صفحة الكاتب : د . حميد مسلم الطرفي

الاستفتاء ... قراءة هادئة 
د . حميد مسلم الطرفي

أُجري الاستفتاء والنتيجة كما توقعها الكثير نسبة عالية ممن أدلوا بأصواتهم صوتوا لحلم الدولة الوردية الكردية على أرض كردستان ، وإذا كانت الشعوب تبذل الغالي والنفيس لتحقيق بعض أمانيها فلا يمكن أن يتوقع عاقل أن لا يبذل شعب جرة قلمٍ بكابينة سرية يكتب فيها نعم لأغلى الأماني وأجملها في حياته كلها . 

- من النادر أن تجد شعباً يمتطي قادته ويُسيّرهم بما يريد فما دامت القيادة هي النخبة والطليعة والقدوة والمقدمة والرائدة فكراً وقدرةً وذكاءً فالمنطق يقول أن القيادة تمتطي الشعب ، وتوجهه إلى حيث تريد فإن كانت قيادة بارة مخلصة رؤوفة رحيمة كفوءة نزيهة فإلى الخير والرفاه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً وإن كانت أنانية متسلطةً لا تتخيل أن تعيش بدون الجاه والملك فإلى ما يُبقي جاهها وملكها ولو كان ذلك ببذل الأرواح والأنفس والثمرات . 

- في إقليم كردستان لم يخاطب مسعود عقول قومه ولبهم بقدر ما خاطب عواطفهم ومشاعرهم وحرك عمقها الكامن في تراكم المحن والآلام التي لاقاها الكرد فكان من الطبيعي أن تستجيب النفوس لغرائزها استجابةً تفوق تلك التي لعقولها . 

- ظاهر الاستفتاء لاستقلال إقليم كردستان وباطنه استفتاء لزعامة مسعود بارزاني ومعه أولاد أخوته وعمومته وخؤولته فتحول الرجل من رئيس إقليم منتهية ولايته محاصر في برلمان الإقليم ليس له على الدستور من سبيل للشرعية إلى قائد رمز يضحي بحياته من أجل حلم شعب كردستان وعلينا الاعتراف بدهاء الرجل في هذه الخطوة .  

- ستكون إدارة مسعود لنتائج الاستفتاء بما يؤمن له هذه الزعامة ، فالدولة التي استفتى شعبه عليها ليست غاية مقدسة وتبريرات التراجع عنها متوفرة متى ما أراد مسعود ذلك ، ما دام الاستفتاء قد حقق ما مطلوب وأي محاولةٍ لنزع الشرعية عن قيادة مسعود وعائلته أو تحويل الاستفتاء إلى وسيلة لتحقيق ذلك ، سيعود مسعود إلى ما هو أخطر من الاستفتاء . 

- في لُعَب تقسيم الدول لا يبدو للشعوب غير ما يبدو من جبل الجليد العائم ، فالأقوال ليس هي الأقوال التي نسمعها ، وخيوط اللعبة ليس تلك التي نراها ونبصرها ، والمواقف المعلنة غير المواقف المُضمرَة ، والرافضة قد تكون مشارِكة حد النخاع والسرعة في اتخاذ القرار  مفيدة وحاسمة مثلما يكون التسرع هلكة وانتحار ، وعلى صاحب القرار  معرفة اللعبة هل هي للابتزاز أو تصفية حساب ، أو هدف ستراتيجي ، مستكملة لظروف نجاحها أم مفتقدة لأركانها كل ذلك يوضع بالتفصيل أمام خلية الأزمة لتتخذ القرار . 

- في حروب التقسيم والنزاعات الأهلية غالباً ما يكون الرابح  طرفاً ثالثاً ، وفي هذه الحروب لا تتحاور الأطراف قبل أن تنزف مخافة الاتهام بالخيانة حيناً وعدم تقدير النتائج حيناً آخر ، والمؤسف دوماً أن قناعات الشعوب في هذه الحروب تشكلها وترسمها العواطف لا العقول فطبول الحرب أبلغ تأثيراً من موسيقى السلام ، والصقور الجارحة أكثر هيبةً واعظم احتراماً من عصافير المحبة ودعوى ذلك كله الكرامة والكبرياء والوطن والوطنية لدى الفريقين . 

- لا تخلو تدابير الحكومة ما بعد الاستفتاء من اشكاليةٍ معقدة فهي لا تنظر لشعب كردستان إلا كجزءٍ من شعب العراق فكيف تغلق عليه الحدود وتسد عليه المعابر وتمنع عليه الأرزاق ؟؟ هل لدى الحكومة ما تعاقب به مسعود بشحمه ولحمه وهو الذي يحتمي ببيشمركة وأسايش ومال وسلطة وآلاف ممن يرون فيه الزعيم المنقذ ؟ إذا كانت الحكومة ترى الإقليم جزءً منها فكيف تطرد نوابه من المجلس وتفصل الموظفين من وظائفهم ؟ فإن لم تعاقب الحكومة حكومة الإقليم تمادت قيادة الإقليم في غيها وإن عاقبت عجلت بقيام الأمر الواقع وتذرع مسعود بأنه اضطر للاستقلال . 

- الفيصل في حل إشكالات الحكومة التي اشرنا اليها هو دول الجوار مع الاقليم فإن كانت جادة فيما تدعي وأن مصلحتها وأمنها القومي في عدم الاستقلال فهي من تستطيع أن تأتي بمسعود للتفاوض ومعه سلسلة من التنازلات . وإلا فهي انما اتخذت هذه المواقف لزج الحكومة في نزاع مسلح ليس مؤهلاً له . 

- يتوهم من يظن أن الحرب مع الكرد - إن وقعت لا سمح الله- تحظى بذات المواقف الدينية والدولية التي أعلنت في حربنا مع داعش فبين الحربين فروق كثيرة بإمكان اللبيب معرفتها وتشخيصها . 

جنّب الله العراق كل سوء . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حميد مسلم الطرفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/27



كتابة تعليق لموضوع : الاستفتاء ... قراءة هادئة 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net