• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : كبش فداء في الحياة أشياء قد لا يتوقعها المرء. (دستوفيسكي) .
                          • الكاتب : عيسى عبد الملك .

كبش فداء في الحياة أشياء قد لا يتوقعها المرء. (دستوفيسكي)



حاصرني الهم وأطبق علي فخفتُ. إنه هو، هذه أعراضه، نعم، إنها هي تبدأ هكذا.. رعب فضيع اجتاحني، تصورت نفسي، أهيم في طرقات المعقل، ممزق الثياب، أشعث الشعر، تطاردني أطفال الشوارع! إنها أعراض المرض، الذي فتك بالعائلة حتى صار إرثاً لها...
قررت أن أخرج، قبل أن تطبق علي جدران الغرفة الكئيبة، خرجت على عجل.من يطاردني ليس مجنونً، بل الجنون نفسه. كان المتنزه يموج بالناس، لكنني اخترت مكاناً منعزلا، لماذا؟ لا أدري. وضعت رأسي بين يدي، وانتقلت إلى عالم آخر... قريباً مني كان يركن سيارته، يستند إليها، أنيقاً كان، شاباً بربطة عنق حمراء، لم أكن قد انتبهت إليه... عطر أخاذ ملأ أنفيَ، رفعت رأسي، كانت أنيقة كعروس، تنقل خطاها برقة، تماماً كعصفورة فوق دغل، لم تعرني انتباها ربما حسبتني جزءاً من المصطبة التي أجلس عليها، أشحت بنظري عنها، وتهت في دوامتي التي أخذتني بعيداً، لكني بعيون غير عيوني، رأيتها تقترب منه، وكان يبتسم.. ترى كيف سيلتقيان؟ أيهما سيبادر؟ أعجبني المنظر، ورحت أختلس النظر وأحلم .نعم أحلم فلا على الحلم رقيب احلمْ مثل الناس يا هذا .كم هو جميل أن تحلم . تخلق عالمك ، جنتك أو تصفع عدوك حتى . هو تجاهلني تماماً، هي، كما أسلفت، لكني مازلت أرقبها.. وفجأة جفل، فتح باب سيارته وانطلق! هي، بكل برود، غيرت مسارها، رجعت، مرت بي، تماماً، كما يمر المرء بشحاذ على الرصيف. ترى لماذا هرب؟، هي لماذا قصدته؟.. إنها جزيرة السندباد، المتنزه الحافل بالحكايات قلت في نفسي، لكن ما حدث، خفف من اختناقي، أحسست براحة لمنظر عاشقين!. لماذا لا أعشق؟ فما زال في العمر بقية ، لم لا؟ ، تساءلت. ورحت أحلم.سأخلق حبيبتي كما أريد ما المانع ؟...راقت لي الفكرة .إن كان جنونا فليكن .. رحت أتصور شكل الحبيبة . أردت أن أخلقها كما أريد .أختار أجمل الشعر والعيون والأهداب والضحكة .عذبتني الضحكة كثيرا .صارت نشازا فاخترت الابتسامة كانت أسهل ولم تكلفني كثير عناء .ابتسمتْ لي مرتين خيّل لي . شعرت بدبيب الخدر. رضيت . زال انقباضي شعرت بالفرح الذي خلقته .أكملت الوجه والتقاطيع .بقي الجسم .خطرت لي فكرة غريبة أخرى .أن أجمع جسمها جزءا جزءا من كل أسراب الحسان التي مرت بي واللاتي
اعرفهن لكثرة ما مررن بي غير عابئات ، أنا لصيق المصطبة المنعزلة أجلس كشحاذ كل يوم. جذبت حسرة ارتياح .الحبيبة اكتملت دمية فريدة .ضحكت هل أعشق دمية وبعد هذا العمر ؟. إذن أعطيها شيئا مني .مشاعر وإحساس وبعض الحزن أعطيها حياة ،ولتكن حبيبتي ، شريكة حياتي ، ما المانع ما دام حلما لا أحاكم عليه ولا أعدمْ و.. فجأة قلقت . ماذا لو رفضتني . رفضت كوخي ودراجتي الهوائية القديمة واسم معلم تلاميذ صغار؟ أو رفضت شكلي مثلا . أعدمها أم أهديها لغيري ؟ ...حزنت من جديد .أيقنت أن الحلم صعب على فقير وأن هناك خطوطا حمراء تحدد مدار حلم فقير إن لم يعد مجنونا وقد يجن فعلا . كل الظروف ضده صرت .أضحك.حسدت صاحب السيارة الذي تطارده البنات .لم لا أحلم بسيارة حديثة . لو حصل لألقيت بدراجتي في شط العرب .ألم يفعلها أبو القاسم الطنبوري قبلي فقد قذف حذاءه في ساقية . ترى أي لون أختار؟... .
صوت غاضب مرعب مزق الحلم حطم كل شيء وأرعبني. .جعلني مشدوها فاقد القدرة على الكلام .أحدق فيمن يطوقونني شاهرين السلاح .
- إنه هو، هذا الحقير... وقفت أمامي وهي تصيح بغضب شلَّ لساني، هو ، وأشارت إليّ.. إلى جانبها رجل هائج يرتجف،واحد من رجال السلطة . يصوب نحوي سلاحه ، كان مسدسه حديثاً يلمع تحت البزة الزيتونية ذات القطعتين ، خلت أنه سيفترسني أو يبعثر مخي على حشيش المتنزه. ((خذوه)) صاح، وأحاطت بي شلة من الشرطة. وكصرة من قماش عتيق، تكومت مصفداً على أرضية الغرفة.
- أنا لا أصدق، همس في أذني عريف مركز شرطة المطار، كانوا يعرفونني، فقد كنت زائراً دائماً للمتنزه، ولم أكن أؤذي نملة!
- وأنا لا أعرف السبب، قلت ببلاهة .
- تقول إنك تحرشت بها، وزوجها رفيق مسئول، لكنه حظك الخائب يا أستاذ. ..جاءني صوته هادراً من صالة الانتظار يرعد، مثل هذا السافل، يجب أن يؤدب. لم يدعني أنطق{ كنتُ في اجتماع، من أجل خدمتكم نجتمع يا أوباش ، سمعت أيها الحيوان)). صرخ بوجهي وأضاف، ((هذه أشرف منك ومن أهلك)).
كانت ليلة طويلة، طويلة جداً، لم أدر ما أقول أو أفعل، فقد حرم علي أن أرى أحداً وأوصدوا عليّ الباب، ماذا أقول لأهلي؟. في الصباح، وقف ذلك الأنيق، ذو الربطة الحمراء، بباب غرفة الاحتجاز.حياني بابتسامة خبيثة.
- تفضل، إفطارك، وبعد قليل ستخرج، اطمئن، فقد كفلتُك.
- ولكن، أنا لم أفهم شيئاً. من أنت ، لماذا ؟.
- ستفهم بعد قليل يا أستاذ ..
في الطريق قال (( عزيزي ، أعذرني،كل ما في الأمر، كان لابد من كبش فداء، والآن لنغلق الموضوع فهمت. انزل هنا؟)).
قال لي
آمراً.
ألقاني في عرض الطريق
وراح يقهقه بصوت عال ...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=41384
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 01 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29