صفحة الكاتب : صالح الطائي

مركز العرب بين الدول الأكثر رخاء في العالم
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كثيرة هي المؤشرات المعاصرة التي ترقب حالات بلدان العالم في جوانب محددة لتضع معايير خاصة بالتقييم ومن ثم تمنحها مراكز ضمن التقييم لا للعبث وقضاء وقت الفراغ وإنما لتكوين تصور واضح عن تلك الدول بما يؤهلها لأن تحضى بثقة المجتمع الدولي أو تفقدها، ومن المؤشرات العالمية الأكثر شهرة في العالم اليوم مؤشر الفساد(Corruption Perceptions Index CPI) الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية Transparency) International) منذ العام 1995 ثم مؤشر الدول الأكثر رخاء ورفاهية في العالم ((Report for Global Prosperity  الذي يصدره معهد ليغاتيوم (Legatum) وكلا المؤشران يتناولان أكثر من 110 دول بالدرس وفق أساليب خاصة بما فيها الزيارات والمعاينة الميدانية والتقارير الاستخباراتية والمعلوماتية للحصول على نتائج تُضَمنْ للتقرير عن كل بلد من البلدان المستهدفة لتحديد مركزه.
وفي آخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية كان ترتيب العراق في ذيل التقرير (ضمن الأسماء العشر الأخيرة من أصل 114 دولة) بما يعني انه من أكثر الدول في الفساد المالي والإداري، وهي مرتبة رفض العراق التخلي عنها منذ المرة الأولى التي نال فيها شرف الجلوس في مرابعها عام 2003 ولحد الآن. وهذا طبعا لا يعني أن العراق كان قبل هذا التاريخ خال من الفساد أو غير مؤهل لنيل هذه المرتبة بجدارة واستحقاق، كلا وألف كلا، فما من مقياس كان يصلح لقياس درجة الفساد الذي كان مستشريا في كل مفاصل الدولة قبل هذا التاريخ بدأ من التصنيع العسكري وصولا إلى وزارتي الدفاع والداخلية وباقي المؤسسات، الاختلاف الوحيد أن المنظمة كانت ممنوعة من العمل في العراق آنذاك واليوم تصول وتجول دون معترض أو رقيب.
أما المعهد الذي شملت دراسته 110 دول في عام 2011 فإنه لم يجد لا في هذا التاريخ ولا قبله مبررا لوضع العراق حتى في ذيل تقريره أسوة بزميلته المنظمة لأن ما يحدث في العراق منذ 2003 يجعله حالة فريدة لا تنطبق عليها المعايير.
يصدر معهد ليغاتوم تقريره وفق تسعة معايير تظهر الرضا عن الحياة في البلد المستهدف، ويقاس مؤشر الرخاء على أساس الإمكانيات الاقتصادية الفردية وليس الحكومية، ومستويات البنية التحتية، والتعليم، والحرية العامة، والصحة، والأمن والأمان، والحكم الرشيد، والحرية الشخصية، والتآزر الاجتماعي. فضلا عن السعادة الشخصية وجودة الحياة للأفراد، أي أن المعهد يعتمد معايير في تقييم الدول لها مساس مباشر بحياة المواطن، كالاقتصاد / الابتكار/ الديمقراطية/ التعليم/ الصحة/ الأمن/ الحكومة الرشيدة/ الحريات الشخصية/ التكافل الاجتماعي/السعادة الشخصية/ونوع الحياة التي يحياها المواطن في ذلك البلد. 
وقد أعلن المعهد أنه يشجع على أخذ هذه عوامل في الاعتبار لقياس الازدهار وليس الغنى المادي كما هو شائع بين الناس. وربما لهذا السبب أعلن الرئيس الفرنسي "ساركوزي" أن إجمالي الناتج المحلي لدولة ما لا يكفي لقياس الازدهار فيها. المدهش أن المعهد أشار إلى أن نتائج تقاريره السنوية أثبتت أن المال لا يشتري السعادة للبلدان والشعوب، مع أن تأثيره  يتفاوت بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وإنما يشكل المال غالبا عاملاً معيقاً للازدهار.
وتخضع نتائج التقرير عادة قبل اعتمادها ـ وإن كان ليس بالضرورة بالكامل ـ إلى مراجعة وتدقيق ونقد وتقويم وتقييم  لجنة استشارية من كبار الأكاديميين والباحثين العالميين الذين يمثلون نطاقاً واسعاً من التخصصات العلمية، وتضم هذه اللجنة كلا من: الدكتور "دانيال درزنر" من جامعة (تفتس) والدكتور "بيتر فيفر" من جامعة (دوك) والدكتور "روبرت جنسن" من جامعة (كاليفورنيا في لوس أنجلس) والدكتور "ستيفن كراسنر" من جامعة (ستانفورد) والدكتور "مايكل كرمر" من جامعة (هارفرد) والدكتور "فليب لفي"  مؤسسة (أمريكان إنتربرايز إنستيتيوت) والدكتور "إدموند مالسكي" من  جامعة كاليفورنيا في سان دييغو) والدكتور "آن أوين" من كلية (هاملتون) والدكتور "روبرت بتنم" من جامعة (هارفرد)
والمعهد منذ إصداره السنوي الأول كان حريصا على إتباع هذا الطقس ليمنح تقريره نوعا من المصداقية رغم أن نتائجه مصيبة في الأغلب، وعليه تجد المراكز العشرين الأولى محجوزة للدول الأكثر استقرارا في العالم، فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية كانت الدول التالية على راس التقرير: النرويج/ الدنمرك/ استراليا/ نيوزيلندا/ السويد/ كندا/ فنلندا/ سويسرا/ هولندا/ أمريكا/ايرلندا/ أيسلندا/المملكة المتحدة/ النمسا/ ألمانيا/ سنغافورة/ بلجيكا/فرنسا/ هونج كونج/ تايون.
أما (إسرائيل) فتراوح بين المركز 19 عام 2008 والمركز 27 عام 2009 وبقيت محصورة بين حقلي العشرة الثانية والعشرة الثالثة عن جدارة. بينما نجد جيرانها العرب أهل الربيع العربي والحضارة الإسلامية والبترول والفروسية والسيف والضيف والتكفير والعمليات الإرهابية والنعرات الطائفية والتحريض يقبعون في حقول العشرات السادسة والسابعة والثامنة وحتى الأخيرة، وهي تسير دائما نزولا وتنازلا عن طيب خاطر عن مواقعها إلى مواقع أدنى فتترك حقول العشرة الثالثة التي نجحت بعضها بالتربع فيها إلى حقول العشرات الأبعد، ففي تقرير عام 2008  احتلت الدول العربية المراكز التالية: الإمارات 47/ الكويت 52/ تونس 68/ الأردن80/ السعودية 81/ المغرب 83/ لبنان 86/ مصر المرتبة 88/الجزائر 96/ اليمن 101  وهي اليوم بالتأكيد دون هذه المستويات، ولا أدري ماذا ستكون غدا!
الغريب أن هناك ملاحظة جديرة بالاهتمام  تبين العلاقة بين الفساد ودرجة الرفاهية حيث يتبين لمن يقارب ويقارن بين تقرير هاتين المنظمتين أن الدول الأقل فسادا هي الأكثر رفاهية والعكس صحيح، بمعنى أن درجة الفساد في المجتمع تتناسب عكسيا مع درجة رفاهية المواطن فكلما قل الفساد ازدادت رفاهية الشعوب.
فإذا كانت شعوبنا العربية تقبع باستمرار في ذيل قائمة الفساد، وبعضها في المراكز الأخيرة، فمتى ستعرف شعوبنا الرفاهية والرخاء؟

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/06



كتابة تعليق لموضوع : مركز العرب بين الدول الأكثر رخاء في العالم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : qnsmykadn ، في 2012/07/06 .

****






حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net