خِصَالٌ ثَلَاثٌ ينبغي بالإنسانِ المُؤمنِ أن يُرَبِّي نَفسَه عليها ويَحَذَر مِن الحِرمَانِ منها
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أوصيكم ونفسي أوّلاً بتقوى الله سبحانه والاستعداد للقائه والالتفات إلى وجود الإنسان في محضره وإحاطة الله بكلّ شيءٍ منه، وهو يعلم ما في نفوسنا وسجايانا ويحيط بنوايانا وخفايانا وأسرارنا ، ويكون لكلٍّ منّا حسابٌ وفقَ ما اشتملت عليه النفسُ من خصالٍ وسجايا وما انطوى عليه ضميره من نوايا وعزائم ، وما اشتمل عليه من التصديق بالله سبحانه والدار الآخرة .
لقد ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) أنّه قال : (مَا ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُ بِشَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْه مِنْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ يُحْرَمُهَا ، قِيلَ ومَا هُنَّ قَالَ : الْمُوَاسَاةُ فِي ذَاتِ يَدِه والإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِه وذِكْرُ اللَّه كَثِيراً ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ - سُبْحَانَ اللَّه والْحَمْدُ لِلَّه ولَا إِلَه إِلَّا اللَّه ،ولَكِنْ ذِكْرُ اللَّه عِنْدَ مَا أَحَلَّ لَه وذِكْرُ اللَّه عِنْدَ مَا حَرَّمَ عَلَيْه ) .
: الكافي ، الكليني ، ج2 ،146.
فالإمام الصادق( صلوات الله عليه) في هذا الحديث الشريف المُتكرّر ، بل المستفيض في النصوص المعتبرة لنفسها أو بغيرها يؤكّد على لزوم تربية الإنسان لنفسه على هذه الخِصال الثَلاث .
:الخصلة الأولى : هي لزوم ذكر الله تعالى ، وليس المقصود بالذكر بهذا الحديث ، كما صرّح (عليه السلام) الذكر الذهني والقولي ، بل المقصود أن يكون الإنسان على ذكرٍ يُؤثّر في قلبه ، فالإنسان يذكر بعض الأشياء وبعض الحقائق ولا يَعتبر بها .
ومن المهمّ للإنسان تجاه الله سبحانه وتعالى أن تكون حقيقة وجود الله وكون الإنسان في محضره ، وإطّلاع الله على أسرار الإنسان وخفاياه وسجاياه ونواياه – أن تكون هذه الحقيقة مؤثّرةً وفاعلةً في نفس الإنسان ، وهذا الخلط ممّا يقع فيه الإنسانُ كثيراً ، فالإنسان ربّما يشتغل بالذكر أو يديم الذكر القولي أو الذهني ، ولكن تجده لا يخشى الله فيه ولا يتورّع عن محارمه إذا أُتيحت له ، فهو يستبيح حُرمات الآخرين بالشبهات والأوهام ويُزِّين ذلك لنفسه ، أو يرتكب الأمور المحظورة الفرديّة في ما بينه وما بين الله سبحانه .
وغاية الإنسان المؤمن أن يكون الله سبحانه حاضراً في نفسه ، ليس حضوراً ذهنيّاً ، بل حضوراً قلبيّاً ، بحيث يؤثّر في الخوف والرجاء والشكر والامتنان وسائر الخصال التي تتحقّق عن الذكر الحيِّ - ولذلك ورد في الدعاء الشريف : (اللّهُمّ اجعل قلوبَنا مَليئةً بذكركَ وشكركَ والمخافةَ منك والرجاءَ لك والرغبةَ إليك ).
والمهمّ : أن يحصل الإنسانُ على هذا الحال ولا يشتبه عليه الذكر القولي والذهني أو العمل الخارجي بهذه الحقيقة ، وهذه الحقيقة جوهرة مَن حازها أفلح ، ومن لم يُحزها وقع في العناء والشقاء يوم ينكشف له الغطاء ويغادر هذه الحياة ليجد اللهَ سبحانه ويلقاه.
:والخصلة الثانية : التي أوصى بها(عليه السلام) هي إنصاف المرء من نفسه ،وقد ورد في بعض أحاديث هذا الباب التعبير ب (إنَّ اللهَ يحبّ المرءَ المُسلِمَ الذي يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه ) والوصول إلى هذا المقام ليس بالأمر السهل ، وكثيراً ما يعتب الإنسانُ على الآخرين في شيء يسيء الظنّ بهم ، ولكن لم يتحقّق التحقّقَ الكافي ويتسرّع – ولو أنَّ الآخرين تصرّفوا معه بمثل ذلك لاعتبره تعسّفاً وتسرّعاً وقلّة تثبّتٍ وعدم نصح ومحبّةٍ ، ولا يقبل الإنسان مثل ذلك على بعض أحبّائه ، كأبيه أو إخوته أو قومه ، ولكنّه بالنسبة إلى الآخرين يسترسل ويتسرّع ويسيء الظنَّ ويحمل على الفساد ، ولا يُقَدّر الأعذار المحتملة ، ولا يُريد للآخرين الخير كما يريد لنفسه .
والارتقاء إلى هذا الشعور الإنساني بالآخرين واقعاً ليس بالأمر السهل سواءٌ في ما يتعلّق بالإنسان الاعتيادي - في تعامله مع زوجته أو مع أولاده ومع أصدقائه أو مع الكسبَة الّذين يتعامل معهم ، أم بالنسبة إلى الآخرين الذين هم في مواقع المسؤولية، عليهم أن يشعروا بالآخرين كما يشعروا بأنفسهم وكما يشعرون بعدالتهم، فالناس بالنسبة إلى المسؤولين هم عيال عليهم، والإنسان المسؤول بمقدار مسؤوليته وبمقدار ما وضِعَ تحت يده من الإمكانات يجب عليه أن يكون رفيقاً بالناس ويحنّ عليهم ،وبدون هذه الصفات القلبيّة لا يستطيع الإنسان أن يشعرَ بالآخرين.
نعم - للمحكوم على الحاكم حقّ ، وللزوجة على الزوج حقّ ، وللأولاد على الآباء حقّ ، وبالعكس - فمجرّد الاعتقاد بالحقوق لا ينفع بدون العواطف ، فإذا الإنسان لم يشعر بمعاناة الآخرين ولم يستطيع أن يضعَ نفسَه موضعَهم فلا ينفع مهما حفظَ من هذه النصوص والحِكَم والأقوال والمواعظ ، ومهما اعتقدَ بصوابها.
: والخصلة الثالثة : وهي ذات علاقة بالخصلة الثانية ، وهي مواساة الإنسان مع الآخرين ، يعني أن يحبّ أن يعيشَ مثلَ ما يعيش الآخرون، ويعيش الآخرون مثلَ ما يعيشه،فإنَّ كان الإنسان عاجزاً عن أن يَمدّ الآخرين بأسباب الراحة والسعادة مثل الذي هو فيه ، فلا أقلّ من أن يسعى إلى أن يكون مثلهم ولا يتميَّز عنهم .
فتكوّن الطبقات في المجتمع من الناحية الدنيويّة من أكثر أسباب الإشكال - وروح المواساة وروح عدم التميِّز مساعدٌ للإنسان على صلاح نفسه وعلى صلاح مجتمعه العام .
:تَذْكِرَةٌ قيِّمَةٌ ٌ ألقاها علينا سماحةُ السيِّد الأُستاذ الفاضل مُحَمَّد باقر السيستاني ، دامت توفيقاته :
: اليوم ، الأربعاء – 28 ربيع الآخر - 1441 هجري - 25 - 12- 2019م.
: تدوين – مرتضى علي الحلّي – النجف الأشرف :
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat