سافر خريبط ومهاوش وعيدان الى الهند , لتلقى العلاج , علاجا لم يكن متيسرا في العراق , حين وصولهم المطار , استأجروا دليلا ومترجما , ليرشدهم , ويكون تحت امرهم , ولسوء الحظ استأجروا الشخص الخطأ , شخصا يترصد الوافدين الاجانب , ليفتك بهم , فأقترح عليهم ان يذهبوا الى مستشفى ذو سمعة طيبة في بومباي , فوافقوا , واقنعهم بالسفر برا , فانطلقوا بسيارة استأجرها بنفسه , انطلقت السيارة لساعات طويلة , حتى توقفت في مكان مجهول , حيث كانت تنتظرهم سيارات اخرى , وطلبوا منهم الترجل , والتخلي عن كافة امتعتهم واموالهم مقابل حياتهم .
وجدوا انفسهم في وسط مروج خضراء على مد البصر , فأحتاروا في امرهم , خريبط وعيدان اقترحا العودة سيرا على الاقدام , بينما مهاوش اصر بالبقاء على الشارع , ريثما يأتي باص او سيارة تقلهم , وبعد مجادلة عقيمة , قرروا العودة سيرا بمحاذاة الشارع , كي لا يفوتهم باص او أي سيارة مارة .
ساروا مدة طويلة , قطعوا فيها مسافات شاسعة , بالرغم من اعتلال صحتهم , حتى وصلوا الى تقاطع طرق , قريبا منه سكة قطار , فأصر مهاوش بالبقاء هناك , ريثما يأتي القطار , او لعل سيارة سوف تمر قريبا , فجلسوا جميعا على مرجة خضراء , بعد مضي قليلا من الوقت , اقترب باص مكتظا بالركاب , لم يترك الركاب جزءا في الباص من غير ان يستغلوه , فصعد الكثير منهم على السطح , واخرين تعلقوا بالشبابيك , وغيرهم تعلق في مؤخرته , وتشبث اخرون في مقدمته , اصابهم الذهول من هذا المشهد المريع ! فقال عيدان :
- هاي صايره طيخه .
- طيخه لو بطيخه .
طلب خريبط من مهاوش التقدم بالسير , بعدما شاهدوا منظر الباص , لكن مهاوش اصر على البقاء جالسا في انتظار القطار , لعلهم يحصلون على مكانا فيه , فالقطار اكبر حجما , واكثر سعة من الباص , فأنتظروا طويلا حتى سمعوا صوت صفارة القطار , تشق عنان السماء , ولاحت لهم غمامة من الدخان الكثيف تغطي الاشجار , فنهض الثلاثة , واستعدوا للركوب , لكنهم توقفوا منبهرين , فقد لمحوا كتلة بشرية هائلة تسير على سكة الحديد , حتى لا يكاد يظهر من القطار شيئا سوى الدخان , فقد اعتلى الركاب كل شيء , السطح والشبابيك , والمقدمة , فقال خريبط :-
- هاي صايره خبيطه ! .
فقرروا الاستمرار بالمسير , لعلهم يصلون الى قرية او مدينة ما , فقد استبد بهم الم الجوع , وبانت عليهم علامات التعب , بينما هم كذلك , سمعوا صوت بقرة او بقرتين , فأستهلوا فرحا , اتجهوا مسرعين نحو الصوت , حتى وقفوا على ثلاث بقرات سمان , فقرروا حلب احداهن , فبادر مهاوش , فقد كان خبيرا بتربية الابقار والماشية , بينما خريبط وعيدان احكما قبضتهما عليها كي تبقى ساكنة , شاهد احد الهنود المحليين المنظر , فأنتابه الغضب , فأعترض عليهم , ونهرهم , وسجد للبقرة , ونهض مسرعا نحو عيدان وخريبط , وكأنه يريد منهما افلات البقرة , لكنهما لم يعبئا به , وشنعا عليه سجوده للبقرة , في ذلك الحين , فرغ مهاوش من عملية الحلب , فضرب البقرة وطلب من زميليه تركها , استشاط الهندي غضبا الى غضب , فأسرع واختفى بين الاشجار .
جلسوا لارتشاف الحليب , بعد انصراف الهندي , ولكن لم يمر وقت طويل حتى عاد الهندي وبرفقته عدد كبير من الرجال المدججين بالسلاح , فلم يبدي مهاوش ورفاقه أي مقاومة , فلا فائدة من ذلك , كتفوهم , وساقوهم نحو المعبد , حيث رئيس الكهان , وتجمهر اهالي القرية حول المعبد ملوحين بقتلهم , وهذا جزاء من يعتدي على الابقار في عرفهم , خرج الكهان من المعبد , يتقدمهم رئيسهم , الذي طلب مترجما , فأنبرى احد القرويين للمهمة , فأخبرهم عيدان بانهم غرباء ولا يعلمون شيئا عن تقاليد القوم وسألهم الصفح , استنكر القرويون ذلك , وايدهم الكهان جميعا , فما كان امام رئيس الكهان الا ان يأمر بقتلهم حسب الاعراف المتبعة , لكنه لجأ الى امر اخفاه في نفسه , فطلب ادخالهم الى المعبد , وطلب من جميع الكهان الخروج , فأشار اليهم بالتقدم نحو تمثال ما , فتقدموا بهدوء وترو , وهمس بصوت خافت وبلهجة عراقية :
- اخوكم شاتي من الناصرية ! شكو ماكو ! شنهي ما شنهي ! شخبار العراق !
تفاجأ خريبط وجماعته , كون الكاهن عراقي من الناصرية , واسترسل الكاهن في الحديث :
- هاي اشجابكم هنا ! .
لقد كان شاتي قد هرب من ازلام البعث المقبور منذ سنة 1985 الى الكويت , وفي الكويت استمرت مطاردتهم له , فهرب الى الهند بصحبه مواطن هندي , كان يعمل في الكويت , فعمل بالمعبد , واشتغل فيه , وارتقى المناصب حتى صار رئيسا للكهان , لكنه لم يكن يعلم بما جرى في العراق , طول هذه المدة .
|