الحصانة البرلمانية بين الغاية الدستورية والاستغلال الشخصي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لقد تناولت العديد من الدراسات والبحوث موضوع الحصانة البرلمانية بالبحث والتنقيب والمقارنة، وهنا نود أن نطرح فكرة مبسطة وموجزة لفكرة الحصانة البرلمانية وفق التنظيم الدستوري لها في دستور العراق لسنة 2005 .
لقد أقرت الكثير من دساتير الدول ومنها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فكرة الحصانة البرلمانية للنائب ، وذلك لموقع عضو مجلس النواب بصفته ممثلاً لكل الشعب ، ومن أجل منحه الاستقلالية والحرية في أداء مهامه النيابية الرقابية والتشريعية، مما يقتضي منح موقع النيابة والتمثيل مساحة تمكنه من أداء دوره في هذا المجال ويكون غير مسؤول قضائيا عن آراءه وأقواله وأفكاره، وأن هذه الحصانة تمثل امتياز للموقع النيابي الذي يشغله النائب وليس للصفة الشخصية، لذا فان الحصانة البرلمانية تزول بانتهاء الدورة النيابية أو بتوفر أحد الاسباب المنصوص عليها دستوريا وقانونيا .
لقد نص الدستور العراقي لسنة 2005 على الحصانة البرلمانية في المادة ( 63 - فقرة أ،ب،ج ) حيث جاء في ( ف - أ ) يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في أثناء دورة الانعقاد، ولا يتعرض للمقاضاة أمام المحاكم بشأن ذلك، حيث منحت امتيازاً للنائب بكل ما يدلي به من آراء ، ولا يتعرض للملاحقة القضائية بسبب آراءه وتصريحاته .
ثم جاء النص في ( الفقرة ب و ج من المادة 63 ) أنه لا يجوز القاء القبض على النائب إذا كان متهما بجناية الا بعد رفع الحصانة عنه، وحددت أن رفع الحصانة خلال الفصل التشريعي تتم بالتصويت بالأغلبية المطلقة لمجلس النواب ، وأما خارج مدة الفصل التشريعي تكون الصلاحية لرئيس مجلس النواب برفع الحصانة، وأما في حال التلبس بالجرم المشهود فهنا يجوز القاء القبض عليه ولا حظر أمام تطبيق الإجراءات القضائية بحقه .
ونجد أن الدستور نص على مطلق الآراء التي يدلي بها النائب خلال فترة الانعقاد، ولم يتم تحديدها أو تقييدها بما يتصل منها بعمله ونشاطه البرلماني، وذلك لمنحه الحرية الكافية وبعث الطمأنينة في نفسه وتمكينه من الدفاع عن المصلحة العامة وحقوق الشعب التي تتطلب جرأة وصراحة في وجه السلطة التنفيذية أو غيرها .
من جهة أخرى على عضو مجلس النواب أن يمارس هذا الدور من خلال التعبير عن رأيه أقواله بكل مقتضيات الاحترام وبالطريقة المناسبة المستندة الى الادلة العلمية والوقائع الموضوعية عند التعامل مع مؤسسات الدولة وسلطاتها.
أما الآراء والأفكار الشخصية التي يعبر عنها والتي لا علاقة لها بالمهام البرلمانية ولا تتصل بدوره كممثل عن الشعب، وفي ذات الوقت تندرج تحت الجرائم المنصوص عليها قانوناً ( مثل جرائم السب والقذف والاتهام ) ينبغي أن تتم مساءلة النائب عنها ومحاسبته وفقا للإجراءات القانونية، ذلك لان الامتياز الذي منح لعضو مجلس النواب والذي يعد استثناءً من " مبدأ المساواة أمام القانون "، قد وجد في الأصل لمساعدته في العمل البرلماني والغاية منه تحقيق المصلحة العامة, وليس امتيازا لشخصه ولأهدافه الخاصة التي لا صلة لها بدوره وعمله البرلماني .
كما أن النص الدستوري في تنظيمه للحصانة البرلمانية قد مزج بين أقوال وآراء عضو مجلس النواب وتصريحاته ( لا مسؤولية قضائية عن جرائم الرأي ) التي تساهم في أداء دوره البرلماني ونشاطه الرقابي والتشريعي وهذا أمر ضروري لا مناص منه، وبين ( الحصانة البرلمانية ) التي تحظر أتخاذ الاجراءات القضائية بحق النائب أذا ما أتهم بارتكاب سلوك جنائي يعاقب عليه القانون, الا بعد رفع الحصانة عنه بالطرق التي بينها الدستور في المادة ( 63 ) .
وعليه فإن نطاق الحصانة البرلمانية التي تتسم بالضرورة لعضو مجلس النواب تتجسد فيما يدلي به من آراء وأقوال تتصل بدوره البرلماني على المستوى التشريعي والرقابي، وبصفته ممثلاً للشعب ومدافعاً عن الحقوق العامة .
أما أقواله وآراءه الشخصية وغيرها التي لا علاقة لها بمهام النائب ودوره البرلماني، ينبغي أن يسائل عنها ولا تغطيها الحصانة, فضلاً عن سلوكه الجنائي الذي يعده القانون جريمة, لكي لا يتم استغلالها ( الحصانة البرلمانية ) وتصبح وسيلة وغطاء لممارسة الجرائم من قبل الذين لم يرتقوا الى مستوى موقع المسؤولية النيابية عن الشعب من ضعاف النفوس وعديمي الوعي والثقافة .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat