التلفاز الأب الروحي لطفل اليوم !
د . عاطف عبد علي دريع الصالحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . عاطف عبد علي دريع الصالحي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يمثل التلفاز بوصفه وسيلة إعلامية أهمية خاصة لطفل اليوم , وإذا كنا نتطلع الى مستقبل أفضل على اعتبار إن الطفولة صانعة المستقبل , وأطفال اليوم بما يكتسبونه من أنماط وأفكار ومعارف هم رجال الغد وهم معقد الأمل في تحقيق مستقبل أفضل , ويعد من وسائل الاعلام المستخدمة لنقل المعارف والمعلومات والخبرات بالصورة الحية والتي تتكون مشاهدها من الصوت والصورة المتحركة بلونها الطبيعي في صورة واقعية قريبة من مدارك الأطفال لأنها تخاطب السمع والبصر , كما يمكن من خلاله تقديم المعلومات والأفكار والسلوكيات التي يتعسر نقلها للطفل عن طريق الكلمة المكتوبة أو الصورة أو الصوت إذا أستعمل كل منهما على حده , والصورة المتحركة المقترنة بصوتها الطبيعي الذي يضيف إليها مزيداً من الواقعية أقوى تأثيراً من الكلمة المكتوبة أو المسموعة , نظراً لاستخدام السمع والبصر وهما أساس الحواس الادراكية في تلقيها , وتزيد الألوان من فاعليتها واستيعاب الطفل وفهمه لمعلوماتها كما تتجاوز مشاهد التلفاز بالطفل حدود الزمان والمكان , كذلك تتخطى حاجز الأمية إذ إن هناك نسبة كبيرة من الاطفال تشاهد التلفاز قبل تعلم أصول القراءة والكتابة , ويكن الأطفال عاطفة شديدة نحوه , فهو وسيلة الاتصال للطفل والتي تشعره بوحشة إذا افتقده أو اضطروا لقضاء بعض الوقت بعيداً عنه كما أن الطفل في المرحلة المبكرة من عمره يكون محدود المدارك , والتلفاز قد يغدو تعويضاً عن الوالدين وبخاصة الأم , وإن طفل اليوم يقضي في مشاهدة التلفاز وقتاً أطول ممّا يقضيه بالمدرسة , وتصبح للطفل برامجه المفضلة التي يرغب في مشاهدتها بل ويحرص في أحيان كثيرة على متابعتها باستمرار , وأن المعلومات الهامة والثقافة الواسعة التي يمكن أن يقدمها التلفاز الذي قد يتفوق على الاتصال الشخصي ذاته في قدرته على تكبير الأشياء المتناهية الصغر وتحريك الأشياء الثابتة , كما يمكن أن تسهم برامج التلفاز في التكوين العلمي والاجتماعي والثقافي للطفل أكثر مّما تسهم به البرامج التقليدية , وتثري فكره وحسه بالخبرات التي تجلب إليه رسائل مصورة ذات معنى بما يزيد في حصوله على المعلومات وتزيد من رصيده اللغوي وتساعده في مواجهة مشكلاته اليومية .
كما تنمي من قدراته المبدعة التي يتواصل من خلالها مع العالم الواسع وبلوغ المطامح بعيدة المدى في عصر المعلومات الذي نعيشه , كما يمكننا أن نجعل برامج التلفاز تهدف الى تدعيم القيم الايجابية في نفوس الاطفال والتركيز على تنمية الاحساس بالانتماء الوطني لدى الطفل مع تعريفه بحقوقه وواجباته تجاه المجتمع والتركيز على تأكيد المُثل والسلوكيات الايجابية الفاعلة في نفوس الاطفال , كما يعمل على غرس العقيدة السماوية وتجلية حقائق الإيمان وتقديمها للطفل في صور مبسطة , وإلقاء الضوء على الهوايات والرغبات التي تشبع الكثير من حاجاته والتي تهم الطفل وتعمل على تنمية مواهبه في شتى المجالات .
إن برامج الاطفال في التلفاز ليست مسؤولة فقط عن تقديم المعلومات المفيدة لهم , بل يجب أن توجههم الى أسس التفكير السليم وكيفية البحث عن المعلومة , لأن هذا من شأنه أن يثبتها وخاصة إذا قدمت بأساليب درامية متنوعة لتظل ماثلة في أذهانهم لفترة طويلة , فيستفيدون منها في حياتهم وبهذا يمكن أن نوفر للطفل من خلال برامجه إمكانات المعرفة والاطلاع , ثم البحث والتجريب , وبالتالي يجد الطفل الاجابة الشافية لما قد يدور في ذهنه , وألا ننسى إبعاد الملل عنهم باستخدام الحدث السريع والكلمات المثيرة , لذا يجب أن يرعى العاملون في إنتاج برامج الأطفال ضرورة تطابق مضمون ما يقال مع الصور الحية المعروضة , لأنه كلّما كان هناك تطابق بينهما تزداد نسبة الفهم لديهم , وحينما يختلف مضمون ما يقال مع المادة المصورة تنخفض درجة الفهم والاستيعاب , ذلك لأن الطفل حينما يشاهد برنامجاً لا يتفق فيه مضمون ما يقال مع ما يعرض فلابد أن يجهد نفسه حتى يبقى متنبهاً لما يقال أو يعرض في آن واحد , وربما يسبب له ذلك سوء فهم أو تأويلاً , بينما تزداد قدرته على الفهم والاستيعاب بالتطابق بين ما يقال وما يعرض , ومن جهة أخرى يجب الاستفادة من كل الاساليب العلمية والفنية في كل ما يقدم للطفل من خلال برامج التلفاز كأفلام الرسوم المتحركة والدمى والمشاهد التمثيلية والاستكشافات والأفلام المصورة التي تصور حياة الناس والمرتبطة بالواقع , كالمناطق الأثرية الجميلة والحيوانات الأليفة وكل ما يحبه الطفل ويستأثر باهتمامه وكل وسائل الايضاح المرئية التي تساعد في تبسيط وتوضيح وتجسيد الأفكار المطروحة مع مراعاة إثارة اهتمام الطفل من أول فقرة في البرنامج بواسطة الأشياء المألوفة أو الغريبة , وكذا الأناشيد أو الشعارات التي يسهل ترديدها وكلها تزيد من تبسيط المعلومات وسهولة استيعابها مع أهمية أن يتولى إعداد المادة العلمية فيما يقدم للأطفال متخصصون كما هو الحال في برامج الكبار .
ومن جهة أخرى يجب العناية بالفقرات واختيارها بدقة شديدة , لأنها يمكن أن تغرق أطفالنا حاضرنا ومستقبلنا فيما لا يفيد وتمنعهم من البحث عما يفيد أو قد تؤدي الى تثبيت قيم ومفاهيم خاطئة تضر بصورة مجتمعنا وقيمه الأصيلة , خاصة وقد كثرت الخرافات في البرامج الموجهة للأطفال التي تتعارض مع قيمنا ولا تتفق مع الأهداف التي نرتضيها , وهذا لا يعني ألاّ نستفيد من تلك البرامج الموجهة , بل يجب التدقيق الشديد أو فرض رقابة على ما يقدم منها وتعديله بما يتلاءم مع واقعنا وقيمنا الأصيلة , ونؤكد هنا على الاهتمام بالمعلومات أو الأفكار التي تقدم بطريقة مُضللة وألاّ تتضمن البرامج ما يؤدي الى تعليم الاطفال وسائل مبتكرة لارتكاب جرائم يمكن تقليدها حتى ولو انتهت بإدانة المجرم والتنديد بالجريمة , واستبعاد المشاهد والفقرات التي تعتمد على أعمال العنف وإثارة نوازع الجنس أو التهتك أو العدوان أو التي تسبب الفزع أو الرعب للأطفال أو تشجع على الرذيلة وتنقيتها من كل ما يسيء الى القيم الدينية الأصيلة , على أن تلتزم في كل ما تقدمه بالحفاظ على القيم الروحية والاجتماعية والتمسك بالدين والقيم وتحثه دائماً على حب الخير وكره الشر مع عدم المساس أو الإقلال من شأن الاقليات أو الفئات الاجتماعية المختلفة أو التمييز بينها لسبب الأصل أو المذهب أو اللغة , وتجنب السخرية من المعوقين ذوي العاهات الجسدية أو العقلية أو الإساءة لهم , كما ينبغي أن تنمّي أفقهم وتوسع خيالهم ومداركهم الذاتية لأنه بدون الخيال لن يكون هناك إبداع أو تطور .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat