صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 6 ) الطوفان واهلاك المجتمع البشري
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد مضي تلك الفترة الزمنية الطويلة اخبر الله تعالى نوحا (عليه السلام) انه لن يؤمن من قومه الا من قد آمن فلا يوجد اي امل في ايمان اي شخص ولو من الاجيال المستقبلية
(وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ، وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) 
فيأس نوح (عليه السلام) من ايمان قومه فدعا الله تعالى ان يهلكهم، فاعقم الله تعالى اصلابهم اربعين سنة وقطع عنهم قطر السماء فأجدبت الارض وجاعوا ولكنهم لم يكفوا عن غيهم ولم يرتدعوا عن ظلمهم، وبعد مضي الاربعين سنة جرت الارادة الالهية بإغراقهم الا من امن مع نوح (عليه السلام)، فاهلك الله المجتمع البشري برمته ليكونوا عبرة لمن يأتي بعدهم من الاجيال .
(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) 
كانت حادثة الطوفان عبرة عظيمة للأجيال التي جاءت بعد تلك الحقبة الزمنية التي نقل الاباء فيها لأبنائهم وقائع الفيضان العظيم الذي غمر الارض وكيف انجى الله المؤمنين واهلك الكافرين، فكان تأثير تلك الواقعة في نفوس الاجيال جيلا بعد جيل باعث على السير على نهج النبي نوح (عليه السلام).
ومضت الاجيال تتلو بعضها بعضا، وشيئا فشيئا اخذ تأثير تلك الحادثة يخبو اثره في النفوس وعاد الناس الى سابق عهدهم من اتباع الشهوات وارتكاب المحرمات وعاد الظلم والجور مع ازدياد نسل الانسان على الارض وظهور التجمعات البشرية الكبيرة وعودة السلطة للظهور كقضية حتمية للتوسع العددي للمجتمع البشري، ولم تلبث الجاهلية ان عادت من جديد ليخبر القران الكريم عن اهلاك عاد وثمود في الفترة التي امتدت بين نوح وابراهيم عليهما السلام
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ ، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) 
الا ان القران الكريم لم يخبر عن اهلاك جميع سكان الكرة الارضية، وفي عهد ابراهيم (عليه السلام) على الرغم من انتشار عبادة الاوثان، حتى وصف الله تعالى ابراهيم (عليه السلام) بانه كان امة 
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) 
 الا ان القران لم يخبر عن اهلاك مجتمع الشرك برمته بل اخبر فقط عن اهلاك قرية سدوم التي بعث اليها النبي لوط (عليه السلام) ليدعوهم الى ترك الفواحش فلم يستجيبوا، وبعد ابراهيم (عليه السلام) اخبر القران الكريم عن اغراق فرعون وجنوده ولم يهلك المجتمع المصري الذي كان يؤله فرعون.
ومن خلال هذا العرض للعقوبات الالهية للمجتمع البشري يمكن ان نستخلص عدة امور:
1.  ان المجتمع البشري عاش في رخاء منذ عهد ادم (عليه السلام) وحتى عهد ادريس (عليه السلام) وكان المجتمع مجتمعا موحدا لم تظهر فيه عبادة الاوثان، وان كان المجتمع منذ جريمة قابيل يرتكب المعاصي.
2.  ان ادريس (عليه السلام) لجأ الى اسلوب العقوبة الاقتصادية المجتمعية لردع المجتمع الظالم عن ظلمه، وان المصاعب التي عاشها المجتمع نتيجة العقوبة اثمرت عودته الى جادة الحق بعد عشرين سنة من العقاب المستمر.
3.  بعد ظهور الشرك على الارض وانتشاره بين البشر، ارسل الله تعالى نوحا (عليه السلام) يدعوهم الى التوحيد فلم يستجيبوا، وفي الفترة الممتدة بين بناء الفلك والطوفان عاقب الله تعالى البشر بالعقم والجدب علهم يرجعون.
4.  بعد فترة النبي نوح (عليه السلام) لم يهلك الله تعالى المجتمع البشري برمته كما حصل في الطوفان، وانما وقعت عقوبة الهلاك الجمعي على بعض الاقوام كعاد وثمود وسدوم، وفي عهد موسى (عليه السلام) اهلك الله فرعون وجيشه ولم يهلك المصريين جميعا مع انهم كانوا  يؤلهون فرعون، وهذا يكشف عن العلة التي اخبر الله تعالى بها نوح (عليه السلام) وهي ان المجتمع البشري في عهده لن يؤمن منهم الا من قد امن، وكذلك الحال في عاد وثمود وسدوم وجيش فرعون، اما ما عداهم من سكنة الارض فان عودتهم الى التوحيد قائمة في علم الله عز وجل على العكس من تلك الاقوام التي كان في سابق علمه تعالى انها لن تعود الى التوحيد فاهلكهم، وهذه الحقيقة نجدها محققة اليوم على ارض الواقع ففي الوقت الذي لم يكن على الارض موحد سوى ابراهيم ولوط عليهما السلام اصحبت اليوم المجتمعات التي تعتنق التوحيد تملا الارض فأوروبا وامريكا وروسيا يغلب على اهلها النصرانية وافريقيا وبعض اسيا يغلب على اهلها الدين الاسلامي والهند والصين والكوريتين فيها ديانات مختلفة وان كان يغلب عليها الديانات الارضية كالهندوسية والبوذية لا ان فيها نصارى ويهود ومسلمين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/10



كتابة تعليق لموضوع : الابتلاء ودوره في بناء الانسان  ( 6 ) الطوفان واهلاك المجتمع البشري
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net