الإمامُ المَهدي (عج) وثنائيَّة الغيبِ والشهادة وقفةٌ معرفيَّة مع المُعطى القرآني ( 2 )
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يجب الالتفات عقيدياً لما تفرضه موضوعة الإيمان بالغيب علينا، إذ أنها تمثل الحاجة الفعلية لاستلهام مدد الغيب الإلهي للناس أجمعين؛ وفي حالة ترك ورفض الناس للإيمان بالغيب، فسوف يُحاصرون بضغوطات وفروضات عالم الطبيعة القهري، ويركنون إلى عقولهم أو غرائزهم أو علومهم، كما يصنع اليوم أرباب الحضارات المادية المتقوقعة في تعاطيها وأشيائها مع عالم الشهادة فحسب.. فلا العقل البشري ولا مُنجزاته المعرفية والعلمية، تتمكن اليوم من سدّ وملء الفراغ في الحاجة والاستمداد من الغيب مهما بلغ التطور العلمي والتقني؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يتصلَ بعالم الغيب إلا بسلطان، وهو لا محالة إما أن يكون نبياً أو إماماً معصوماً منصوباً من قبله تعالى، وهذا ما نؤمن به قطعاً؛ لأنّ اللهَ تعالى لا يسمح لأحد الإطلاع على الغيب إلاّ لمن ارتضى، كما في قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) سورة الجن:26-27.
وهنا تلويحٌ رائع في حكاية القرآن الكريم لتعاطي الإنسان المؤمن مع الغيب الإلهي السديد، ففي الآيتين الأوليتين من سورة الجن، تقطع الآية بحتمية تحقق المُغيَّبات الموعود بتحققها إلهيَّاً، كما هو حالنا اليوم نحن المُنتَظِرين لفرج وظهور إمامنا المهدي (عج). لاحظوا قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا) الجن: 24.
إنَّ هذه الآية ترمز إلى وجوبية تحقق الوعود الإلهيَّة للمؤمنين في نهاية المطاف. والآية التي بعدها: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا) الجن: 25. هي الأخرى تبثُ روح الإيمان بالغيب في كيانية الإنسان المؤمن. وترديد الآية الاستفهامي، يرمز إلى حقيقة وضرورة الانتظار لتحقق أهداف الغيب في عالم الشهادة، ثمّ تأتي الآيات التالية لتؤسِّس هي الأخرى لضرورة ارتباط المعصوم بالغيب نبياً كان أم إماماً، منصوباً إلهيَّا وعلى طول زمنية عالم الشهادة.
ولا عجب من ارتباط مهدينا الموعود اليوم بعالم الغيب مباشرة، إذ أنَّ الآية: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) الجن: 26-27-28. هذه صريحة في ارتباط نبينا محمد (ص) مباشرة بالغيب لقوله تعالى: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ)، وهذا الرسول هو رسولنا محمد (ص)، فقال أبو جعفر الإمام محمد الباقر (ع): (إلاّ من ارتضى من رسول.. وكان والله محمد (ص) ممن ارتضاه).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat