• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الذئب الابيض ! ح12 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

الذئب الابيض ! ح12

يشرح الذئب الابيض خطته , والجميع يستمع بأنتباه شديد : 
- سنقسم جيشنا الى خمسة اقسام ... القلب بقيادتي مع ثلاثون الف جندي ... الميمنة بقيادة حواس بعشرين الف جندي ... الميسرة بقيادة سندال وتليفه بعشرين الف جندي ... خمسون الف جندي يتوزعون على الجبال والغابات والاودية الضيقة ... يهاجمون من هناك بكل ما لديهم من وسائل ... الحجارة – النبال – الرماح ... وليتجنبوا الاشتباك معهم قدر المستطاع ... والبقية الباقية من الجيش ستبقى في الخلف ... لا تشارك ابدا . 
- هذا هو توزيع قوتنا ... فكيف بسير المعارك ؟ . 
- ان ابا كرشوله سيكون في قلب جيشه ... سأشتبك معه ... ثم نبدأ بالتراجع الى الخلف ... عندها يتقدم حواس ومن معه باحداث ثغرة و يلتف عليه من شماله ... وسندال يجب ان يحدث ثغرة ويلتف عليه من يمينه ... عندها نطبق عليه من كل الجوانب ... فنعمل على عزله مع من لديه في دائرة ضيقة ! . 
- الكماشة ! . 
- نعم ... الامر كذلك ! . 
- سيدرك  قادة جيشه الخطة ويهبون لنجدته ... او ربما سيدرك هو الخطر فينسحب ؟ . 
- لا تقلقوا من ذلك ... فلدينا عنصر المفاجأة الذي سيشغلهم عن تقديم النجدة له ! . 
التفت الذئب الابيض الى قائد جيش الملك عنيجر وقال له : 
- ستكونون خلف حواس مباشرة ... تساندونه وتشتبكون معه ان لم يتمكن من الاختراق ! . 
- حاضر سيدي ! . 
ثم التفت الى قائد جيش الملك سنافي وقال له : 
- ستكونون خلف سندال وتليفه ... تساندونهما وتشتبكون معهما عندما لم يتمكنا من احداث الثغرة المطلوبة ! . 
- حاضر سيدي ! . 
- اتعتقد ان هذه الخطة ستنجح  ؟ . 
- ان نفذت بشكل دقيق دونما تهاون ستنجح ... والا فمصيرها الفشل ! . 
- لم تخبرنا عن عنصر المفاجأة التي لدينا ؟ . 
- فليبق هذا سرا بيني وبين المستشار الحكيم جوحي ! .
- وماذا عن القسم الذي سنتركه في الخلف من جيشنا ؟ . 
- في كلا الحالتين الفشل او النجاح يكون قد نال منا التعب ... عندها يتقدمون لنحظى بقسط من الراحة ! .     
انصرف الجميع ليتخذ كل موقعه ويباشر بأجراء اللازم .  
                    ********************************** 
اجتمع ابو كرشوله بقادة جيشه , لم تظهر عليهم علامات القلق من الهجوم الشامل , فأظهروا علامات الاستهزاء : 
- لقد هزمناهم في المرات السابقة شر هزيمة ... ولن يكون الهجوم الشامل الى ساحة تدريب لقواتنا .
- لم نأت للقتال ... بل جئنا للنزهة ! . 
- سنسحقهم بوقت قصير ... لا يمتلكون مهارات قتالية كافية لمواجهتنا ! . 
لاحظ ابو كرشوله وهو يتفحص وجوه قادته بصمت مطبق , ويستمع لقهقهاتهم المرتفعة , فصرخ فيهم قائلا : 
- يجب ان لا تستهينوا بالذئب الابيض ... الفرق شاسع بينكم وبين قادته ... اراهن ان قادته مشغولون الان باعداد العدة واجراء الاجراءات اللازمة ... بينما انتم مشغولون بالشرب والاكل والضحك واللعب ! . 
- لاننا نملك زمام الامور ! . 
                           ****************************** 
اشرقت شمس صباح جديد , لتعلن بداية يوم دموي جديد في تاريخ الانسانية , يوما يقتل فيه الانسان اخيه الانسان شر قتلة , يمثل به شر تمثيل , فيسقى الارض من دمه , ويطعم وحوشها من لحمه , في لقاء لا كلمة فيه تعلو على كلمة السيف والحديد , لا يرحم فيه الحي , ولا يسلم الميت من دق عظامه , وبلغة ليس في قاموسها سوى كلمات الدمار , الخراب , الوباء , اللعنة ! . 
اصطفت صفوف الفريقين , واتخذ كل مكانه , تقدم ابو كرشوله جيشه الجرار , جرد سيفيه ليعلن الهجوم , فهرع بني البشر جريا لحتوفهم , اشتبكت الاسنة , وخيمت اشباح الشياطين سماء المعركة , لتلتقط ارواح القتلى , غرقت الارض بالدماء , صرخات تعلو على صرخات , لا صوت يعلو على صرخة موت , تنزع الروح انتزاعا , تجردها من جسدها تجريدا , سلخا كما يسلخ الجلد , تسرقها السيوف من صاحبها . 
بدأ الذئب الابيض بالتراجع والتقهقر , ليندفع ابو كرشوله بقوة , اثناء ذلك , شرع الوزير حواس بالاندفاع على يساره , ومن خلفه قوات مملكة عنيجر بقيادة شلهوب , فتمكن من احداث ثغرة , والالتفاف من خلالها , ليطبق عليه , بينما سندال وتليفه ومن خلفهما جيوش الملك سنافي بقيادة دودان تحاول جاهدة احداث ثغرة يمكنهم من الولوج خلالها , فشق ذلك عليهما وعسر , الا ان تدخل القائد دودان الذي اندفع بقواته بشكل مباغت وسريع , والتفوا حول ابو كرشوله من اليمين . 
توقف ابو كرشوله ليحدق في الارجاء , فلاحظ الخطة , وحاول التراجع , بينما ادرك قادته مجريات الامور , فهبوا لنجدته , لكن شاغلتهم رميات المنجنيق , والصخور التي تتساقط من الجبال , والنبال والرماح من الغابات والاودية الضيقة . 
امر الذئب الابيض بارسال المزيد من الجنود لدعم جبهة الوزير حواس وسندال , اثناء ذلك كان المستشار الحكيم جوحي يراقب سير المعارك , ويحدق في جميع الاتجاهات , ينتظر اللحظة الحاسمة , الوقت الانسب لاطلاق الاشارة , اشارة تدخل الوحش كباشي , حين لاحظ تدفق قوات ابو كرشوله لفك الحلقة الضيقة التي وقع بها , اضرم النار بكومة القش والخشب التي بجواره , فأرتفع الدخان في السماء , شاهد الوحش كباشي الاشارة , فأدرك انها لحظة تدخله , وعلم ان الساعة ساعته والزمان زمانه ! . 
اقتلع شجرة كبيرة , حملها بكلتا يديه , وشن هجوما مباغتا من خلف جيوش ابو كرشوله , الذين بهرهم خروجه , وارعبهم منظره , فأخذ يكنسهم من سطح الارض كنسا بتلك الشجرة , وتقدم نحو الوسط بسرعة , كثور هائج , لا يمكن ايقافه , فعم الاضطراب والتشرذم , واصبح قادة جيش ابو كرشوله متحيرين , لا يحسنون صنعا , ايتقدمون لنجدته , ام يشاغلون الوحش , ام يلملمون شراذم جنودهم ؟ ! , وماذا عن احجار المنجنيق , وصخور الجبال , والنبال كالمطر تتساقط من السماء ؟ ! . 
تأمل ابو كرشوله في محنته , وحدق في الوحش , وتمعن النظر في تشرذم جيشه الجرار , فألتفت الى القائد جدعان وقال له : 
- جدعان ... هل هي النهاية ؟ ! . 
- سيدي ... ان المعارك لم تنته بعد ! . 
- اشعر كأن قيامتي قد مات ! .
- لا يزال هناك الكثير من جنودنا يحاولون فك الحصار ! . 
- وايضا اعدادا كبيرة منهم تدفق لمزيد من الدعم ! .           
تقدم الوحش كباشي نحو المنصة الملكية , حيث زوجة الملك سبهان واولاده , فأمتلئت رعبا , صرخت بالحراس , لكن ما من مجيب , فقد هرب الحراس ولم يبق منهم احد , فحمل الوحش كباشي جذع الشجرة عاليا , وضرب به المنصة , فحولها الى ركام , كان لذلك تأثيرا سلبيا على معنويات الجنود , وهم يشاهدون المنصة الملكية تتحطم , فقال بعضهم لبعض ( هذا نذير سوء ) . 
كان المستشار الحكيم جوحي يراقب سير المعارك في جميع الجبهات , فالتفت الى القائد رودان , قائد الجيوش الخلفية , وقال له : 
- رودان ... قسم جيشك الى عدة فرق ... واشرع بملاحقة ومطاردة فلول جيوش ابا كرشوله كي تمنعهم من التجمع مرة اخرى ! . 
- حاضر سيدي ! . 
قسم القائد رودان جيشه الى خمسين فرقة , كل فرقة بألف جندي , وامرهم بمتابعة فلول الجيش المنكسر , فلاحقوهم وتابعوهم , بعد ان خرجوا عليهم بشكل مفاجأ وسريع , فلم تتمالك فلول ابو كرشوله نفسها , فتشتت مبتعدة عن ميدان القتال , بلا قائد او موجه , بلا دليل او معين , هاموا على وجوههم في البقاع .   
بينما ابو كرشوله يقاتل بضراوة هو ومن معه داخل الحلقة , وقلة قليلة تقاتل خارجها , هتف فيهم الذئب الابيض مناديا اياهم بالاستسلام , لكن ابو كرشوله لم يوافق ازدادت ضرباته المؤلمة لكل من يدنو منه , اخبره الذئب الابيض بمجريات الامور خارج الحلقة , املا منه ان يوقف الاقتتال , لكن دون جدوى , بين صفوف مقاتلي الذئب الابيض كان هناك من يحمل شباكا وسلاسل , يتحينون الفرصة المواتية لرميه بها , فوجه النبالون رشقات نحوهم , اصابت الكثير , واعاقتهم عن القتال ,  بينما كان ابو كرشوله يتفادى رشقات النبال , القيت عليه الشباك , ورميت بين قدميه السلاسل , فألتفت الشباك حوله , وسحبت السلاسل من تحت قدميه , فسقط على الارض , وافلت سيفيه , حاول البعض نجدته , الا ان النبال حالت دون ذلك , جروه الى داخل معسكر الذئب الابيض , واخذ قادته وجنوده يبحثون عنه فيما بينهم , ويتفحصون جثث الموتى  : 
- اين الملك ابو كرشوله ؟ . 
لم يعثر عليه احد , فشاع بينهم انه مات , وقال اخرون انه طار محلقا في السماء , واطلق اخرون العنان لخيالاتهم , فقالوا ( تلاقفته الملائكة , فحملوه الى مكان امن ) , صرخ فيهم القائد جدعان قائلا : 
- كفوا عن هذه الترهات ! . 
- لابد من اشاعات تبعث الحماس في النفوس ! .  
- الان انا القائد ... وانا سوف اقرر ما يجب وينبغي ! . 
طلب منهم الذئب الابيض الاستسلام  , لكنهم لم يجيبوه , واستمروا في القتال , امعن القائد جدعان النظر في مقاتليه داخل الحلقة , وقدر انهم يزيدون على اربعة الاف مقاتل , ورمى مقاتليه خارجها , فقدر ان عددهم يربو على عشرة الاف مقاتل , حدق في الوحش الذي يكتسح السرايا اكتساحا , ووجه انظاره الى السماء , ليرى احجار المنجنيق والنبال لا زالت تتساقط , تفحص وجوه جنوده , فشاهد علامات الاعياء والوجوم قد ارتسمت عليها , فقرر ان ينسحب , فأعترض قراره ضباطا اخرون : 
- اننسحب بدون الملك ابو كرشوله ؟ ! . 
- لا مناص من ذلك ... ان بقينا سنموت جميعا ... يجب ان ننسحب لنعيد لملمة جنودنا . 
- لم لا نستسلم ... ربما الاستسلام السبيل الاسلم ؟ ! .         
انقسم من في داخل الحلقة الى ثلاث فرق , فرقة تؤيد القائد جدعان بالانسحاب ولملمة الجيش , وفرقة تصر على القتال , والفرقة الثالثة تفكر في الاستسلام , بعد ان اعدم كل امل بالنجاة . 
أظهر قائد كل فرقة تمرده على القائد جدعان , الذي يؤكد لهم ضرورة ايقاف القتال في الوقت الراهن , ادرك الذئب الابيض الامر , وامر بفك الحلقة , ليسمح لهم بالانسحاب , او بالمزيد من الاختلاف عند ولوج المقاتلين من خارجها , رجحت كفة القائد جدعان عند ذلك , وشرعوا بالانسحاب , ليكونوا عرضة لهجمات الوحش كباشي , ولمطاردة قوات رودان . 
وضعت الحرب اوزارها , واحضر الملك ابو كرشوله مقيدا بالسلاسل والحبال بين يدي الذئب الابيض , وعلامات الذل ترتسم على سحنات وجهه , فامتعض من ذلك , فقال صارخا فيهم : 
- ما هكذا تعامل الملوك ! . 
وامر بفك وثاقه وتحريره , فقال بعض الضباط سائلا الذئب الابيض : 
- ماذا سنفعل به ؟ . 
- فلنترك امره الى الملوك ... هم فقط من لهم الحق في اصدار قرارات بشأن الاسرى ... وخصوصا ان كانوا من الملوك او السادة والكبراء . 
اقترب الذئب الابيض من ابو كرشوله , ومدّ يده للمصافحة , فتفجرت عيناه بالدموع ليقول : 
- لم اتوقع هذه المعاملة منك ... وقد امرت بتعذيبك ان وقعت بالاسر ... وحرق جثتك والتمثيل بها ان كنت ميتا ! . 
- انتم لكم مدرستكم ولي مدرستي ... وسوف أحرص على تلقيك المعاملة الحسنة ! . 
فلم يكن من ابا كرشوله الا ان يعانق الذئب الابيض , ويحتضنه بكلا ذراعيه , وقال له : 
- ما كان يجب ان اقاتلك ... ولا ينبغي لاحد قتالك ... وان كان ذلك ... فليعلن هزيمته مقدما ... مثلك لا يقاتلون ابدا . 
احضر الملك ابو كرشوله بين يدي الملوك الخمسة , اجلسوه في كرسي ملكي , وعاملوه كالملوك , واتفقوا على ان يطلقوا سراحه ويسمحوا له بالعودة الى بلاده معززا مكرما , على ان تكون الممالك الخمسة في مأمن منه , وان يعم السلام والعلاقات الحسنة بين مملكته والممالك الخمسة ! .     



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=33067
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20