• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة ( ظنون ) لعبدالفتاح المطلبي : حقائق أم ظنون ؟ .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قصة ( ظنون ) لعبدالفتاح المطلبي : حقائق أم ظنون ؟


يكتسب التعبير السردي اهمية ومكانة مرموقة , اذا اقترن بحقائق الواقع العام , ويفرز علاقته الوثيقة كلما توغل في اعماق هذا الواقع , او بالاحرى , ان يكون من حصيلة مكوناته ومخلفاته , التي تطفح على السطح المرئي والمكشوف , وتبرز واقعه الفعلي والملموس , في ادوات التعبير السردي , وبخصال الحبكة الفنية التي تحرك هذه المتفاعلات الداخلية , وتفجرها على الواقع المكشوف , في محاولة عملية  التشريح العميقة لتفرز عناصره الساخنة , لا شك انها عملية شائكة ومعقدة , من ان تقع في مطبات منها الخطابية المباشرة , التي تحجب عملية الابداع والجمالية الفنية , وتفقد صفة آلية التشويق والجذب , لذا فان امكانيات الاديب القدير تتجاوز هذه المطبات , وبمهارة  وجهد ابداعي يستحق الثناء , بأنه يشارك القارئ ويشد انتباهه بكل قيمة ابداعية وفنية  , ليشارك في عملية تحليل النص السردي , وتفكيك الصور الرمزية , اي انها عملية الغوص في اعماق جوهر القصة , التي تحمل في اعماقها مرارة الواقع المزري والمجحف , وترجمته بأدوات فعالة , منها توظيف عناصر  الرمز , لتجد مساحات واسعة من حرية التعبير , في وصف الاحداث الساخنة والملتهبة التي تقود الواقع الى الغرابة واللامعقول . ان هذا التوظيف الابداعي يشكل جوهر مهمة الاديب في عالمه السردي , في اظهار حقيقة دفة الواقع الفعلي , التي تجعل المواطن البسيط الضحية , يتلقى هذا الركام الهائل من الاثقال عليه  , وهي تدل بان الواقع يسير بخطى ثابتة نحو الخراب والهاوية , بأن يخرج من دائرة المنطق والمعقول , نحو حالة الاستلاب والمسخ والرعب , انها حالات حقيقية من الواقع  بمعيار الابداع الفني , وهو  يرسم بدقة وبعين فاحصة   المشاهد المصورة  بالسريالية  . ان الاديب يمتلك قدرة محترفة في ناصية ادوات التعبير والايحاء والمغزى , في ممارسة اسلوب السردي  برؤية الواقعية  السحرية , التي تمزج محصلات الواقع ومكوناته  بمحصلات ومكونات  الخيال الفني , ويصهرهما في بوتقة واحدة من التفاعل والانسجام والتوافق , بحيث يعطي القيمة المميزة للتعبير السردي , في جذب وشد انتباه القارئ برؤية تفاعلية مشتركة  , في المشاركة في تحليل احداثيات  القصة , بوضوح ويسر في البلاغة اللغوية المبسطة   , كما عبر عنها الكاتب الكبير ( نجيب محفوظ ) قائلاً ( اتوخى السهولة واليسر لانه لا معنى اطلاقاً لان نحمل القارئ مسؤولية اضافية في فهم غرائب اللغة ) بمعنى ان تكون العملية متبادلة , في ايصال النص القصصي الى مبغاه الاخير , او الى غايته المنشودة , وعلى هذه القاعدة , لا بد من الاشارة السريعة الى تجربة الاديب ( عبدالفتاح المطلبي ) الى عالمه السردي الفني ومكوناته المرسومة بتمحيص وعناية , بانه يستخدم الواقع بعناصر الرمز , في علاقة جدلية متفاعلة , بأن يكون البعد الرمزي عنصر فعال , لا يمكن الاستغناء عنه , لانه يقوم بدور البندول , او البارومتر الذي يقود الاحداث الساخنة والملتهبة , التي تأخذ بخناق الواقع , ان استخدام الرموز يعطي قيمة مضافة في اثراء مضمون القصة , وهي تتحرك على كرات ملتهبة من الواقع السياسي والاجتماعي في ظواهر البارزة على السطح , حتى يصل بهه الى ذروة الدراما بصراع الساخن , والميزة التي ينفرد بها الاديب في شخوصه الى جانب الرمز , بان يجعل الحيونات شخوصه الرئيسية , ويوزعها على قطبين متصارعين , في صراع ناشب وبشحنات متجاذبة ومتنافرة , وهي من سمات الواقع الفعلي , الفئة الاولى : تكون مسيطرة وبيدها زمام الامور والمبادرة , وقيادة التحكم وتملك ادوات التنفيذ . بينما الفئة الثانية : تكون مهظومة ومظلومة يقع عليها الحرمان والعسف والاضطهاد , وتتحمل كاهل شرور الواقع واثقاله الثقيلة . وقصة ( ظنون ) خير مثال على ذلك , من هذه الحقائق التي يفجرها الواقع الملموس .
×× تفكيك عناصر الرمز في القصة :
من اجل معرفة تركيب وصياغة القصة وجوهرها الكامن وتفاعلها مع الواقع , يستدعي تفكيك عناصر الرمز ووضعها على المشرحة  , في البداية يصدمنا الاديب بالصبغة الحزبية والانتماء  قديماً وحديثاً , بأنها تكون المعيار الحقيقي للمواطن المطلوب والمقبول , من الفئة الحاكمة ( لم يكن مقبولاً من سكان القفص في حديقة المنزل , كان منبوذاً بسبب صبغة الارجوان التي غير شكله , ففي السوق يضعون امثاله بالوان زاهية , غير لونه الاصفر الباهت ) ونعرف بأن الالوان الزاهية هي وحدها دون غيرها , مقبولة وتحمل صك الغفران والبراءة , وتحمل صفة القبول والرضا . اما غيرها من الالوان والصبغ , فتدخل باب اللعنة والعقاب والويل والثبور , هذه شجون ومرارة الواقع قديماً وحديثاً , من يحمل صبغة اخرى , غير الصبغة الحزبية والفئوية بألوانها الزاهية , فانه لا يستحق الحياة ومحكوم عليه بالعقاب الدائم بالتشرد والاضطهاد ويسحق سحقاً , ويكون منبوذاً لا شفاعة له , لانه خالف صبغة الفئة الحاكمة , وعليه ان يتحمل العواقب القاهرة ( - ماهذا الديك يعرج ؟
- هاجمه الديك ذو الريشات الزاهية وكسر اصبعه في قدمه اليمنى , فصار يعرج )
اي انه خارج البيت الحزبي , وعليه ان يتلقى الطعنات , سواء كسر القدم , او كسر جناحيه , فأنه يظل محاصر ومطارد من الديكة المنفوشة بالالوان الزاهية , التي تحظى برعاية خاصة من سكان القفص . اي يصبح مواطن مجهول الهوية من المغضوبين عليهم . وهناك اشارة رمزية رائعة وهي ( الديك والدجاجات الثلاثة ) وهي اشارة صريحة الى الرئاسات الثلاثة ونظرتها الى المواطن المنبوذ ( الديك ذو الدجاجات الثلاثة , كرهه لهذا الفرخ المنبوذ , الذي صار ديكاً فيما بعد ) اي انها بصريح العبارة شطبوا المواطن من حساباتهم واصبح مجهول الهوية والمصير من القائمين على شؤون الدولة , ثم تعرج القصة وتشير بوضوح , الى الفيضانات التي اجتاحت بغداد والمدن العراقية الاخرى بالمياه الغارقة , وهي تحدد اليوم والشهر بالضبط ( سقطت اولى قطرات المطر في الرابع من نوفمبر فتحركت فوبيا الماء عند القطتين المنزليتين وراحتا تبحثان في ركن البيت المحمي بالشرفة المستطيلة ) وتتكر هذه الحالة ولكن من سريالية الواقع تغرق وتطفح بغداد بالغرق , ماعدا المنطقة الخضراء , هذا التمييز العنصري والشوفيني , بأن بغداد ومواطنيها المنبوذين عليهم اللعنة والجحيم والغرق , بينما الجنة والنعيم لسكنة المنطقة الخضراء , هذا يعطينا السبب بان الديك المنبوذ اعرج , لا يمكن ان يقف منتصب  القامة بوجه هؤلاء القادة , الذين اعطوه الجحيم والغرق والحرمان , ليعيشوا في جنة المال الحرام , لو كان المواطن سليماً ومعافى من امراضهم , لوضعهم في حاويات القمامة والازبال , فهم الذين يخلقون الازمات , وهم الذين يفتعلوا الفتن , وهم اصلاء البلاء والمصيبة , بأن يجعلوا ابناء الشعب يتقاتلون ويأكل احدهم لحم الاخر من بني جنسيته , وهم الذين جعلوا المواطنين ينهشون لحوم بني جنسهم بالحراب والعنف والموت , ليتربع هؤلاء الابالسة في جنة النعيم ( المشكلة في الديك .. الديك المنبوذ يظن انه قط فيشارك القطط أكل امعاء وارجل بني جنسه , مخلوق يأكل بني جنسه , أترين ان ذلك مقبول ؟ ) ثم تعرج احداث القصة الدراميا , الى وحشية الوحوش الادمية , اكلة لحوم البشر , انها ليست ظنون , وانما حقائق دامغة , نقلتها وسائل الاعلام والقنوات الفضائية والفيديوهات , وهي تدل على بشاعة وحوش داعش المجرم  ( تعال وانظر آه يا الهي ما ابشع ذلك .... رجل يشق صدر عدوه ويستخرج قلبه ويأكله ...... امام الكامرة . بقي العجوز مبحلقاً في شاشة التلفاز ) هكذا اسودت الحياة وانقلبت المعاير , حتى صرنا في فوضى دموية , حتى الواقع الذي تعود في الفجر على صياح الديك للصلاة , فألان صياح الديك لينذر في مجزرة ومذبحة جديدة ( - يقولون ان صياح الديكة لصلاة , ايمكن ان يكون هذا الصياح القبيح صلاة ؟ لايشبه صلاة بأية حال ) , وحين يطالب المواطن بحقوقة في الدفئ , تنشب المعارضة والتعجب والغرابة  , كأن المواطن طلب الذهب والياقوت والاخضر , وليس الدفئ من البرد ( سمع الرجل العجوز صرخة أمرأته مردوفة بصوت متقطع كالضحك , واحتمل نفسه على عكازه وهرع اليها , لكنه دهش حين رأها تضحك بصوت عالٍ , والديك المنبوذ يحاول ركوب شبشبها ذي الريش المنفوش ) هذه سريالية الواقع تكتسب حقيقتها من المعايشة الفعلية




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=70916
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 23