيث يعد الربا من اهم اسباب الفقر والحاجة , لا بل ان الربا العامل الاشد خطورة على الفقراء والمساكين وذوي الاحتياجات الخاصة , فتشبه الاية الكريمة المرابي بأنه كالذي يصرعه الشيطان الرجيم من الجنون . 
يلاحظ المتأمل سعة رحمة الله تعالى , فتذكر الاية الكريمة ان من جاءته الموعظة , وانتهى عن اخذ الربا , فأن له (  فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ ) , ان شاء الله تعالى يغفر له , وان شاء يعذبه , فيستبعد المتأمل العذاب بدلالتين : 
1- (  فَلَهُ مَا سَلَفَ ) . 
2- ان الله عز وجل غفور رحيم , {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }الشورى25       
 
يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ{276}
تضمنت الاية الكريمة  وعدين من قبل الله عز وجل : 
1- (  يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا ) : وعد صريح منه جل وعلا من انه لن يبارك في اموال الربا , ولن ينفع صاحبها فيها . 
2- (  وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) : وفي هذا النص ايضا وعد منه عز وجل , من انه عز وجل سوف يبارك ويزيد وينمي المال الذي اخرجت منه الصدقة , وبالتالي سينتفع صاحب الصدقة بماله وينال البركة . 
يلاحظ المتأمل ان الاية الكريمة اختتمت بــ (  وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) , الحرمان من حب الله عز وجل سوف يكون من نصيب المرابي , والعكس بالعكس , أي ان الله جل وعلا يحب المنفقين والمتصدقين ابتغاء مرضاته ! .    
 
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{277}
تشير الاية الكريمة الى وعد من الله جل وعلا لمن اتصف بــ : 
1- (  الَّذِينَ آمَنُواْ ) : اول كل شيء الايمان بالله تعالى ورسله وكتبه وكافة الضروريات الاخرى . 
2- (  وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ) : كافة اعمال الخير , كما ان عمل الخير من غير ايمان , لا فائدة منه وفيه . 
3- (  وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ ) : قبل اقامة الصلاة يجب الايمان , والقربة الى الله تعالى بالعمل الصالح , كون الصلاة من اهم الاعمال الصالحة . 
4- (  وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ  ) : زكاة المال هي تطهيره , والتي ينبغي ان تدفع بالمقدار المعلوم ولمستحقيها .        
فمن اتصف بتلك الصفات حتما سيكون في مأمن من الخوف والحزن في الدنيا والاخرة , كونها من الاعمال مزدوجة الثواب , أي فاعلها ينال خيرا في كلا الدارين , وكما يلي : 
1- الايمان : المؤمن يجد حلاوة الايمان في قلبه , مما يطرد الخوف والروع والحزن عنه . 
2- العمل الصالح : يدخل السرور والاطمئنان على القلب , وهذا مما يطرد الخوف والروع والحزن عن صاحبه ايضا .
3- الصلاة : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر , حيث ان الفواحش والمنكرات هي المسببات الرئيسية لكافة الامراض النفسية كالخوف والحزن والكابة .... الخ . 
4- الزكاة : تقي من اشرس الامراض الاخلاقية الذميمة كالبخل والطمع وحب جمع المال وما ماثل ذلك ,  وهذا مما يطرد الخوف والروع والحزن عن صاحبها ايضا .
هذا في الدنيا , اما في الاخرة , فوعد عليه جل وعلا حقا ان يجنبهم ويبعد عنهم الخوف والحزن , بالمحصلة يكون صاحب تلك الصفات الاربع في مأمن من من الخوف والحزن في كلا الدارين ! .
 
 
 
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=18316
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19