• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الذئب الابيض ! ح5 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

الذئب الابيض ! ح5

 قص الوزير حواس كل ما جرى عليه , واحزنه ذلك كثيرا , فقال : 
- لقد أخطأت كثيرا ! . 
- نعم ... في شأن قرية ريكان ... كان يجب ان اكون اكثر حذرا ! . 
- لا ... ليس ذاك فقط ... بل قتلك لجنود الملك سبهان ... هم ايضا من افراد الشعب ... دفعتهم الحاجة للانخراط في جيشه ... كي يحصلوا على المال ... ويعفوا من الضرائب ... لذا لا ينبغي لك ان تقتلهم ... وقتلك لجنود الملك عنيجر وجنود قافلة الملك سنافي ... ان لم يكونوا من شعبك ... فهم بشر ... ينبغي حقن دماءهم ... وعدم سفكها بغير طائل ! . 
- اذا لم تأت معنا ... سوف ارتكب الكثير من الاخطاء ! . 
تململ الذئب الابيض من ذلك , ونهض واقفا , ليقول : 
- لكني قد تركت الحرب والقتال منذ عشرون سنة ... وافضل ان ابقى معتزلا عن الناس ها هنا ! . 
ثم دخل في فتحة الكهف , تساءل الجميع ( ماذا سنفعل ؟ ) , فرد عليهم الوزير حواس : 
- سنتركه ليفكر ... وننتظر النتيجة ... لا يمكننا أجباره ! . 
بينما هم كذلك , تبعته نجود , فوجدته منكبا على قبر , وسمعته يقول : 
- لا استطيع ان افارقك ! . 
فقطعت عليه خلوته , وقالت له : 
- لو كانت صاحبة القبر تستطيع الكلام لقالت لك ( أذهب وانقذ شعبك ) ! . 
التفت اليها وقال : أحقا ما تقولين ؟ . 
- نعم ... انا متأكدة من ذلك . 
ثم اشارت الى القبر وقالت : 
- ما أسمها ؟ . 
فأجاب بحسرة وحرقة : 
- الاميرة فرطنه بنت الملك شكاحي ! . 
أثناء ذلك , لاحظ ضبابا يخرج من القبر , فتشكلت له سورة الاميرة فرطنه , وسمعها تقول له : 
- واجبك يحتم عليك الذهاب ... اذهب وخلص الشعب من محنته ... اما انا فراقدة ها هنا بسلام  ! . 
أسرع وأرتدى لامته الحربية , وهمّ بالخروج , لكنه لاحظ ان نجود تحدق في القبر , فقال لها : 
- بماذا تفكرين ؟ . 
- كنت افكر انه لا يوجد فرق بين قبور الامراء وقبور الفقراء ! . 
- نعم ... لا فرق ... منها واليها ! . 
خرج عليهم , فعلى صراخ الترحيب , وتبادلوا العناق فيما بينهم . 
ساروا مسرعين , حتى اذ وصلوا الى الغابات الكثيفة , فقال له الوزير حواس : 
- ها هنا مخبئنا ! . 
ظهرت علامات الغضب عليه , فأحكم سيطرته على غضبه , تمالك نفسه واجاب : 
- حواس ... الذئب الابيض لا يختبأ ! . 
- سيدي ... لم اقصد ذلك ... بل كنت اريد القول انه مقرنا ! . 
- حسنا ... اذهبوا انتم ... اما انا فسوف اذهب للتجول في المدن والقرى ! . 
أستغرب الجميع , وقالوا بصوت واحد : 
- لوحدك ! . 
- نعم ... لوحدي ... وما الضير في ذلك ؟ . 
تركهم وانطلق , دخل في اول قرية مر بها , فلم يجد فيها احدا , ولاحظ ان الابواب مختومة بختم الملك سبهان , فعلم انها صودرت , غادرها الى قرية اخرى , فشاهد بعض الناس ممددين على الرصيف , اخذ منهم الجوع مأخذه , وفتكت بهم الامراض , فرحوا لما شاهدوه , لكن لم يقو احد للنهوض لتحيته , أعتصر قلبه مما رأى , وسالت دموعه على خديه , وأنطلق مكملا طريقه , حتى دخل في مدينة , فرأى اشخاصا ينقلون جثث الموتى في عربة تجرها الخيول , ورأى نفس المنظر , أصيبوا بالدهشة لما شاهدوه , اقتربوا منه , وسألوه ان كان هو ام ان شخصا اخر قد تزيا بزيه ؟ , أكد لهم انه الحقيقي , تفوقت اللهفة والفرح لدى بعض الجياع والمرضى على الالم والمعاناة , فحركوا ايديهم مرحبين , مستنجدين , لم يقو على المعاينة , فترجل من حصانه , يذرف الدموع , جلس بالقرب منهم , وصرخ بصوت مرتفع ( شعبي ! ) . 
لم يقو على مشاهدة المزيد , فغادر المدينة ومتوجها نحو القلعة , ضج الجنود , وعمت بينهم الفوضى , تراجعوا الى الوراء , كأنهم لا يريدون لقاءه . 
                     ***************************** 
كان النادل يملأ الكأس الذي بيد الملك سبهان , فجأة تشنجت يداه , وأنسكب النبيذ على الارض , وأبتلت اطراف ثياب الملك سبهان , فصرخ الوزير مريطي بالنادل موبخا , الا ان الملك سبهان جفل بمكانه , وطلب من الوزير مريطي ان لا يوبخه , وامره بالانصراف , حالما انصرف النادل , قال الملك سبهان لوزيره : 
- لابد وان شيئا غريبا قد حصل ... اذهب لترى ماذا حدث ؟ . 
اثناء ذلك , فتح الباب ودخل الجندي مناديا : 
- شخص يرتدي زي الذئب الابيض يقف امام القلعة ! . 
سقط الكأس من الملك سبهان , وأسرع نحو الشرفة , ليشاهد ويسترق النظر . 
                   *********************************** 
وقف الذئب الابيض متأملا القلعة , التي طالما دافع عنها , يحدق في الابراج والجنود , يستذكر تلك الايام الخوالي , فصاح به احد الضباط , قاطعا تأملاته : 
- ماذا تريد ؟ . 
فلم يجبه , ولم يعره أي اهتمام , نظر الى يساره , فشاهد ان الناس قد تجمهروا متفرجين , بعد ان ذاع بينهم خبر مجيئه , ولاحظ على يمينه ان الوزير حواس قد جاء بصحبة الفرسان ومن معه من الثوار , كأنهم جاؤوا للدعم والمساندة . 
لاحظ ايضا ان الملك سبهان قد طل من شرفة القلعة حاملا سيفه , فحدق فيه طويلا , وقال له : 
- سبهان ... لا مشكلة بيني وبين هؤلاء الجنود ... المشكلة بيني وبينك ... اقبل لمبارزتي ... فأن قتلتني فالمملكة مملكتك ... والشعب شعبك ... وان قتلتك ... تحسم المشكلة ... ويعتلي العرش من هو اجدر وافضل منك ! . 
نظر الملك سبهان يمينا ويسارا , فصرخ بالجنود : 
- تقدموا له ... الا ترونه لوحده ؟ . 
لم يتقدم احد , فصاح الذئب الابيض : 
- سبهان ... لقد كنت قائدا للجيوش ... وكنت محاربا عظيما ! . 
- لقد كنت ... انت قلتها ... لقد كنت ... اما اليوم فأنا ملك ! . 
- سبهان ... اذا ما فائدة السيف الذي بيمينك ... تعال الي ... وجربه معي ! . 
نظر الملك سبهان الى سيفه , وكأنه لم يشاهده من قبل , فرماه , واجال نظره في الجيش , بينما ارتبك الجيش وضباطه , يخشون ان يختارهم للتقدم , فأختار احدهم فصاح فيه : 
- خريجان ... خذ سريتك واسكتوه ... ثم اجلبوا رأسه لي ! . 
تقدم خريجان مختالا بجواده , بينما جنوده راجلين , حتى اذا وصلوا الى مكان قريب منه , توقفوا , وامر سريته ليجردوا السيوف , فجردوها , وامرهم بالتقدم , لكن احدا لم يجرء , صرخ فيهم , فلم يستجيبوا له , سبهم وشتمهم ونعتهم بالجبناء والخونة , لم يعيروه أي انتباه , فأعترض عليه الذئب الابيض قائلا : 
- ايها الضابط الشاب ... لا تنعتهم بالجبناء والخونة ... فهم ليسوا كذلك ... تقدم لي انت ... فأنت اولى بالتقدم الي منهم ... واثبت شجاعتك وبطولتك لهم . 
رحب جنود السرية بكلامه , وهتفوا لضابطهم ان يتقدم , فوقف متحيرا , مترددا , ينظر الى الملك سبهان , ويحدق في جنوده , وكأنهم شامتين به , ثم ينظر الى الذئب الابيض , ذلك البطل الاسطورة , الذي طالما حكا له امه وابيه بطولاته , ولقبوه بأفضل الالقاب , كـ ( حامي الشعب ) , ( البطل المغوار ) , فأتخذه قدوة له مذ كان طفلا , ولم يتصور يوما انه سيقف هذا الموقف لمواجهته , فقطع عليه الذئب الابيض شروده وحيرته : 
- انت راكب ... وانا راجل ... لك السبق بواحده ... هيا أري شجاعتك لجنودك ! . 
نظر الى الجنود , فرأهم يبتسمون , بعضهم يبتسم بخبث , وبعضهم شامتا , فأتخذ القرار , ترجل من فرسه , استل السيف من غمده , وتقدم نحوه , حتى اذا ما اقترب منه اكثر واكثر , رفع سيفه الى الاعلى , ثم غرسه في الارض , وانحنى بين يديه قائلا : 
- ليس من الشجاعة مبارزة النبلاء ... وقتل الشرفاء ... بل ان قمة الشجاعة اداء ما يمليه على واجبي وضميري وخدمتي لشعبي ... أضع نفسي وسريتي بين يديك .. وتحت امرتك ! . 
لم يكن الذئب الابيض قد استل سيفا , فأبتسم له وقال سائلا اياه : 
- من اين تعلمت هذه الحكمة ؟ . 
- مما ترويه الاساطير عنك ... سيدي ! . 
طلب منه ان ينهض , فعانقه عناقا حارا , وقال : 
- لم يخب ظني بالشرفاء من شعبي ! . 
هلل جنود السرية , واقبلوا عليه معانقين , وهلل معهم عامة الناس الى يساره , ورفع الوزير حواس ومن معه رايات النصر , بينما دبّ الرعب والهلع في جنود الملك سبهان , فطلب منهم مغادرة الميدان , والانضمام الى الوزير حواس ورفاقه . 
استشاط  الملك سبهان غضبا , وطلب من سرية اخرى تابعة لجيش الوحوش , الجيش الذي جمعه من المناطق الهمجية البعيدة , وكانوا يتسمون بالغلظة والخشونة , وضخامة الحجم , وولائهم له , تقدمت السرية , وتوقفت بالقرب من الذئب الابيض , فتقدم احد المتوحشين لمبارزته , تدلى على رقبته قلادة كبيرة , فيها اشياءا كثيرة , كخرز وانياب حيوانات , وعلق حلقة في انفه , فسأله ساخرا : 
- من جلبت هذه الاشياء التي تعلقها ؟ ! .
- وما شأنك انت ؟ . 
- لعلي اريد ان اشتري مثلها لاعلقها هنا وهنا ! .
واطلق ضحكة خفيفة , فقال المتوحش : 
- أتهزأ بي ؟ ! . 
فحمل عليه , لكن الذئب الابيض لم يكن قد استل سيفه , واكتفى بتفادي ضرباته , وقال له سائلا : 
- من أي البلاد انت ؟ . 
- من بلاد بعيدة جدا من هنا ! . 
- الديك زوجة واطفال ؟ . 
- نعم . 
- اذا جئت الى هنا لتعمل في جيش سبهان ... فتحصل على المال لترسله لهم ! . 
- نعم . 
- ألا يهمك ان تعود الى بيتك وعائلتك سالما ؟ . 
- نعم ... يهمني ذلك . 
- تقدمت لمبارزتي وتحتمل حدوث احد الامرين ... اما ان تموت ... ولن تعود الى عائلتك ابدا ... ولن تراهم ويرونك مرة اخرى .... او تقتلني ... فتحصل على المال ... وترسله ملطخا بدم شعب بريء لهم . 
توقف المتوحش من توجيه الضربات , وفكر في كلامه , لكن الذئب الابيض استرسل في الكلام : 
- هل يعلمون بذلك ... هل يعلم اطفالك وزوجتك انك ترسل لهم مالا ملطخا بدماء شعب مظلوم , مغتصب الحقوق ... فماذا سيقولون اذا علموا ؟ ... هل ستكون عندها قدوة حسنة لاطفالك , فيتباهوا ويتفاخروا بك ! . 
اطرق المتوحش مفكرا في كلامه , وشعر بشيء من الحزن يسري بجسده , وقال : 
- سأكون قدوة سيئة لاطفالي ولعائلتي ! ... لقد سمعت بك كثيرا ... الان قد عرفت حقيقة الاساطير التي كانت تروى بفخر عنك ... ولاحظت انك لم تجرد سيفك بعد ... رغم حملاتي عليك ! . 
رمى سيفه , وانحنى امامه , فأبتسم الذئب الابيض وربت على كتفه , وقال : 
- عظيم هو الانسان بعقله وضميره ! . 
طلب منه النهوض , وسأله : 
- ان تركت سبهان ... فماذا سترسل لعيالك ؟ . 
- أفضل ان اعود لهم قالبا سالما فارغ الجيوب ... على ان اعود لهم محملا بمال ملطخ بالدماء ... مصحوبا بألام الفقراء ... وصيحات المرضى والجياع ! . 
وضع نفسه تحت امره , فطلب منه ان يلتحق بالوزير حواس ورفاقه , شاهد قائد سرية الوحوش ما حدث , فحمل مسرعا على الذئب الابيض , الذي جرد سيفيه هذه المرة , فصد ضربة قائد الوحوش بسيف الايسر , ليقتلع رأسه بسيفه الايمن , برشاقة , بسلاسة ويسر , فسقط جثة هامدة . 
شاهد الجميع ما حدث , وزاد اضطراب الجيش , عندما شاهدوا سرية الوحوش تتراجع , ثم لاذوا بالفرار, ولم يجرء ان يتقدم احد منهم , فعمت القلاقل : 
- أرأيت ... بضربتين قتل هذا العلج المتوحش ! . 
- بعدة ثوان صرع هذا المتوحش ! . 
التفت الملك سبهان الى الوزير مريطي , وقال له : 
- ماذا ترى ان نفعل ؟ . 
- فليبارزه القائد خورشيد ! . 
- كلا ... كلا ... القائد خورشيد القائد العام لكل الجيوش ... وان هزم ومات ... تنكسر بموته كل جيوشي ! . 
تقدم الذئب الابيض الى الجيش , حتى وقف في وسطهم , يبادلهم ويبادلونه الابتسامة , لم يطلب منهم ترك السلاح , ولا ان يتركوا الملك سبهان , بل يرحب بهم ترحيب صديق عاد من سفر بعيد , بعد ان تعرف على بعضهم من المسنين , فقالوا له : 
- اننا معك ... كنا ننتظرك طوال هذه المدة ... الا اننا نرجو منك ان تمهلنا يومين فقط ! . 
- لماذا ؟ . 
- ينبغي ان تدفع رواتبنا بعد يومين ... فأمهلنا حتى نستلم المال ! . 
- حسنا ... لكم ذلك ... انا في خدمة شعبي ! . 
 
                *****************************  يتبع 

كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : حيدر الحدراوي ، في 2013/05/15 .

الاخ عراقي
الاروع مروركم البهي وتعليقكم العطر .. انشاء تبقون معنا للاخير

• (2) - كتب : عراقي ، في 2013/05/14 .

رائع يا حد راوي
كم أتابع هذه القصة بشغف
كم هو رائع ما تسرده من تفاصيل



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=31039
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28