الرحمة والتذكرة في قصة النبي ايوب (عليه السلام)
عبير المنظور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبير المنظور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
احتلت قصص الانبياء مساحة كبيرة في القصص القراني منها ما وردت في سورة كاملة ومنها في ايات متفرقة ومنها ما تكررت في عدة سور لمقتضيات سياقية وبلاغية وغيرها ومنها قصة النبي ايوب (عليه السلام).
ذكر النبي ايوب (عليه السلام) في القران في اربع سور, سورتان ذكر فيها مع جملة من الانبياء وسورتان ذكرت قصته بايجاز كبير, فقد ورد اسمه (عليه السلام) في سورة النساء/163 في قوله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا), وايضا في سورة الانعام/84 في قوله تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
وقد فصلت قصته في ست ايات فقط توزعت على سورتين ايتان في سورة الانبياء/83-84 في قوله عزوجل: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ), واربع ايات في سورة ص/41-44 في قوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
وبتامل بسيط في القصة بين السورتين نجد تشابها كبيرا في الالفاظ والمعاني الا بعض الالفاظ اليسيرة التي سنشير لها لاحقا, نلاحظ التطابق اللفظي بوضوح في اربعة مواضع:
1- ايوب اذ نادى ربه اني مسني
2- اهله ومثلهم معهم رحمة
3- وذكرى
ولو دققنا جيدا لوجدنا الاختلاف في صدر الايتين يستتبعه الاختلاف فيما بعدها حسب السياق.
والمقصود بـ (« إذ نادى ربه » أي حين دعا ربه رافعا صوته يقول يا رب لأن النداء هو الدعاء بطريقة يا فلان و متى قال اللهم افعل بي كذا و كذا كان داعيا و لا يكون مناديا)(1)
وورد في سورة الانبياء نادى ربه بانه مسه الضر ليكشفه برحمته الواسعة فاستجاب الله له لصيره وشكره لسنوات عديدة واتاه اهله ومثلهم معهم اي
ضاعف عليه ما خسره وانعم عليه بالكثير من الخيرات (رحمة من عندنا) وصفت الرحمة هنا بانها من عند الله والرحمة في تعبير (من عند) اي (من حيث) لا تخلو من نكتة لطيفة وهي انه من الممكن ان تكون الرحمة في كشف الضر من عند الله او عن طريق من يسخره الله تعالى كشخص معين او جهة معينة ليكون مصدر رحمة وفرج لبعض الاشخاص (وذكرى للعابدين) والتذكرة للعابدين هنا لان من توجه لله بالدعاء لكشف الضر والنائبات فهو في عبادة وحمد الله وشكره وقت الابتلاء عبادة والانابة والخضوع له تعالى في السراء والضراء عبادة وحسب السياق يجب ان تكون التذكرة هنا للعابدين.
وورد في سورة ص (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ) هنا ذكر القران صفة العبودية لايوب (عليه السلام) ونسبها له تعالى بقوله (عبدنا) حيث دعا ربه بعد صبر لاعوام عديدة على السقم والبلاء بان الشيطان قد مسه بنصب وعذاب ومس الشيطان باجماع المفسرين يعني وسوسته له ليثنيه عن تحميد الله وشكره فانعم الله عليه بالشفاء وعودة الاهل والاحبة ومضاعفة النعم عليه (رحمة منا) والرحمة هنا بتعبير الاية من الله ومقتضى الحال في عبد نسب الله عبوديته اليه تعالى ان يلجأ الى الله تعالى لإبعاد وسوسة الشيطان والتي هي من اعظم البلاءات التي يواجهها العبد في مسيرة حياته فالرحمة الالهية تتجلى في دفع وساوس الشيطان وتلك الرحمة منه تعالى فقط ولا يمكن ان تاتي من غيره (وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) اولي الالباب هنا اعم من العابدين وادق في التعبير القراني بلاغيا وسياقيا لأن اولي الالباب هم من يلجأون الى الله تعالى لدفع وساوس الشيطان اضافة الى ان الايات في سورة ص تعرضت الى تفصيل قصة ايوب (عليه السلام) ومرضه وشفائه وعدم حنثه بقسمه كل ذلك تذكرة لاولي الالباب لأخذ العبرة والموعظة فهم اهل الفكر والاعتبار, اما الاختلاف الحاصل في الايتين في تعبير الرحمة والتذكرة ناتج عن اختلاف نداء ايوب (عليه السلام) في صدر الاية.(2)
وبتأمل بسيط في الرحمة والتذكرة في قصة ايوب (عليه السلام) نجد ان الرحمة وهي الجنبة الفردية من القصة حيث ان الرحمة الالهية من كشف ضر واجابة دعاء ورزق مادي ومعنوي شملت ايوب (عليه السلام)، اما الذكرى فهي الجنبة الاجتماعية من القصة والتذكرة هنا سواء كانت للعابدين ام اولي الالباب فهي عائدة لشريحة واسعة في المجتمع وعموما فالذكرى والاعتبار هما الهدف من القصص القراني وغير القراني ايضا.
ومن المواعظ والعبر التي تخللت قصة ايوب (عليه السلام):
1- فضل الصبر على الشدائد واهميته في تكامل العبد
2- اهمية شكر الله في الضراء قبل السراء
3- مراعاة اداب الدعاء وتحصيل مقدماته
4- مواساة المراة لزوجها ومؤازرتها له في الظروف الصعبة
5- ابراء القسم وعدم الحنث به
6- دور البلاء والشدائد في كشف النوايا الحقيقية للبشر
الهوامش
(1)تفسير مجمع البيان ,ا لطبرسي, ج8 , ص322.
(2)انظر درة التنزيل وغرة التاويل, الخطيب الاسكافي, ص 907
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat