لو أنك أنفقت عدداً من (السنتات) وكلفت نفسك الإتصال بقناة (صفا) أو (وصال) أو غيرها من القنوات ذات المنهج (التكفيري) ، والمؤدلجة لشتم الشيعة واتهامهم بالكفر والزندقة ، والمقولبة لخلق (الفتنة) بين المسلمين ، ولو صادف أنك تحدثت مع (عرعور) مثلاً ، وسألته :- ما حكم من يسب الصحابة ؟؟؟ لكشر عن أنيابه ، ولتشدق بمصطلحات معروفة ورخيصة وسريعة ، ولقال لك بأن :- كل من يسب الصحابة فهو (فاسق ... فاجر ... كافر ... زنديق ... الخ) .
حسناً .. سنترك (عرعور) الآن ، وسنلجأ الى لغة العقل والنقل ، وأتمنى على من يريد (الرد) على مقالتي أن يكون موضوعياً ، ويرد بلغة (المنطق) ، وأن يكون من أتباع (الدليل) ، وأن لا يمارس دور الشاتم الناقم ، وأن لا يملأ صندوق بريدي بكلمات نابية تكشف عن انحطاط تربيته ، وتدني أخلاقه ، وتنم عن مستوى محيطه التربوي الضحل كما هي العادة في رسائل (الأعراب) التي تردني غالباً .
لست هنا في معرض تعريف (الصحابة) ، ولست في معرض تبيان حدود الصحابة والصحبة ، ولكنني سأنزل عند أبسط تعريف لكلمة (صحابي) ، والتي تفيد بأن الصحابي هو (من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، وسمع كلامه) ، وسأتنزل عند رأي من يرى بأن (الصحابة) كلهم (عدول) ، بمؤمنهم ومنافقهم ، بثابتهم ومرجفهم ، بشجاعهم وجبانهم ، وهذا التعريف يكفيني في غايتي من هذه المقالة .
ومن المؤكد أن حتى الصحبة فيها (أفضلية) ، وبذلك تتفاوت درجات الصحابة من حيث التصاقهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) ومدة الصحبة ، وكمية تلقيهم وحفظهم وتطبيقهم لأحاديثه ، ومسايرتهم له ، وثباتهم معه (صلى الله عليه وآله) ، وغيرها من المفاضلات .
ولذا ، فمن الطبيعي – تنزلاً - أن يكون (الخلفاء الراشدون) هم من أكثر الصحابة قدسية ورفعة ، على الأقل لأنهم (أخلفوا) الرسول صلى الله عليه وآله في قيادة الأمة ، وصيانة مسيرة المنهج والشريعة التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
وبالتالي ، فإن (سب أو شتم) خليفة من الخلفاء الراشدين هو أعظم وأشد - عند الله - من سب أو شتم أحد من باقي الصحابة ، وذلك لأن في شتم (الخليفة) جرأة على الصحابي نفسه أولاً ، وجرأة على موضع خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثانياً ، وفيها إجتراء على الأمة الإسلامية كلها ثالثاً .
وهنا سنتوقف للحظة لكي نقرأ ما أرودته كتب السيرة ، أمثال ما ورد في ((طبقات ابن سعد - ج 5 ص 25)) وفي ((أنساب البلاذري - ج 5 ص 70 ، 75 ، 91) (وفي ((الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري - ج 1 ص 43 ، 46 ،49، 57)) وفي ((تاريخ الطبري طبعة القاهرة سنة 1357 الجزء (الرابع) في الصفحة (407) والصفحة (477) وكذلك في الجزء (الخامس) صفحة 140 ، 166 ، 172 ، 176)) وفي ((العقد الفريد - ج 2 ص 267 و 272 و ج4 ص290)) وفي ((تاريخ ابن عساكر - ج 7 ص 319)) وفي ((الاستيعاب - ترجمة الأحنف صخر بن قيس)) وفي ((شرح ابن أبي الحديد - ج 2 ص 77 ، 506)) وفي ((شرح النهج في الجزء (الرابع) في الصفحة 458)) وفي ((تذكرة السبط - ص 38 ، 40)) وفي ((نهاية ابن الأثير - ج 4 ص 156و166)) وفي ((أسد الغابة - ج 3 ص 15)) وفي ((الكامل لابن الأثير - ج 3 ص 87)) وفي ((الفتوح لابن أعثم - ج1 صفحة (155) و (434)) وفي ((القاموس - ج 4 ص 59)) وفي ((حياة الحيوان - ج 2 ص 359)) وفي ((السيرة الحلبية - ج 3 ص 314)) وفي ((لسان العرب - ج 14 ص 193)) وفي ((تاج العروس - ج 8 ص 141)) وفي ((تذكرة الخواص لابن الجوزي/ ص61 و 64)) وفي كتاب ((الفتنة ووقعة الجمل - لسيف بن عمرو - ص 115)) وفي كتاب - المحصول - ج 4 ص 492)) وفي ((تاريخ أبي الفداء - المختصر في أخبار البشر - ج1 ص 172 و 239)) .
نقرأ كل هذه المصادر لنجد أن عائشة بنت أبي بكر (أم المؤمنين) وزوج الرسول (صلى الله عليه وآله) قد قالت مقولتها المشهورة بحق عثمان بن عفان :- (( أقتلوا نعثلاً .. إن نعثلاً قد كفر)) ، ثم قالت :- ((أشهدُ أنَّ عثمانَ جيفة على الصراط)) ، حين كان عثمان هو الــ (خليفة) الثالث للمسلمين ، بحسب التسلسل الزمني للخلفاء .
ولكي نجزء مقولة عائشة ، نجد أنها تنعت عثمان بن عفان بأنه (نعثلاً) ، وكلمة (نعثل) كما وردت في النهاية لابن الاثير ، والقاموس ، وتاج العروس ، ولسان العرب ، هي كلمة تحتمل أربعة معانٍ :-
· فإما أن يكون نعثلاً هو (الذكر من الضباع) .
· أو (الشيخ الأحمق) .
· أو إنه (كان رجلاً من أهل مصر طويل اللحية يسمى نعثلا) .
· أو (إن نعثلا كان يهوديا بالمدينة شبه به عثمان)
ولهذا ، أُلصقت هذه التسمية بعثمان بن عفان حتى يومنا هذا ، وهذه نبزة بالألقاب لا تخلو من (شتيمة) ، حتى بدأ الشعراء ينبزون (عثمان) بهذا اللقب في أشعارهم ، كما نقرأ
ومن جهة أخرى فإنَّ عائشة (تأمر) بــــــــ (قتل) عثمان ، مع الإلتفات الى أن (القتل) أو الدفع إليه أو الإعانة عليه هو أشد خطيئة من الشتم والسباب شرعاً وقانوناً ، ومع مراعاة أن قتل الخليفة (عثمان) في حينها لا يخلو من الـــ (فتنة) ، و (الفتنة أشد من القتل) .
وثُمَّ ، فقد أوردت عائشة في مقولتها :- (أقتلوا نعثلاً ، إن نعثلاً قد كفر) ... كلمة (قد كفر) ، وهي بذلك قد سبقت المسلمين بتأسيس مذهب (التكفير) ، ولست أعرف بالضبط كيف ستتم الإجابة عن أحد هذين السؤالين ؟ :-
1/ هل كان (عثمان) كافراً ويستحق القتل كما ادّعت أم المؤمنين ؟
فإن كان الجواب بــ (نعم) ، فــ (حيّـــا الله عائشة) ، ولعنة الله على عثمان (الكافر المستحق للقتل بكفره) كما ادعت عائشة ، لأنه انتحل أقدس وأرفع وأهم منصب في الإسلام وهو (الخلافة) ، وتقمصها وهو (كافرٌ) ، وهذا يستدعي أن يكون في جهنم وبئس المصير ، وهو يستحق (اللعن) والشتم والسب والتكفير ، وكل من يسبه أو يشتمه فهو يتخذ من (أم المؤمنين) قدوة له في ذلك ، وليس من المعيب أن يحذو الإنسان حذو (زوج الرسول) في تعامله مع عثمان وغيره ، خصوصاً وأن البعض يرى بأن (عائشة) هي أحب زوجات الرسول إلى الرسول (ص) ، وإن روحه فاضت بحضنها ، وإنها .... وإنها ..... الخ .
2/ هل إن شتم عثمان والإغراء بقتله و (تكفيره) هو محض (افتراء) من عائشة ؟
فإن كان الجواب بـــ (نعم) ، فلعنة الله على عائشة التي افترت على خليفة رسول الله وصاحبه ، وعليها إثم (الشتم والتنابز بالألقاب والأمر بقتل المسلمين وتكفيرهم) ، وبذا ، فلا جناح على من يسبها أو يشتمها ثأراً للخليفة ، وردّاً عليها ، بل واتهامها بأنها هي من أغرت وشجعت على قتل الخليفة ، وهي التي أشعلت (الفتنة) في صدر الإسلام ، (والفتنة أشد من القتل) .
ولست أدعي أنني محيط بكل كتب التأريخ الإسلامي ، ولن أدعي ذلك ، ولكنني جاهدت بمقدور ما أستطيع - بحثاً - لكي أجد أحداً من المسلمين قد اتهم أحداً من المسلمين (سراً أو علناً) بالكفر ، أو صحابياً سب (سراً أو علناً) صحابياً آخر غير عائشة أم المؤمنين ، ولكني لم أجد ، وربما يجد غيري ذلك ... والله أعلم .
ولو أننا وضعنا هذه الأسئلة أمام (عرعور) ، وواجهناه بما تقدم ، لأصابنا الصداع من تبريراته و (ثرثرته) التي ستنتهي غالباً بسب (الشيعة الروافض) واتهامهم بأنهم (يسبون الصحابة) ، ولبدأ باللف والدوران والتضعيف والتجريح والتملّص والرفع والخفض في محاولة للضحك على الذقون وإخفاء الحقيقة ، ومنتهياً إلى (الخاتمة) المتوقعة بأن (الشيعة) صفويون وعملاء لإيران ، ويسبون الصحابة ، ويتجرأون عليهم ، متناسياً بأن (سيدته) أم المؤمنين هي من شتمت عثمان بن عفان (ذا النورين) وخليفة المسلمين وصاحب رسول الله (ص) وأغرت بقتله .
وستجد (العرعور) متناسياً بأن (سيده) وقدوته وصاحبه (في الدنيا والآخرة) معاوية ابن أبي سفيان - الذي يترضى ويترحم عليه العرعور - هو من أمر بشتم وسب ولعن (أمير المؤمنين وأهل البيت ع) ، وجعلها (سُنــّة) من سنن المسلمين على المنابر ، حتى جاء (عمر بن عبد العزيز) فألغى هذه (السنة) وكانت له (منقبة) يذكرها التأريخ ويثبتها ليؤكد للجميع بأن (سب الصحابة) علناً ، وعلى المنابر هو ليس من (ابتكارات) الشيعة .
ولست أنكر أنني أقف حائراً أمام هذه الإزدواجية والكيل بمكيالين في موضوعة التعامل مع (معركة الجمل) و (حرب صفين) التي حدثت ضد أمير المؤمنين ، وخليفة المسلمين (علي) عليه السلام ، ولماذا لا يعتبرها المؤرخون وشيوخ التكفير من (حروب الردة) شأنها شأن ما حدث مع بقية الخلفاء من قبل ؟
وعلى كل حال ، نعود إلى سؤالنا الذي جعلناه عنواناً لمقالتنا هذه ، ونسأل بكل شفافية :- مَن الذي أسس مذهب (التكفير) ؟ ومن أسس لــ (سب الصحابة) ؟
ونضيف إليه أيضاً :- ما حكم من يسب الصحابة ؟ ويكفرهم ؟ ويغري بقتلهم ؟
أفتونا في أمرنا .
|