أربع صور لباب قبلة العباس(عليه السلام) كتابة المكان الجزء الأول
علاوي كاظم كشيش
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
علاوي كاظم كشيش

الصورة الأولى: لا يكون المكان فيها سوى ذكريات متراكمة تعني الآخرين، ولاتعني كاتب السطور؛ لأنه لم يكن قد ولد بعد، ولأن الصورة التقطت في عام 1935. ولكن روائحها تنبعث هنا وهناك، إنها روائح الماضي والبساطة والبؤس، (ربل) يقف على الجانب الأيسر، يجره حصانان، على خلفيته رقم (كربلاء6)؛ ومن الطريف أن هذه الأرقام كان يضعها أصحاب (الربلات) حسب رغبتهم؛ لأنها غير رسمية، عمود كهرباء مترنح، وشناشيل بسيطة، و(قنفات) وسط الشارع، تدلُّ ملابس الجالسين على أن الفصل كان شتاءً. تنعدم السيارات تماماً، وربما لا يتسع الشارع لعربتين فقط، وتدل (القنفات) المرصوفة في نهر الشارع على أن التخطيط الحديث لم يصل بعد.
إنه البؤس الذي اكتسبته مدن العراق في تلك المرحلة، لكن ما يشفع لهذه الصورة ويحملها دلالة مؤثرة وجود المنائر، واحدة اسطوانية تحمل راية، وفي الخلفية منارة تشبه منارة العبد في مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) إن لم تكن هي، والثالثة منارة مكعبة الشكل غير اسطوانية بطابقين، وتلفت النظر ساعتها المرقمة بالترقيم الروماني؛ ومن حسن حظ أطفال كربلاء أنهم كانوا يتعلمون الترقيم الروماني وتقسيم الساعة قبل دخولهم المدرسة.
وتكسب هذه المنائر ومدخل الرواق قوة مضافة الى المشهد، توازن ضعف الأبنية في الشارع.. الأعمدة المتهالكة تنذر بسقوط متوقع، يجعل عين الرائي تذهب سريعا الى مركز الصورة، حيث باب قبلة العباس(عليه السلام) والرواق والمنائر، إذ تبرز العمارة الاسلامية والزخرفة على جسد المنارة بوضوح وجاذبية مطمئنة.
هناك في أعلى الوسط جرس كبير، سيظل حتى نهاية العقد الستيني، يقرع مع الساعة، ولقرعه مذاق شجي في سماء المدينة خاصة في وقت الظهيرة. انها صورة تشير الى البساطة، والى شعرية تتخفى هنا وهناك، تلمحها البصيرة ولا تعبِّر عنها، إذ يتقاطع الماضي الذي لا يخلو من الألم والصمت، والمستقبل الذي يحبل بالكثير مما سيشهده هذا الباب.
الصورة الثانية:
بعد أربعة عقود من الصورة الأولى، تغلق الباب ساحة صغيرة يقف عليها شرطي المرور، بينما احتفظت المنارات بأماكنها، ولكن السور بدا واضحا، وقد أزيل السوق القديم، وظهرت الشوارع المعبدة، فعلى اليمين طريق يؤدي الى باب العلقمي، وعلى اليسار طريق يستقبل السيارات القادمة من بغداد، ومن باب بغداد تحديدا، بعد أن تنعطف مارة بمحل طرشي الميناء الشهير، الذي كان يقابله محلات باتا للأحذية..
الفضاء مفتوح يسمح بأن يتوهج الناظر في ظهيرة ممتعة، وفي ظهيرة قادمة في ربع قرن قادم ستكتب على المساحة الاسفلتية لهذا السور شعارات الانتفاضة في آذار1991 بعد أجريت تطويرات على قشرة السور وأزيلت المحلات الملاصقة له..
على يمين الداخل الى الرواق، هناك مكتبة عامرة، حوت ما لذ من الكتب والمخطوطات، كانت ملاذا لتلميذ في الابتدائية يدخل ويتشمم رائحة الكتب القديمة، ويضيع ساعات فيها، ولا يخرج حتى يلقي نظرة على نسخة من القرآن نفيسة كتبت بماء الذهب، كان لها بريق أخاذ كبريق المنائر تحت ظهيرة ماطرة، ترقّص القلب، وكان ديوان بشار بن برد وكتاب الأغاني ألذ ما صادف التلميذ في هذه المكتبة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat