ـ هل للدبابة روح؟ أم الحديد من الجماد؟
سؤال مثل هذا يعد جنونا في عرف العقلاء؟
(سؤال غريب والأغرب أني سمعت زوجي يكرر هذا السؤال على نفسه كمن يهذي.
أسئلة مباغتة تجعلني أشك بقابليته الذهنية ولا أعرف ما الذي تغير خلال هذه الإجازة، للجبهات أسرار على ما يبدو، وكلما أسأله:
ـ لا شيء
(ثم يعيد السؤال):
ـ رباب هل للدبابة روح؟
أشياء كبيرة وكثيرة كنت أستمدها من روح كربلاء من معناها المقدس، من كل خفقة قلب، عشت هذه المكابدات كلها وأنا صغيرة السن، كنت أحتفظ بها لنفسي أخشى أن لا يصدقني أحد.
(لم يبق أمامي سوى أن أكون قريبة منه أكثر، لأعرف ما هي العلة التي يعاني منها زوجي فالقضية لا يمكن أن تكون وصلت إلى هذا الحد دون مشكلة.
ما الذي جرى له في الجبهة، صحيح أنه وصلني صحيح الجسد لكن كانت هناك أشياء كثيرة متغيرة فيه، ربما الأحداث تترابط مع بعضها لكني لست طبيبة نفسية ولا أعرف شيئا عن علم النفس، ومع هذا لم يبق أمامي سوى البحث فيه عنه، ولا أخفيك إني صرت أخاف عليه، وأخاف منه، لهذا وجدت سؤالا غريبا يستحضرني ربما هو من بعض شظايا علم النفس
ـ هل كنت هناك؟
ابتسم لي بعلامات الرضا وكأني توصلت إلى سر من أسراره وإذا به يجيبني
ـ لا يا رباب لم تكن الصورة بهذا المعنى صعب أن نسترجع التاريخ قرون لنضع أنفسنا فيه، كنت شاهدا أرى الواقعة في ضميري، قضيت معظم عمري أفكر فيه وأشعر أن كل يوم أتقرب لا فهم سر القضية حين تكون خطوة مبصرة وبيقين.
أحيانا الظروف تجعل منك فيلسوفا كي تفهم، سألته
ـ ما الخطوة التالية؟
أجابني:
ـ الصحراء التي أرهقتها الشمس والجياد تجول في الوادي كل فريق له معناه، منها تقاد خوفا وهي تعيسة، ومنها من تشعر أنها سعيدة بموقف فارسها، ومنها الغبية التي لا هم لها في الحياة سوى علفها، ولا شيء غير هذه الجياد.
صار البعض يعتقد أن لا حكم على الجياد المواقف لفرسانها، جواد يركبه فارس من أنصار الحسين وجواد أخر يركبه فارس من جند ابن سعد، ما ذنب الجواد إذا عمي فارسه؟
الجبهة مثل الحياة كل يوم لها وجه جديد، حدث واحد يوقف الدنيا على خاطر مجنون، لا بد أن لا يطرد العقل كي تتزن الخطوة.
كان هذا الجواد سيء الحظ، فارسه ظالم جشع قاده لحرب الحسين عنوة من أجل أن ينال الجائزة، إذا كان الفارس أعمى فعين الجواد تبصر.
حكمة لا بد أن نستمد منها الحياة إذا كان الجندي تحت أمرة قائد غبي يقود الجند إلى هلاك عليه تقع الخطوة كونه يصبح قائد ذاته، وبمثل هذا الموقف نفسه ولد الحر بطف كربلاء، وكان صاحبي مبتلى يعود لمقاتل من بني تميم أسمه عبد الله بن حوزه التميمي تخطى فارسه الحد الفاصل بين الجند وفسطاط الحسين ينادي:
ـ يا حسين
والجواد منذهل لا يعرف ماذا يريد؟ بماذا يفكر؟ هو في كل الأحوال لا يعتبرها سبيل توبة، لان طريقة النداء توحي إلى التحدي ثم تخطى خطوتين وأعاد الصوت يا حسين وهو يقترب حتى كاد يصل مقدمة الفسطاط
(أشياء كثيرة تهز الروح وأنا استمع إلى زوجي وهو يتحدث عن الجواد ورحت أبحث في راسي عن الرابط بين الدبابة والجواد قلت لأتحامل على نفسي بالصبر وأتحدث معه بطريقة السؤال)
وهل أجابه مولاي الحسين عليه السلام؟
ـ ماذا تريد أنا هو الحسين
فقال التميمي والجواد يسمع بحرقة روح:
ـ يا حسين ابشر بالنار يا حسين.
حينها زعل الجواد كثيرا غضب الجواد وخاصة بعدما رفع الحسين يده للدعاء:
ـ ربي حزه إلى النار
ثار الجواد ضد فارسه وهو ينادي بألم:
ـ لبيك يا حسين.. وهب لنصرة الحسين عليه السلام رمى فارسه من على ظهره إلى الوادي وعلق رجله بالركاب، واخذ يجره.
وضع راسه في الأرض نفرت معه كل موجودات الأرض التي نظنها مجرد أشياء جماد بلا روح صارت مع الجواد، ترى الحجر يضرب براس ابن حوزة بقوة والشجر صار يضربه انتقاما للحسين عليه السلام وكل هذه الأشياء سمعتها تنادي:
ـ لبيك يا حسين
انتصرت الطبيعة كلها للحق، جعلني هذا الأمر أن أكون على يقين إن كل شيء في الكون قابل للثورة
سالت حينها:
ـ هل أحببت الجواد؟
ـ نعم هذا الجواد علمني كيف أثور لقضيتي، وأتمسك بهويتي، لهذا جعلني أؤمن بأن القضية قضيتي وليست قضية داعش، صرت انظر لها على أنها أرضي أنا
والخصم لا يملك فيها شيئا حين أنادي يا حسين، كانت الأرض كلها تنادي معنا لبيك يا حسين.
ـ ما الذي حدث؟؟
ابتسم وقال:
ـ تفاجئنا بأن دبابة اخترقت خيامنا واقتحمتنا على غفلة من الأمر، يقودها انتحاري بكل سرعة، قلت لنفسي ماذا يريد ابن حوزة ثانية من الحسين؟ ونحن نواجه الدبابة صرخت بكل قوتي يا حسين، حينها حدث الذي أذهل الكون لحظتها وكأن الدبابة تحولت إلى جواد ابن حوزة الذي رفض الظلم، حملت روحها وثارت على سائقها وقذفت نفسها في واد سحيق لتدحره واندحر ابن حوزة ثانية.
هنا عرفت أن الدبابة كانت بروح جواد! وأنا سمعتها تنادي لبيك يا حسين.
هنا أدركت عمق الجرح لا بد أن أكون بقربه في كل مكان فصرت لا أملك سوى أن أقبل راسه وأقول له الحمد لله على السلامة، ونحمد الله أن وهبنا الحسين عليه السلام.
|