شخصيات المسرحية:
1ــ صوت الإمام الحسين.
2ــ يزيد بن معاوية: في الثلاثين من العمر.
يستغرق عرض المسرحية 15 – 20 دقيقة حسب اجتهادات المخرج، ومؤثرات السينوغرافيا حسب اجتهادات المخرج أيضاً.
خشبة المسرح على هيأة قصر فخم وفي وسطه يزيد على عرشه مزهواً وبين يديه قرد يلاعبه.
يزيد: (يتمايل وينشد فرحاً مستبشراً) لعبت هاشم بالمُلكِ فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل. ولا وحيٌ نزل. نزل نزل نزل نزل.
يترك عرشه ويقترب من الطست الذي ضمّ رأس الإمام الحسين. يرفع الغطاء ويخاطب الرأس:
يزيد: (يهز برأسه شامتاً) إيه .. إيه يا حُسين .. كتبتم تاريخكم يوم بدر فأقرحتم جفوننا .. اليوم نكتب تاريخنا ونقرح جفونكم .. (يقوم ويقهقه بصوتٍ عال) هيا يا قردي لنرقص فرحاً.
يتمشى يزيد راقصاً يتمايل مع القرد مردداً:
يزيد: طواك الثرى يا حُسينْ *** وقصاصاً لبدرٍ، حُنينْ (يكرر البيت الشعري عدّة مرات)
فجأة تهب عاصفة هوجاء مصحوبة بغبار كثيف ويظلم المسرح .. بعد دقيقة يضاء المسرح وقد انقسم إلى نصفين: نصف يمثل صحراء قاحلة مع صوت الريح والغبار وفيه يزيد كالتائه أشعثاً أغبراً، والنصف الآخر يمثل مرقد الإمام الحسين في كربلاء.
يزيد: (يلهث) أين أنا؟ .. أين مملكتي؟ (يتلعثم) أين قصري؟ (يتلفت) وأين حاشيتي؟ .. أين قردي؟ .. ماء .. أريد ماء .. أغيثوني بجرعة ماء .. (ينظر إلى هيأته الرثة) ولماذا أنا هكذا؟
صوت الحسين: بسم الله الرحمن الرحيم [فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين.]
يزيد: (يتلفت يمين وشمال ويتعثر) من أنت؟ من أنت؟ (يلهث) أريد ماء .. أريد ماء.
صوت الحسين: خذ يا شقي نفسه. (تسقط قربة ماء قرب يزيد .. يتناولها ويشرب الماء، ولكنه يطلب المزيد)
يزيد: ماء .. أريد ماء .. هذا الماء لَمْ يروِ عطشي .. يا هذا (يتلفت) ناولني قربة أخرى.
صوت الحسين: أعطيناك ماء يكفي لعشرة أشخاص، خذ هذه الثانية (تسقط قربة ماء ثانية قرب يزيد) .. ولكن تأكد يا يزيد لو أعطيناك الفرات كله لن يروي عطشك، فأنت ليس بظمآن للماء، بل للروح. روحك ماتت هناك في الشام في قصرك الباذخ يوم قررت ذبحي.
يزيد: (بعد أن يشرب القربة الثانية يرميها ويخاطب الصوت) : ماذا قلت؟ قصري الباذخ .. الشام .. الذبح .. من أنت؟ (بتلعثم) قل لي من أنت؟ (يضحك بهستيرية) أين قردي؟
صوت الحسين: أنا ذلك الذي حرمته وعياله من شرب الماء في كربلاء .. وقطّعتْ جسده سيوف ورماح جيشك .. وتركتم جثته في العراء .. وسبيتم عائلته بين البلدان.
يزيد: (بدهشة وخوف) الحسين بن علي. محال .. محال .. لا يمكن .. قتلناك في كربلاء .. وقطعنا رأسك .. رأسك كان أمامي في الطست .. وضربته بسوطي .. أتذكرُ ذلك جيداً.
صوت الحسين: نعم صحيح: ولكني لم أمت يا يزيد. نحن أهل بيت لا يموتون. كتب الله لنا الشهادة لنحيى ما دامت النجوم والكواكب والأقمار والسماء والأرض والكون .. أنت وأمثالك من طالبي السلطة بالباطل ومن صاروا عبيداً للشيطان هم مَن يموتون.
يزيد: (يتلوى) ولكن قل لي كيف تتكلم وقد طواك الثرى يا حسين، ودُفنت في كربلاء؟
صوت الحسين: أنت يا مسخ الشيطان لا تفهم ما نقول .. أنت شاب أخرق أغرتك السلطة بزبرجها وسعيت لها لاهثاً. غرورك وجبروتك أعمياك عن رؤية الحقيقة .. بحماقتك التي ارتكبتها في كربلاء حفرت مصيرك المخزي بيدك. أصبحت لعنة تترد بين السماء والأرض.
يزيد: (يزحف هنا وهناك) ماء .. أريد جرعة من الماء .. (يتلفت) يا حُسين: خُذ المُلك والخلافة (بتلعثم) والعرش. (يضحك بهستيرية) وخذ قردي أيضاً فهو أعز ما أملك في هذا الحياة. خذه يا حسين .. ولكن (بتذلل وانكسار) ناولني جرعة ماء .. أكاد أذوب من الظمأ.
صوت الحسين: سبق السيف العذل ولات حين مناص. بسم الله الرحمن الرحيم [فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون] .. ما زلتَ تتحدث عن المُلك والخلافة والعرش .. ما زلتَ في ضلالك القديم .. نحن لم ننافسك من أجل مُلك ولا خلافة ولا عرش يا أعمى البصيرة .. لم ننافسك من أجل دُنيا زائلة لا تساوي عندنا عفطة عنز .. وماذا ينفعنا عرش من خشب تأكله العِثة والأرضة .. لقد وهبنا الله عرش من قلوب الملايين من البشر .. أنظر واسمع (يظلم نصف المسرح الذي فيه يزيد ويُسلط الضوء على النصف الآخر حيث مرقد الإمام الحسين، مع هتافات الزائرين: يا حسين .. يا حسين)
يستمر العرض لمدة دقيقة. ويُعاد الضوء إلى النصف الآخر.
يزيد: (بتلعثم) الشيطان .. الشيطان هو السبب .. عقدتُ صفقة معه من أجل المُلك والخلافة والعرش (يضحك بهستيرية) والقرد أيضاً .. (يتباكى) يا ويلي .. خسرتُ صفقتي .. خاب ظني .. (يضرب الأرض ويحث التراب على رأسه) خاب ظني (يتباكى) .. قال لي الشيطان في جلسة سمر خاصة جداً لم يحضرها غير حبيبي القرد: يا يزيد أطفأ قنديل آل محمد وستربح مُلك دائم .. (يتباكى) يا ويلي خدعني هذا الوسواس الخناس .. لماذا صدقته؟
صوت الحسين: صفقتك مع الشيطان كانت خاسرة منذ البداية .. أما أنا فالحمد لله، ربحتُ صفقتي مع الله. هل تعلم لماذا يا شقي نفسه؟ لأن الله هو الباقي قي قي قي قي .. وغيره إلى زوال ال ال ال ال.
يزيد: (يصم أذنيه من صدى الكلمات ويتلوى على خشبة المسرح وهو يطلب الماء .. يسمع صوت الريح وهبوب العاصفة .. بذهول وخوف) ما هذا الصوت؟
صوت الحسين: هذه قيثارة الريح تعزف سيمفونية رحلتك إلى الجحيم .. إلى الشقاء الأبدي.
العاصفة تكنس يزيد من المشهد ويختفي. يظلم نصف المسرح الذي فيه يزيد، وتسلط الإضاءة على القسم الثاني ومقطع لمدة دقيقة لـ(ركضة طويريج) صورة وصوت.
ستارة
|