• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : وجه الحسين.. آية الله الكرباسي .
                          • الكاتب : غفار عفراوي .

وجه الحسين.. آية الله الكرباسي

وجه الحسين.. آية الله الكرباسي

بقلم: غفار عفراوي

لا أعلم متى موعد بداية يومه، ومتى نهايته؟ متى يكتب؟ متى يقرأ؟ متى يرتاح؟ متى ينام؟ لا اعلم متى ينتهي يومه.

في كل عصر وزمان يبعث الله للعالمين بعامة وللمسلمين بخاصة آية من آياته المادية لتكون حجة عليهم يوم يكون الحساب والعقاب والثواب، يوم لا ينفع ولد لوالده ولا مرضعة لرضيعها ولا صاحب لصاحبته. ومن الآيات والحجج على البرايا والمخلوقات يكون هناك شخص متفرد ومتميز في صفاته عن الملايين من أقرانه بعلم وعمل وتواضع وجهاد وصبر وحكمة وعبقرية فذة.

تلك الآيات والحجج تبعث في النفوس الأمل كما أنها تبعث الحيرة والاستغراب من تزاحم صفات الخير والعبقرية والإنسانية وغيرها في شخص واحد.. فمنهم من ينهل من هذه الحجج ما ينفعه في دنياه وآخرته، ومنهم من تمر عليه الآيات وهو نائم لا يستيقظ حتى يوقظه ملك من الله مرسل لقبض روحه عن جسده المادي لتبدأ الحسرة والندامة تعشش في هذه الروح إلى ما شاء الله.

في هذا العصر الذي طغت المادة والمادية في جميع مفاصل الحياة فيه، وصار الباطل حقا والحق باطلا، بل صار الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف هو المتسالم بين الناس، يهب الله الإنسانية والإسلام والمذهب الحق رجلا فارق مغريات الدنيا وملذاتها وراحتها وطيباتها فصارت جميعها حب الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكان قلبه حسينيا وعقله حسينيا وفكره حسينيا، ووقته حسينيا، وكله للحسين، فذاب في الحسين فكراً وروحاً ومنهجاً وتاريخاً وجهاداً وصبراً وتواضعاً وأخلاقاً وكرما.. فكان حقا على من عرفه أو كاد أن يتعرف على هذه الشخصية الحسينية أن يلقبه بألقاب هو مستحق لها، وليس من باب المجاملة أو المبالغة أو حتى الغلو أو التعظيم الفارغ وحاشاه من ذلك كله. إذ يقول أخيه الشيخ صالح الكرباسي عن الموسوعة الكبرى ( واني إذ أبارك لشقيقي العزيز هذا الانجاز العظيم وأهنئه على ما حالفه من التوفيق العظيم الكاشف عن وجود تأييد الهي متواصل، ومباركة حسينية خاصة، وعزم إيماني راسخ، ومقدرة علمية نادرة، وكفاءة عالية متنوعة، واطلاع معرفي واسع).

كان الإمام الحسين في يوم الطف قد نادى ألا من ناصر ينصرنا فنصره خيرة أهل الأرض في زمانه، بل هم خير الأصحاب بضرورة التاريخ والأحاديث المروية، نصروه بالدم والروح والأهل والأطفال والمال وكل شي. لكننا نعلم أن الحسين عليه السلام لم يكن صاحب موقف وقتي ولا نداء وقتي وإنما كان يخاطب العالم بأسره جيلا بعد جيل، من كافة الطوائف والأديان والمذاهب والقوميات .. ألا من ناصر ينصرنا، معناها ألا من ناصر للحق .. الحق أينما كان ومهما كان .. فكان لزاما على الجميع وبالأخص أتباعه وشيعته أن يكونوا ناصرين له وللحق المتمثل به وبمنهجه.

فكان آية الله الشيخ الدكتور محمد صادق محمد الكرباسي دامت بركاته مصداقا للنصرة التي طلبها الإمام عليه السلام. فقد حمل هذا الفقيه العبقري لواء القلم والكتابة للدفاع عن قضية الإمام الحسين وفكر الإمام الحسين وتاريخه ونسبه وأخلاقه وكل ما يخص هذا الاسم المبارك يقول الدكتور نضير الخزرجي (كان الأشتر رضي الله عنه للمرتضى علي يمناه القابضة على السيف، وصار الكرباسي لسيد الشهداء عليه السلام يمناه القابضة على القلم، فسار الحفيد على خطى الجد، وربما وقع القلم في هذه الأيام أمضى من حد السيف وإن صدقا).

وما مؤلفه العظيم دائرة المعارف الحسينية إلا مصداق لما نشير إليه من إعجاز فكري وعلمي وأدبي وتاريخي. فقد بلغت لحد الآن أكثر من (700) مجلدا تضم 60 باباً في علوم مختلفة تجمعها النهضة الحسينية!! كأمر لا يصدقه عاقل ويستغربه أقرب مقربيه من أهله وصحبه ومحبيه. فهي تعتبر أضخم موسوعة فكرية في قرننا الحالي وربما في التاريخ. 

في زيارتهم الأخيرة (22/6/2012م) لمحافظة ذي قار لإقامة ندوة حول الموسوعة استمعنا إلى شرح موجز من قبل الدكتور الكاتب نضير الخزرجي من المركز الحسيني للدراسات في لندن حول الموسوعة ومؤلفها فذكر أن سماحته يعمل 20 ساعة في اليوم على الأقل أي أن هناك أياماً يعمل فيها أكثر من ذلك! وذكر أن وقت استراحته هو التحول من موضوع إلى آخر في التأليف والكتابة وليس النوم أو شرب الشاي أو التنزه كما اعتدنا في الغالب. وأضاف الدكتور إن ساعات نومه القليلة جدا ليست مغلقة أمام الناس فمن طلبه عبر الهاتف من أية دولة في العالم فانه ينهض من نومه ويقضي حاجة السائل مهما كانت.. لذا استطيع القول انه لا ينام أبدا.

وقد حدثت معي شخصيا هذه الحادثة كمصداق لقول الخزرجي، فان الأخير أعطاني رقم هاتف سماحة الفقيه المؤلف الكرباسي وقال اتصل به وخذ موعدك للقائه في كربلاء، أجبته إنني لا استطيع أن أتحدث معه مباشرة لكنه ألحّ عليّ وكانت الساعة الثانية ظهرا تقريبا. رن الهاتف أربع مرات فخجلت وأقفلت الخط لأنني قلت في نفسي لعله نائم. وما هي إلا دقيقة وإذا بالهاتف يرن وآية الله الفقيه الكرباسي يقول لي: عفوا هل اتصلت بي! أخبرته إنني آسف لأنني أقلقت ساعة راحتك: أجاب بكل أخلاق أهل البيت: ( إن وقتي كله مخصص لكم، ولا ساعة لراحتي).

هذا هو حجة الله وآية الله على الأرض، يتصل بنفسه هاتفيا برقم لا يعرف من صاحبه، ويكون بخدمته، ودون سؤال أو تحقيق أو تدقيق.

انه مؤلف الموسوعة الكبرى، الذي تفرد عن الآخرين بكل شيء، إذ يقول عنه أخيه صالح الكرباسي: (فقد كان حفظه الله ذا مقاييس خاصة فرضها على نفسه بإرادة حديدية لا تثنى ولا تقبل التراجع والتسامح في مجال العمل العلمي والمعرفي، فكانت مقاييسه تختلف عن المقاييس الطبيعية المتعارفة للآخرين تماما، فمثلا كان قليل النوم جدا بحيث كان نومه في الغالب لا يتجاوز الساعتين خلال الأربع والعشرين ساعة، وكانت أوقاته كلها موزعة بين الدراسة والتدريس والمطالعة والتحقيق والكتابة والتأليف والاختبار العلمي والاختراع والاكتشاف في شتى المجالات، ولم يُر منه تهاون أو تكاسل أو استصعاب بالنسبة إلى أي عمل أو مشروع قرر انجازه أبدا. فروح هذا الرجل العبقري لا تعرف الكلل والملل أبداً، وإنني لا أنسى أبداً كيف انه قرر أن يحفظ القران الكريم بالكامل خلال شهر رمضان المبارك فبدأ في حفظه مع بداية شهر رمضان، وما أن وصل الشهر الكريم إلى نهايته حتى كان قد فرغ من حفظ القران الكريم بتمامه عن ظهر القلب أمام ذهول الآخرين من هذه الموهبة العظيمة التي وهبها الله عز وجل إياه، ومن قوة عزمه وإرادته، وما انعم الله عليه من الذاكرة القوية).

نبذة عن الفقيه الكرباسي:

* ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل مالك بن الحارث الأشتر النخعي.

* ولد في مدينة كربلاء المقدسة في 5 ذي الحجة العام 1366هـ (20-10-1947م)

* أسس وساهم في إقامة نحو أربعين مؤسسة في مجالات مختلفة، حيث مسقط رأسه في العراق أو هجرته إلى إيران ثم بلاد الشام (لبنان وسوريا) ثم المملكة المتحدة وغيرها.

* له القدح المعلى والمساهمة في وضع حجر الأساس للحوزة العلمية الزينبية في دمشق سنة 1975م.

*تعدت مؤلفاته وتصنيفاته المطبوعة المائة، توجها بدائرة المعارف الحسينية في أكثر من سبعمائة مجلد.

*له سلسة (الشريعة) في نحو ألف عنوان في أبواب الفقه ومستجداته، صدر منها 22 كتاباً.

* له سلسلة ( الإسلام في ..) بعدد دول العالم، صدر منها ستة كتب.

*له تفسير قرآن بأسلوب علمي وحديث يقع في ثلاثين مجلداً وله تفسير آخر بعنوان "التفسير المسترسل) صدر منه الجزء الأول.

*له إبداعات في عدد من العلوم والفنون، منها فن العروض حيث أوصلها إلى 210 بحور وهي لم تتجاوز عند الخليل الفراهيدي المتوفى سنة 173هجرية 15 بحراً!.

*له أكثر من أربعة عشر ديواناً صدر منها اثنان.

*زود بأربع شهادات دكتوراه نظير انجازاته العلمية، من سوريا ولبنان وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. 

 

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=20063
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29