• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح318 سورة فاطر الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح318 سورة فاطر الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{1}
تستهل السورة الشريفة بــ (  الْحَمْدُ لِلَّهِ ) , الحمد والثناء خالصا له تعالى ذكره ومجده , (  فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , مبدعهما على غير مثال سبق , المصدر ( ف ط ر ) بمعنى ( الشق ) , جل وعلا شق العدم ليخرج السموات والارض منه , (  جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً ) , وسائط بينه جل وعلا وبين رسله وانبيائه وعباده الصالحين , يبلغونهم الرسالات والرؤية الصادقة ... الخ , (  أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ) , بعض الملائكة "ع" لديهم جناحين او ثلاثة او اربع , قد يكون ذلك في كل جانب , وفيه تمييزا لهم على المكانة والامكانية والقدرة , (  يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ) , وبعضهم له عددا اكبر من الاجنحة , وفقا لمقتضيات حكمته جل وعلا , (  إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) , لا يعجزه شيء صغيرا كان او كبيرا .       
ينبغي الاشارة الى ان اعداد الاجنحة لا يعني بالضرورة ذلك , بل قد يكون مجازا او كناية عن اشياء اخرى , من قبيل مكانة الملك الرفيعة وعظمته وقدرته ...الخ. 
 
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{2}
تبين الآية الكريمة (  مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ ) , ما يطلقه جل وعلا من نعمه على عباده كالمطر والامان والعافية ... الخ , (  فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ) , لا يمكن لاحد أيا كان ان يمنعها "يحبسها" , (  وَمَا يُمْسِكْ ) , وما منعه " حبسه" جل وعلا , (  فَلَا مُرْسِلَ لَهُ ) , فلا يمكن لأيا كان ان يطلقه , (  مِن بَعْدِهِ ) , امساكه , (  وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) , وهو جل وعلا العزيز في ملكه وملكوته , الغالب على امره , لا لأحد ان ينازعه , (  الْحَكِيمُ ) , في صنعه وفعله وتدبيره .  
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ{3} 
الآية الكريمة تخاطب الناس بالعموم , المؤمن والفاجر (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) , راعوها واحفظوها بإداء حقها من الشكر وغيره , ومعرفة منعمها , والمعرفة وحدها لا تكفي , بل توجب الطاعة , طاعة المنعم , كما يطيع العمال والموظفون من يعملون لديه "رب العمل" , لأنه هو المنعم عليهم بالعمل ودفع الأجر , طاعة رب العمل محدودة ومحصورة في ساعات العمل فقط , وتكون حسب ما يراه اصحاب الرأي , (  هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) , سؤال تعجيزي , يدرك ويعلم الناس جوابه , حيث كان يدرك عرب الجاهلية تلك الحقيقة , حقيقة الخالق , بل وكانوا يؤمنون بها , كما جاء في الموروث , (  لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) , وحده جل وعلا المستحق للعبادة , المتفضل بالنعمة , (  فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ) , فمن أي وجه تصرفون من توحيده جلا وعلا الى الكفر والشرك به .  
 
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ{4} 
تستمر الآية الكريمة مخاطبة الرسول الكريم محمد "ص واله" (  وَإِن يُكَذِّبُوكَ ) , بما جئت به , (  فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ ) , فالرسل قبلك قد كذبتهم اممهم ايضا  "تأسى بهم" , (  وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ) , يوم القيامة , فيجازيك واياهم على الصبر , ويعاقب المكذبين .    
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ{5}
تضمنت الآية الكريمة خطابا عاما شاملا اخر (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) , بالبعث والجزاء , (  فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) , فلا تخدعكم الدنيا بزينتها عن وعده جل وعلا , (  وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ ) , حلمه وامهاله لكم , (  الْغَرُورُ ) , الشيطان , يمنيكم بطول العمر والمغفرة وغير ذلك .   
 
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ{6} 
يستمر الخطاب في الآية الكريمة مبينا مضيفا (  إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ) , عداوته لكم قديمة , منذ ان خلق آدم "ع" , (  فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ) , فأنزلوه منزلة العدو , احذروا منه في كل شيء وفي كل مكان وزمان , (  إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ ) , الشيطان الرجيم انما يدعو انصاره ومريديه ومواليه الى اتباعه وطاعته في معصية الحق جل وعلا , (  لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) , ليس له ولاتباعه سوى النار شديدة الحرارة .    
 
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ{7}
تضيف الآية الكريمة (  الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) , وعيد وتهديد لمن اجاب دعوة الشيطان , (  وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) , وعد الهي لمن خالف الشيطان واتبع سبل الايمان .
 
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ{8}
تستمر الآية الكريمة في نفس الموضوع (  أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ ) , بالظن والتمويه , (  فَرَآهُ حَسَناً ) , فاعتقد انه على خير , (  فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ) , وهو من سلك مسالك الشيطان واتبع هواه , (  وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) , بالتوفيق الى مسالك الهداية والرشاد , (  فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) , النص المبارك يخاطب الرسول الكريم محمد "ص واله" وقد اغتم بغيهم وضلالهم واصرارهم على التكذيب , فجاء النص المبارك ناهيا اياه "ص واله" ان لا يهلك نفسه عليهم  , أن لا يؤمنوا , (  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) , فيجازيهم عليها .  
يختلف المفسرون في شأن نزول الآية الكريمة , فيرى السيوطي في تفسيره الجلالين انها نزلت في أبي جهل , بينما يرى القمي في تفسيره انها نزلت في زريق وحبتر . 
 
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ{9} 
تنعطف الآية الكريمة لتذكر وتذّكر (  وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ ) , اطلقها , هيأ لها الاسباب , (  فَتُثِيرُ سَحَاباً ) , فتحرك الغيوم وتهيجها , (  فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ ) , جدب , لا نبات فيه , (  فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ ) , بالمطر , فينبت الزرع , وتدب الحياة فيها , (  بَعْدَ مَوْتِهَا ) , يبسها , (  كَذَلِكَ النُّشُورُ ) , كذلك يكون البعث , الآية الكريمة كانت مثالا مصغرا وموجزا ليوم البعث والنشور .  
( عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن السحاب أين يكون قال يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته فوكل به ملائكة يضربونه بالمخاريق وهو البرق فيرتفع ) . "تفسير القمي" .    
 
مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ{10}
تبين الآية الكريمة (  مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ) , الشرف والمنعة خالصة له تعالى في الدنيا والاخرة , فمن يريد العزة فلا يجدها الا مع الله تعالى في طاعته واخلاص العمل , (  إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ) , هو التوحيد "لا اله الا الله" على اغلب الآراء , وقد يلحق به الارشاد والمواعظ الحسنة , فأن ذلك مما يصعد ويرتفع بشكل مباشر , (  وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) , العمل النافع , المستوجب للأجر والثواب , الكلم الطيب والعمل الصالح بهما تطلب العزة , وفيهما سرها ومسارها , (  وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ) , الذين يمكرون بالنبي "ص واله" , ومنها ما اجمع عليه الكفار في دار الندوة  من تقييده او قتله او اخراجه "ص واله" , (  لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) , ينتظرهم عذاب بالغ الشدة , فلا يؤبه لمكرهم , (  وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ) , يفسد , يهلك , لا ينفذ , اما عاقبته فواقعة بهم .        
( عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن ربكم يقول كل يوم أنا العزيز فمن أراد عز الدارين فليطع العزيز .
عن أمير المؤمنين عليه السلام من قال لا إله إلا الله مخلصا طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض فإذا قال ثانية لا إله إلا الله مخلصا خرقت أبواب السماء وصفوف الملائكة حتى تقول الملائكة بعضها لبعض اخشعوا لعظمة أمر الله فإذا قال ثالثة مخلصا لا إله إلا الله لم تنته دون العرش فيقول الجليل اسكتي فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه ثم تلا هذه الآية إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه يعني إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه .
وعن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله وإذا قال وخالف عمله قوله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار ) . "تفسير الصافي ج4 للفيض الكاشاني" .  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78123
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 26